حوار مفتوح: من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك.. النقاش حول قيادة المنطقة

محمد بدرالدين زايد
محمد بدرالدين زايد

آخر تحديث: الأحد 7 يونيو 2020 - 11:52 م بتوقيت القاهرة

كلمة "الشروق"

في مواجهة التحديات والعقبات التي تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة في العمل العربي المشترك، دعت "الشروق" عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التي يجب توافرها في دولة أو ائتلاف عربي يتولى مهام القيادة في النظام العربي ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربي الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق في دولة البحرين الدكتور علي فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة في سلسلة مقالات "حوار مفتوح - من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك" تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر "الشروق".

 

ربما يكون أهم ما يعكسه النقاش الذى يطالعنا من وقت لآخر حول من يقود المنطقة، أنه لازال من الممكن الحديث عن مصالح عربية مشتركة أو روابط ما بين دول العالم العربي، رغم قتامة الصورة وصعوبة المشهد الراهن. ولقد طالعت باهتمام ما نشرته الشروق للكاتب الإماراتي د. عبدالخالق عبد الله حول أن هذا زمن القيادة الخليجية، وهو رأي سبق له طرحه فى منابر مختلفة، كما قرأت باهتمام ما كتبه المفكر العربى البحرينى د.على فخرو حول شروط القيادة وما الذى يجب أن يتمتع به الطرف العربى الذى يتقدم لهذه المهمة، وفى الحقيقة إن معالجة هذه المسألة تتسم بقدر كبير من الانفعال والأحكام المسبقة والحساسية المفرطة فى أوساط الفكر والإعلام العربى ربما بشكل يزيد عما يمكن أن تكون عليه الأمور فى أوساط الحكم وصنع القرار العربي.

***

ولأن القضية شائكة واستجابة لدعوة الشروق الكريمة فأنني أفضل مناقشتها من خلال بعض الأبعاد أو الاعتبارات أو لتكن تأملات مبدئية.

البعد الأول، أن هناك إشكالية في المفاهيم، سواء في تحديد ما المقصود بمعنى من يقود أو فى مسألة الدور، التى هى بشكل أو آخر المقْدرة على التأثير والتحكم فى التطور السياسى لمجتمع ما أو لمجتمعات ما في لحظة زمنية معينة، وإذا قبلنا هذا التعريف الموسع، فسنجد أنه منذ عقود التحرر العربي– فإن هناك الكثير من الأحكام والتعميمات التى يحتاج العالم العربي لمراجعتها، وأن مقدرة الأطراف الأكثر تأثيرا تفاوتت من أزمة لأخرى ومن مرحلة لأخرى.

البعد الثانى، أنه من منظور تاريخى استراتيجي، كان وادى النيل هو أكثر مراكز الثقل التاريخية، يليها حوض نهر الفرات والهلال الخصيب عموما، دون إنكار الومضات التاريخية المهمة للعديد من شعوب المنطقة فى مراحل مختلفة، ومن منظور تاريخى أيضا لا يمكن إنكار التراجعات المصرية فى حقب مختلفة عبر آلاف السنين، دون أن يمس هذا الحتميات الجغرافية التاريخية التى صنعت نسقا ثقافيا حضاريا مؤثرا عبر التاريخ، بحيث أن طامحى القيادة الإقليمية بكل أشكالها المختلفة يضعون مصر فى جملة المقارنة، وكل الطروحات منذ الخمسينيات وحتى اليوم مع كل تباينات هذه المراحل، كانت تدخل مصر فى جمل مقارناتها، وهو ما يصب فى النهاية فى محورية هذا الدور.

البعد الثالث، إن هناك إشكالية فى العقل العربى بما فيه المصرى من أمرين بهذا الصدد، الأول محاولة استدعاء التجربة الناصرية وتجاهل تجاوزها تاريخيا، والثانى نابع من رغبة كل تيار سياسى عربى فى أن يعيد صياغة الدور المصرى على مقاس تصوراته أو مصالحه، والحقيقة أن تفاصيل هذه الرؤية المشوشة عديدة، وفى بعض الأزمات والمواقف العربية، كان كل من طرفى الأزمة يتحدث عن دور قيادى مصري يتولى هو توجيهه وتحريكه أى تحريك مصر لخدمة هذا الطرف تحديدا، وكأن الدور المصري كى تقبل به هذه الأطراف يجب أن يكون على مقاس هذا الطرف أو ذاك وأكتفى بهذا دون تفاصيل.

البعد الرابع، هو أن الأدوار كالبشر والكائنات الحية تعرف دورات صعود وهبوط، ازدهار وانتكاس، وهذا الصعود والهبوط يحدث طوال الوقت، وفى أقصى مراحل ازدهار قوة الدول وحتى الإمبراطوريات، كما أنه مهم تذكر أن الدور حالة إدراكية للاعب وللمستجيب كذلك فيجب أن يقتنع الطرفان بذلك.

البعد الخامس وهى ضرورة التأكد من أن مقومات القوة والتأثير معقدة، ولكل زمان رجاله، فى الماضى كانت معايير القوة الشاملة المادية من قوة عسكرية وسياسية واقتصادية تبدو للبعض وكأنها الأقوى والأكثر تأثيرا، وذلك حتى جاء جوزيف ناى ليحدثنا عن القوة الناعمة الأمريكية، وكأنه اكتشاف جديد، مع أن قوة مصر الناعمة هى التى لفتت الأنظار وهى محتلة من الإغريق والرومان، تصيغ عقولهم مرة بالفلسفة والعلوم مع الإغريق، ومرة ثانية بالمسيحية فى الدولة الرومانية، بعبارة أخرى كانت القوى الناعمة عنصرا رئيسيا وحاسما فى كل تاريخ البشرية.

البعد السادس الذى نتوقف عنده فى حوار صريح يخشاه كثيرون، وهو هل تكفى القوة المالية الخليجية للعب الدور، النقاش الموضوعى الهادئ هو أن القدرة الاقتصادية المالية كانت دوما رافدا مهما فى بناء القوة والتأثير، تبنى البنى التحتية وتطور المجتمعات، والمخلصون من العرب يجب أن يسعدهم هذا، ويقدر الدعم المالى والاقتصادي للآخرين، وهذا يوفر مكانة لاشك فى هذا، ويؤثر فى سياسات ومواقف، ولا يمكن إغفال التحولات الاجتماعية العميقة التى تجرى فى هذه الدول وما يوفره العالم المعاصر من أدوات وتأثيرات نتيجة لامتلاك هذه الدول لنسبة مهمة من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التى تصيغ العقول ولكن الأمر أعقد من هذا وتؤكده كافة الشواهد.

***

فالحقيقة إن الإجابة عن سؤال من يملك القيادة فى المنطقة العربية، هى أنه لا أحد، وأن افتراضات د. عبدالخالق تتجاهل إشكالات أكبر فى المشهد، فهناك حالة سيولة فى المشهد الدولى وتحولات زادت كورونا من تعقيداتها، ولم يعد هناك نموذج جاذب لأغلب ولا حتى لنسبة مهمة من مجتمعات العالم، وزادت كورونا من حالة عدم اليقين وعدم وضوح الرؤية. كما يتجاهل هذا النقاش تعدد بؤر الأزمات العربية وعدم قدرة الأطراف العربية المختلفة على أن تكون فاعلا مؤثرا في المشهد أو إدارة هذه الأزمات، بل الشاهد أن بعض هذه التدخلات المكلفة لدول المال لم تحقق أي عائد حقيقى، كما أنه على المستوى الإدراكي هناك حالة غموض واضحة ولا أحد يقر لأحد بدور ما، ومعنى هذا أنه لا توجد حقبة لأحد الآن.

الخلاصة التى تحتاج إلى وقفة تالية، أن هناك حالة تحولات دولية وإقليمية صعبة وغير واضحة المعالم ولكن يجب تذكر بعض الاعتبارات للخروج من المأزق العربى الراهن– وأن القوة نسبية ومتنوعة، وأنه على الأقل الآن- ربما مرحليا- لابد من تجاوز فكرة وجود طرف واحد محوري، فببساطة لن يؤدي هذا إلى أى طريق، فلا شواهد العقود ولا السنوات الأخيرة تقدم دليلا على إمكانية هذا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved