دليل المرأة الذكية إلى الكوتة النسائية

أنيسة عصام حسونة
أنيسة عصام حسونة

آخر تحديث: الثلاثاء 7 يوليه 2009 - 9:46 م بتوقيت القاهرة

 جمعتنى الظروف منذ عدة أيام بمجموعة من الصديقات حول غذاء عمل مغلف بالتواصل الاجتماعى الحميم، ليتميز كالعادة بقدرة السيدات المدهشة على التنقل السريع بين قضايا لا حصر لها فى وقت محدود، شهد نقاشا متشعبا تميز بالحيوية وغطى مجموعة شديدة التنوع من القضايا بدءا بأخبار الأفراح والأنجال والأحفاد، مع العروج بطبيعة الحال على أخبار الأزواج أيضا، مرورا بانعكاسات القضايا المثارة فى ساحة القضاء على الرأى العام المصرى واحتمالات الحل المبكر لمجلس الشعب وتطورات الأسعار وحرارة الطقس وانتهاء بلوغاريتم احتمالات وصول الفريق القومى المصرى إلى كأس العالم القادمة فى جنوب أفريقيا. وفجأة تحولت دفة المناقشات بالكامل حين اخترقت إحدى الحاضرات مسار الحديث الدائر موجهة إلى الجميع سؤالا مباشرا حول اعتزامهن خوض المعركة الانتخابية انتهازا للفرصة، التى أتيحت بموافقة مجلس الشعب على قرار رئيس الجمهورية بتعديل أحكام القانون 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب الخاص بكوتة المرأة وتخصيص 64 مقعدا فى 32 دائرة للنساء فقط.

ورغم تباين انتماءات الصديقات ودرجة اهتمامهن بالقضايا السياسية، حيث ينتمى بعضهن إلى الحزب الحاكم والبعض الآخر مثل حالى مستقلات بينما لا تلقى الأخريات، من حيث المبدأ بالا إلى قضايا المشاركة السياسية، فقد تحول اهتمامهن سريعا إلى الاستماع لردود الفعل وتشجيع المهتمات من أمثالنا على خوض التجربة انتهازا للفرصة الثمينة المتاحة. ومع تطور الحديث وازدياد سخونته بدا جليا للعيان الاتفاق حول النقاط التالية: أولا الرغبة الجادة لدى بعض الحاضرات فى ممارسة العمل السياسى، وثانيا أن هناك فرصة سانحة لتدلى المرأة بدلوها بثقل نسبى فى معترك الحياة السياسية، ثالثا أن من تصل إلى البرلمان من السيدات ملقى عليها مسئولية إثبات جدارة النساء بعدد أكبر من المقاعد فى المجلس الموقر، وأخيرا أن هذا التغيير يأمل أن ينتج عنه حراك سياسى واجتماعى وثقافى من المفترض أن ينعكس إيجابا على المشاركة الفاعلة لكل من الرجل والمرأة على حد سواء فى عملية صنع القرار بمصر، وبدا مسار الحديث للوهلة الأولى وفى ظل التوافق حول النقاط الإيجابية السابق ذكرها، مبشرا بل يكاد يكون ورديا، حتى اللحظة، التى تبين فيها للحاضرات أنه وبرغم اهتمامهن وحماسهن لدعم المهتمات منا بخوض التجربة وإيمانهن بالفكرة المطروحة وتأثيراتها المستقبلية، فإن لديهن جميعا ودون استثناء شكوك عميقة حول النتائج المرجوة لهذه الانتخابات للأسباب الرئيسية التالية: أولا بالنسبة للمنتميات للأحزاب، فالمسألة تعتمد فى جوهرها على المعايير، التى ستستند إليها قيادات تلك الأحزاب فى اختيار المرشحات، هل ستكون مجرد تسديد خانات الأرقام المفترض طرحها إثباتا لجديتها فى استغلال الفرصة المطروحة أم ستعتمد تلك الاختيارات على تحليل موضوعى لقدرات المرشحات على تمثيل المجتمع المصرى بأسره، وخلفيتهن الثقافية التى تسمح لهن بمشاركة قوية فى مناقشة التشريعات المطروحة والجوانب الفنية لمختلف القضايا فى ظل إلمام عميق بما يحدث على الساحة المصرية وانعكاساته على الحياة اليومية للمواطن. أما بالنسبة للمستقلات فقد توصلت الصديقات، والحق أننا قد وافقناهن الرأى، أن فرصهن فى النجاح تكاد تكون معدومة فخوض المعركة والنجاح فيها ليس قضية رغبة وحمية للمشاركة فى العمل السياسى والتمتع بمؤهلات تسمح بمساهمة جادة فى صنع مستقبل أفضل، بل هى فى نهاية الأمر مسألة قدرة مادية وإمكانات تسمح بالوصول إلى الناخب وضمان صوته بطرق نعرفها جميعا حق المعرفة.

عند هذه النقطة، وبرغم اقتراب المساء، فقد سكتت حفيدات شهرزاد عن الكلام المباح لأسباب غير سياسية بل تتعلق بوصول أطباق الطعام الشهية إلى المائدة، فلا ننسى أن هذا الاجتماع فى البدء هو غذاء عمل. ويبدو أن التأثير الإيجابى لمذاق الطعام وفترة السكون، التى صاحبته لدقائق معدودة قد ألهم إحدى الحاضرات فكرة شديدة التفاؤل لتقترح على المستقلات فقط، بما أن عضوات الأحزاب مقيدات بالاختيار الحزبى وأن الاختيار ليس بيدهن بل كما نعرف جميعا بيد «عمرو»، وما يراه، بأن يسعين إلى الحصول على دعم القطاع الخاص ممثلا فى بعض رجال أو سيدات الأعمال لتغطية تكاليف الحملة الانتخابية إيمانا منهم بقدرة المرشحة على خدمة مصالح المواطن المصرى بمن فيه أصحاب الأعمال، وبالتالى يتم حل مشكلة التمويل!

وأنا بالطبع لن أدخل لأسباب لا تخفى على فطنتكم، فى قضايا الشفافية وسقف الإنفاق الانتخابى ومحاذير مصادر التمويل واحتمالات الأجندة الخفية، أو حتى المرئية لممول الحملة، وهل يوجد أصلا من يؤمن بمسألة الدعم المادى لحملات المرشحين وأنه لو كان يؤمن بذلك لقام دون تردد بدخول المعركة بنفسه تطبيقا للمثل الشعبى الشهير بأن يكون «زيتنا فى دقيقنا»، وهذا تعبير عبقرى جامع مانع للمعنى، الذى فى بطن الشاعر باعتبار أننا كنا ما نزال على مائدة الغذاء، ولكن الإجابة البسيطة عن صديقتنا البريئة كانت فى صورة سؤال منطقى أبسط: وهل يريد القطاع الخاص تخليص «أموره» مع الحكومة أم مع المجتمع المدنى، وإذا كان بطبيعة الحال مع الحكومة، فلماذا يذهب دعمه لغير أعضاء الحزب الحاكم!


وبالتالى عادت المناقشات إلى نقطة البداية.. جميعنا متحمس لفكرة المشاركة الفاعلة وراغب بصورة أو بأخرى فى دعم نجاحها ومستبشر فى حالة النجاح بتأثيراتها الإيجابية العميقة على مستقبل المشاركة السياسية فى مصر، ولكن يظل سؤالنا المحورى دون إجابة، وهو كيف نحول الرغبة فى المشاركة الفاعلة إلى حقيقة واقعة وما هو سبيلنا إلى ذلك؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved