من معنا.. ومن ضدنا فى أزمة السد الإثيوبى؟

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 7 يوليه 2021 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

لا توجد آمال كبيرة معلقة على اجتماع مجلس الأمن الدولى، الذى يعقد اليوم للنظر فى التداعيات المحتملة لأزمة السد الأثيوبى على الأمن والسلم الدوليين.
إذا أردنا أن نصارح أنفسنا بالحقائق فإنه لا يوجد اعتقاد راسخ لدى عدد كبير من الدول الكبرى بأن هناك تهديدا جديا للأمن والسلم الدوليين عند منابع نهر النيل يؤثر بالضرورة على القرن الإفريقى كله ويضرب فى استراتيجية البحر الأحمر ويتمدد إلى المنطقة كلها.
هذه مسئوليتنا قبل أن تكون مسئولية الآخرين.
إذا لم تعرض القضية على نحوها الصحيح، بلا تلعثم فى معنى أو تردد فى رسالة، فإنه يصعب أن تلوم الآخرين إذا لم يدركوا أن الأزمة المستحكمة قد تفلت نيرانها عند الحد الفاصل بين الموت والحياة لأكثر من مائة وخمسين مليون مصرى وسودانى يعتمدون بصورة شبه كاملة على مياه نهر النيل فى تدبير متطلبات الوجود والبقاء.
هكذا كان ممكنا لرئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن، ممثل فرنسا الدولة الصديقة المفترضة، أن يصادر ما يمكن أن يصدر عن الجلسة المنتظرة قبل أن تبدأ، فالعالم ملىء بأزمات المياه والمجلس ليس لديه ما يفعله سوى دعوة الأطراف المعنية للعودة إلى موائد التفاوض مجددا تحت رعاية الاتحاد الإفريقى!
قبل انعقاد مجلس الأمن مباشرة أقدمت إثيوبيا على خطوتين لافتتين:
أولاهما، التعهدات الشفهية، التى أطلقها رئيس وزرائها «آبى أحمد» بعدم الإضرار بمصالح البلدين وأمنهما المائى، فإذا ما كان الأمر كذلك فإنه لا داعى للقلق، أو الذهاب أصلا إلى مجلس الأمن، أو تدخل الجامعة العربية فى ملف ليس من شأنها ــ حسب تصريحات إثيوبية أخرى.
وثانيتهما، إبلاغ مصر والسودان ببدء الملء الثانى للسد، كما لو أنه التزام بإعلان المبادئ، الذى وقع عام (2015)، فإذا ما كانت إثيوبيا ملتزمة بتبادل المعلومات فإنه لا داعى لتصعيد لغة الخطاب فأية اختلافات يمكن حلها فى إطار الاتحاد الإفريقى.
كانت تلك مناورة فى الوقت بدل الضائع لإجهاض أية تحركات دبلوماسية مصرية سودانية تستهدف طرح الأزمة باعتبارها تهديدا للأمن والسلم الدوليين، كما اكتساب وقت إضافى للانتهاء من الملء الثانى لخزان السد وصنع أمر واقع، تتمكن إثيوبيا بعده من إملاء كامل شروطها على دولتى المصب.
بصراحة كاملة: الكلام المتلعثم بين التشدد والرخاوة يشجع إثيوبيا على المضى قدما فى إجراءاتها الانفرادية والاستخفاف بوجودنا الإنسانى نفسه.
بأية قراءة موضوعية فإن إثيوبيا ليست فى موقع قوة عسكرية ودبلوماسية تؤهلها لممارسة عنجهية مفرطة على دولتى المصب، فجيشها تلقى هزيمة مذلة فى إقليم «التيجراى» اضطرته للانسحاب ووقف إطلاق النار من طرف واحد، والانقسامات العرقية الداخلية وصلت إلى حدود تهدد وحدة الدولة ومستقبلها كما لم يحدث من قبل، ودبلوماسيتها استنزفت طاقتها على المراوغة والتهرب من توقيع اتفاق قانونى ملزم، لكنها ما زالت تراهن على وضع الجميع أمام الأمر الواقع بعد الملء الثانى لخزان السد.
إذا لم تكن هناك أزمة كبرى تهدد الأمن والسلم الدوليين، بالفعل لا بالإيحاء، فإن أحدا فى العالم لن يحارب معركة وجودنا بالنيابة.
الرضوخ للأمر الواقع هو المستحيل بعينه، فإذا ما نضبت مياه النيل وبارت ملايين الأراضى الزراعية وانتشرت المجاعات فسوف يتقوض كل شىء.
هكذا تطرح الحسابات الحرجة نفسها على صانع القرار، وتلقى بظلالها الكئيبة على رأى عام يستبد به القلق وهو يتوقع الأسوأ فى مقبل الأيام.
باليقين فإن التعاون الإقليمى بين دول حوض النيل هو الخيار الأفضل غير أنه شبه مستبعد حاليا أمام الإصرار الإثيوبى المقصود على تحويل نهر دولى إلى بحيرة تتحكم بها وحدها، تحدد الأنصبة المائية وفق المصالح المتغيرة والضغوط الممكنة من أطراف معلنة وشبه معلنة ــ إسرائيل فى مقدمتها.
الحرب احتمال مرجح لكنه قد لا يكون حتميا إذا ما اقتنع المجتمع الدولى بأن أخطارها سوف تضرب مصالحه فى الصميم.
بنظرة سريعة على خرائط التحالفات والمواقف الماثلة والمحتملة، فإن العالم العربى تأخر فى المثول بالمشهد المأزوم، غير أن حضوره لعب دورا لا يستهان به فى إضفاء قوة إضافية على الموقف المصرى والسودانى قبل اجتماع مجلس الأمن.
المواقف العربية تتراوح بين دولة وأخرى بين الدعم الدبلوماسى النشط، و«سد العتب» بإصدار بيانات تؤيد دون أية تحركات دبلوماسية أو غير دبلوماسية، وشبهات تواطؤ نصف معلنة على المصالح المصرية العليا تحتاج إلى وقفات جادة، حتى تستبين المواقف الأخيرة فى المعركة الوجودية الضاغطة.
الخريطة الأفريقية أكثر التباسا حيث تسود درجة من التفهم لدواعى القلق المصرى والسودانى، لكنه لا ينعكس فى مواقف لها تأثيرها على مجريات الحوادث.
هناك اقتناع إثيوبى أن القارة معها، وأن أحدا لن يناهضها فى العلن خشية أن يتهم بالعمل على منع الحق فى الكهرباء والتنمية عن الإفريقى الأسود الفقير القابع فى قراها.
ثم إنها تستثمر سياسيا فى وجود مقر الاتحاد الإفريقى فى عاصمتها أديس أبابا على حساب مصر، التى أسسته ستينيات القرن الماضى باسم «منظمة الوحدة الأفريقية» إثر قيادتها لحركة تحرير القارة.
فيما بعد انسحبت مصر من القارة وأخلت مواقعها القيادية وتراجعت مكانتها بصورة فادحة تدفع أثمانها الآن.
الأكثر مأساوية أن دولة مثل جنوب أفريقيا، التى لعبت مصر أكبر الأدوار فى تحريرها من ربقة «الأبارتهايد»، أكثر ميلا لإثيوبيا التى لم تفعل شيئا تقريبا فى معركة إنسانيتها المهدرة.
بذات القدر المأساوى فإن الصين الشعبية وروسيا بدرجة أو أخرى أكثر تفهما بحسابات المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للسد الإثيوبى دون اعتبار كبير لما قد يحيق بمصر، التى لعبت دورا جوهريا خمسينيات القرن الماضى فى فك الحصار الغربى عن الصين، كما كانت صداقتها للاتحاد السوفييتى السابق مثالا يضرب فى العلاقات الثنائية.
لتغيرات العصور حسابها وللمصالح كلمتها فى تقرير مواقف الدول.
هذا ما يجب أن ندركه باعتبارات الحاضر لا بإرث التاريخ، فمصر بالموقع الجغرافى دولة محورية فى إقليمها وقارتها، تحتاجها الصين الطموحة للعب أدوار أكبر فى النظام الدولى الذى يوشك أن يولد من تحت أنقاض جائحة «كورونا»، كما تحتاجها روسيا المنخرطة فى أزمات الشرق الأوسط.
كلتا الدولتان، الصين وروسيا، تتحركان فى المناطق الرمادية، لا معنا ولا ضدنا، تميلان إلى إثيوبيا لكنهما غير مستعدتان لمعاداة مصر.
أمريكا نفسها، شأن الدول الأوروبية، تتحرك فى مناطق رمادية مماثلة، تبدى تفهما لدواعى القلق المصرى والسودانى، تخشى من انفلات الأزمة عن حدودها الحالية، دون أن تقدم على أية مواقف تؤثر على مجرى الحوادث وتوقف تدهورها.
قضيتنا عادلة لكن الأداء العام يحتاج إلى إعادة صياغة وضبط ومراجعة وتصحيح.
مصر تحتاج أن تزمجر حتى تدرك المراكز الدولية الكبرى أن الأمن والسلم الدوليين مهددين حقا بما يستلزم التدخل لوقف العنجهية الإثيوبية، وإلا فإنها الحرب أيا ما كانت أخطارها وتضحياتها.
عندما يعلو صوت مصر بالغضب فإن خرائط المواقف والتحالفات سوف تتضح دون التباس، أو وقوف فى المساحات الرمادية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved