لحوم الأضاحى

عمرو هاشم ربيع
عمرو هاشم ربيع

آخر تحديث: الخميس 7 يوليه 2022 - 7:10 م بتوقيت القاهرة

بعد ساعات من الآن يقوم قطاع معتبر من المصريين ممن تيسر لهم ذات اليد، بذبح الأضاحى تقربًا إلى المولى عز وجل، ومحاكاة لما قام به إبراهيم عليه السلام، واتباعًا لسنة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
عيد هذا العام له سمة خاصة، ففيه برزت ظواهر جديدة أو استشرت ظواهر كانت محدودة فى الأعوام القليلة الماضية. فحالة الركود سيطرت على أسواق الأضاحى الحية بشكل واضح، ويرجع السبب فى ذلك لارتفاع أثمان الأضاحى القائمة، وذلك بنسب تصل إلى 30% عن نظيرتها فى العام الماضى.
ارتفاع الأثمان هذا العام يعود بشكل رئيسى إلى الأزمة الغذائية التى أنتجتها الحرب الروسية الإوكرانية؛ حيث أدت تلك الحرب إلى أزمة كبيرة فى توريد الأعلاف إلى دول العالم المختلفة، ومنها البلدان الإسلامية. الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار الذرة بمختلف أنواعها، وهو الخامة الرئيسة لانتاج الأعلاف و«كسب» الماشية بل والدواجن بمختلف أنواعها.
وإذا أضيف إلى كل ما سبق جشع عديد التجار الذين يتلقفون الأزمات لرفع الأسعار بما يفوق معدلات رفع الأزمات الطارئة لها، لتبين مدى المشكلة التى وصلت إليها أسواق الأضاحى تلك الأيام خاصة، وكافة المواد الغذائية عامة. يكفى القول إن الأعلاف ارتفع سعرها من 6 آلاف جنيه إلى 11 ألف جنيه للطن الواحد. وبطبيعة الحال زادت المشكلة بسبب شبه حال الثبات فى المقدار المذروع من أفدنة الذرة عن العام الماضى، ما جعل الوارد والمستورد متحكم بشكل كبير فى الأسعار.
تفاقمت المشكلة مع تواكب عيد الأضحى مع قرب انتهاء موسم الامتحانات، وما يستتبعه من دروس خصوصية مكثفة، وهو أمر أضاف إلى عوائل الأسر المصرية إرهاقًا على إرهاقهم، لا سيما وأنه لم يلتمس خلال الأشهر القليلة الماضية أية زيادة معتبرة فى رواتب العاملين فى القطاعات الحكومى والعام والأهلى، ما جعل الناس تعيد ترتيب أولوياتها بشكل يتناسب مع دخولها، وهو أمر أثر بلا شك على شراء لحوم الأضاحى.
أبرز مظاهر التأثير على سوق الأضاحى سواء بيعًا أو شراءً ما حدث خلال هذا الموسم بشأن المستهلكين أو الراغبين فى الشراء، فى عزوف الكثيرين عن شراء الأضاحى الحية، والميل لشراء لحوم مذبوحة. وكذلك لجوء البعض من الراغبين فى شراء الأضاحى للمشاركة مع آخرين فوق العدد المعتاد. فبدلا من الضأن والماعز الذى كان يجزى عن فرد، أصبح هناك مشاركة بين فردين فى رأس واحد، وبدلا من الأبقار والجاموس والأبل التى كانت تجزى الرأس عن 7 أفراد أصبحت المشاركة فيها بين 10 أشخاص. كل ما سبق أضطر الفقهاء إلى إجازته بعد رؤية الأزمة، وحديث الكثير منهم عن أن الفرد عليه أن يضحى بطريقة ربما تكون تخالف المعتاد أفضل من ألا يضحى.
شكل الأزمة الآخر تمثل فى استشراء ظاهرة المشاركة فى الصكوك التى تقوم بها بعض الهيئات والجمعيات، حيث تزايدت أعداد الكثيرين الراغبين فى تلك المعاملة، رغبة منهم فى خفض التكلفة. وكانت بعض الصكوك قد أعلن من يصدرها بأنها تتم بنظام التقسيط، ما أدى لإقبال الناس عليها. وكان ميل حركة الشراء ناحية اللحوم المستوردة الحية لرخص أثمانها.
أما على مستوى البائعين، فقد كان الركود هو السائد، وجراء ذلك كان اللجوء بشكل ملفت هذا العام إلى مواقع التواصل الاجتماعى للإعلان عن المنتجات المقدمة، والتسهيلات فى عمليات الذبح، والمشاركات حتى مع أناس ليس بينهم أى علاقة أو سابقة تعارف.
ولمواجهة ارتفاع الأسعار أو التعرض لجشع البعض، سعت هيئات رسمية فى الدولة للتدخل لتذليل مشكلة توافر المنتج بأسعار مناسبة، ورغم قدم تلك الظاهرة، إلا أن الجديد فيها هو مزيد من أقبال الناس على التعامل مع تلك الهيئات. إحدى تلك الهيئات هى وزارة الزراعة التى تبيع بأسعار جيدة، وكذلك وزارة التموين التى ترتفع أسعارها بعض الشىء، كما أن القوات المسلحة والشرطة عرضت المنتجات بأسعار مناسبة، واهتمت بشكل أخص باللحوم المذبوحة. أما وزارة الأوقاف فقد نشطت فى مجال البيع بالصكوك.
وعلى أية حال، فإنه فى ختام كل تلك العملية تأتى مسألة غاية فى الأهمية لأنها أصبحت ملوثة للبيئة، وهى التخلص غير السليم من لحوم الأضاحى، لا سيما بعد قرار مجلس الوزراء منذ عدة سنوات بوقف تصدير الجلود والفراء، وتحويل التعامل معها إلى مدابغ الروبيكى، وهو ما أدى عمليا لرفض القرار والتخلص من تلك المخلفات فى صناديق القمامة لصعوبة نقلها لتلك المنطقة البعيدة، وحتى الآن لم تضع الدولة بدائل عملية لاستغلال تلك الثروة المهدرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved