الموت العبثى أمام معهد الأورام

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 12:15 ص بتوقيت القاهرة

فى الحادية عشرة إلا الربع من مساء الأحد الماضى، كنت أركب سيارة قناة DMC فى طريقى إلى مقر القناة فى مدينة الإنتاج الإعلامى، للحديث فى برنامج الاعلامية إيمان الحصرى عن التليفزيون المصرى ودوره.

كالعادة سألت سائق القناة، عن الطريق الذى يفضل أن يسلكه: هل هو الدائرى من المعادى، أم صفط اللبن، أم طريق المحور من ميدان لبنان؟! السائق اختار طريق دائرى المعادى. وتحرك بالفعل من شارع قصر العينى، سالكا طريق كورنيش النيل، ومررنا من أمام معهد الأورام، وكانت الأمور كلها على ما يرام، ولم يكن هناك ما ينبئ بأن انفجارا سيقع فى هذا المكان بعد حوالى نصف ساعة تقريبا!

ذهبت إلى القناة وتحدثت، وعدت للمنزل فى وسط البلد عن طريق المحور، تجنبا لحصار سيارات النقل الثقيل والمقطورات التى تهيمن على الطريق الدائرى من منتصف الليل، وربما قبل ذلك. وفى الطريق عرفت بالحادث، وقرأت التقرير المبدئى لأجهزة الأمن الذى يستبعد الفرضية الإرهابية. ثم عرفنا الحقيقة لاحقا، بأن هناك سيارة مفخخة انفجرت وتسببت فى هذا العدد الضخم من الضحايا.

بعد ان قرأت المزيد من تفاصيل الحادث، تخيلت، حال الضحايا وأقاربهم وأحبائهم الذى قتلوا أو أصيبوا فيه، لمجرد أن حظهم العثر قادهم للتواجد فى هذا المكان بالصدفة!

تخيلت أن الحادث كان يمكن أن يقع فى اللحظة التى مررت فيها امام المعهد. أو أن يحدث لأى قريب أو حبيب أو عابر سبيل، فيخسر حياته فى لمح البصر!

الفكرة التى تخطر على كل من يفكر فى هذا الأمر هى الآتى: ما هذا العبث الذى يجعل إنسانا بريئا يدفع حياته ثمنا مجانيا من دون أى معركة أو قضية، لمجرد أن إنسانا مجنونا أو مجموعة إرهابية اخرى، قررت أن تنفذ هذا العمل المجنون، للفت الأنظار أو الحصول على ثمن من الجهة التى تدفع لهم او ايمانا بافكار فاسدة ومضللة؟!
ما هذا العبث الذى يجعل إنسانا بريئا يدفع حياته ثمنا لمجرد أنه مر فى طريقه بالمكان الذى تواجدت به السيارة المفخخة؟!

ما الذى جناه الضحايا، لكى يلقوا حتفهم بهذه الطريقة البشعة؟!، هل فكرنا فى حال ركاب الميكروباص الذين استقلوه للوصول إلى بيوتهم بعد يوم عمل مرهق وصعب؟! وما الذى كانوا يفكرون فيه وهم عائدون، أولادهم وزوجاتهم وأعمالهم وإجازة العيد وكيف سيقضونها، وهل سيسافرون إلى أهلهم فى الصعيد أو الريف أم يستمرون فى القاهرة؟!

ما الذى جناه كريم سيد محمد سائق الميكروباص، الذى خرج من منزله فى البساتين، ليشارك فى زفاف أحد أبناء منطقته على كوبرى قصر النيل، ومعه ١٤ شخصا من الجيران، ربما لانهم لا يملكون ثمن ايجار قاعة افراح؟!. هؤلاء استشهدوا، لمجرد أن صدفة مجنونة قادتهم للمرور فى طريق الموت لحظة انفجار السيارة المفخخة؟!
ما هو ذنب مرضى المعهد؟!. هم فى مأساة أصلا بسبب مرضهم، ثم يتفاجأون بأن هناك ما هو اسوأ من السرطان اسمه الإرهاب؟!

والسؤال الأهم الذى لا نجد له إجابة شافية أبدا.

أى دين أو ملة ينحدر منها هؤلاء الإرهابيون الذين قرروا أن يفجروا هذه السيارة فى هذا المكان او فى أى مكان به ابرياء؟!

أى ثمن سيحصلون عليه نتيجة لهذا الاجرام، وكان يمكن للحادث أن يكون أكثر دموية لولا ان الله سلم، ولم يصل الانفجار لغرفة أنابيب الأكسجين التابعة لمعهد الأورام.

ما الذى سيحققه هؤلاء الإرهابيون بهذا الانفجار، وهل ما يزالون يعتقدون أن ذلك سيقوى موقفهم، أو يضعف موقف الحكومة، أو يجعل الناس تتعاطف معهم؟!

هؤلاء لم يقرأوا درس الإرهاب جيدا طوال العقود الماضية.

لم يحدث إطلاقا أن تعاطف المواطنون العاديون مع الإرهابيين حتى لو كانوا يعارضون حكومتهم بنسبة مائة فى المائة فى كل سياساتها. نتذكر أن كثيرا من المصريين كانوا ناقمين على حكومات حسنى مبارك، ورغم ذلك وقفوا جميعا ضد إرهاب المتطرفين.

مع كل عملية إرهابية، خصوصا العشوائية منها، يزداد غضب المصريين على الإرهاب والإرهابيين، بكل تشكيلاتهم وخلافاتهم الشكلية. لا يمكن لك أن تهادن الإرهاب أو تعتقد أنك ستجنى أرباحا من ورائه، ثم تدينه بكلمات مائعة!

خالص العزاء لأسر الشهداء، وكل التمنيات الطيبة بسرعة شفاء المصابين، ولا سامح الله الإرهاب والإرهابيين وكل من يدعمهم بالقول أو الفعل أو التمويل أو التخطيط.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved