نحن بخير.. طمنونا عنكم: التهافت العربى يمهد لصفقة القرن

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 12:15 ص بتوقيت القاهرة

الاستعمار ــ كل استعمار ــ عبقرى فى تفتيت الأمم والشعوب: إنه يدرس «المكونات الأصلية»، ويفرز «الأقليات» فيزيد من شعورها بالاستضعاف ليرتهنها ويستغلها لأغراض هيمنته وفقا لقاعدة «فرق تسد» المعروفة.
وعندما جاء الاستعمار الغربى ليرث الاحتلال التركى أخذ عنه هذا «المبدأ» وطوره وحاول تثبيته على الأرض، بالطائفية حينا والمذهبية حينا آخر والعنصرية حيث تسمح «المكونات» فى البلدان المعنية.
قسمت أقطار المشرق، بداية: تم اختراع «شرقى الأردن» لتعطى لعبدالله النجل الثانى للشريف حسين.. قبل تقسيم سوريا إلى أربع «دول» إحداها «علوية» عند الشاطئ، وقسمت حوران بين مسلميها ومسيحييها ودروزها (فى جبل الدروز)، وهكذا أصبح المسرح جاهزا لإقامة المشروع الإسرائيلى على أرض فلسطين..
***
ها نحن الآن، فى ظل الاستعمار الجديد «الأمريكى» واسم دلعه «الإمبريالية» الذى يريد الهيمنة المطلقة على منطقتنا الغنية بمواردها الطبيعية وموروثاتها الجينية (عرب أساسا ومعهم شىء من الفرس، وشىء من الروم، وشىء من الأتراك، والأحباش وشىء من الغرب الحديث، بريطانيا وفرنسا فضلا عن اليونان والطليان.. إلخ).
ها نحن نشهد تصدع الكيانات السياسية العربية نتيجة الحروب التى لجأ إليها بعض قادتها، من دون مبرر مقنع: حرب صدام حسين على إيران (لمدة سبع سنوات ثقيلة) ثم حربه على الكويت واحتلالها، وهو ما استنفر العالم ضده فجاءت الدول عربية وأجنبية لقتاله، وإخراجه منها.. ثم دخلت القوات الأمريكية العراق واحتلت أرضه جميعا، فثبتت «انفصال» كرده عن عربه فى كيان باستقلال ذاتى، وكرست فيه الطائفية مستغلة «طغيان» السنة على الحكم فانتقلت به إلى الشيعة.. واستدعت القيادات غير المهيأة للحكم فأضافت إلى خرابه بوادر فتنة جديدة.
***
• خرجت مصر بعد عبدالناصر من ميدان النضال القومى بعدما أنهكتها أعباء دورها، ومنها العدوان الثلاثى فى خريف العام 1956 حيث شارك العدو الإسرائيلى مع بريطانيا وفرنسا، بذريعة الرد على تأميم الشركة العالمية لقناة السويس.. وجاء الرد على هذا بالتقدم نحو حلم «الوحدة» بإقامة «الجمهورية العربية المتحدة» نتيجة اندماج مصر وسوريا فى دولة واحدة (1958).. ثم كان «الانفصال» نتيجة الغفلة ونقص الاستعداد لمثل هذا المشروع التاريخى الذى من شأنه أن يغير جغرافية المنطقة مستولدا دولة قوية «تصون ولا تبدد، تحمى ولا تهدد، تشد أزر الصديق وترد كيد العدو...».
• فى الأول من سبتمبر 1969 قام الجيش الليبى بقيادة معمر القذافى بخلع الملك إدريس السنوسى مقدما الجماهيرية العربية الليبية هدية لعبدالناصر..
بالمقابل أخذ أنور السادات مصر بعد إيقاف الحرب فى 6 أكتوبر 1973 إلى الصلح مع العدو الإسرائيلى عبر مفاوضات كامب ديفيد بالرعاية الأمريكية.
• كان الصف العربى قد عاد إلى التشقق، وشن ملك الأردن حربا أخرج فيها المقاومة الفلسطينية من حيث كان منطلق عملياتها ضد العدو الإسرائيلى، (الأغوار) فجاءت فصائلها المختلفة سياسيا وعقائديا إلى لبنان فأثقلت عليه بكاهلها.. وسرعان ما أفسدت بيروت «بمغرياتها» العديدة هؤلاء المجاهدين فغرقوا فى شئون لبنان الداخلية وحساسياته الطائفية، وهوما برر التدخل العسكرى السورى لوقف الحرب الأهلية فيه..
• فى أوائل يونيه تقدم جيش العدو الإسرائيلى، الذى كان قد احتل قسما كبيرا من أرض الجنوب، نحو بيروت لإخراج المقاومة الفلسطينية منها... وقررت «الدول» بالقيادة الأمريكية التدخل لتأمين إخراج هذه المقاومة من لبنان وتشريد فصائلها فى أربع رياح الأرض العربية.
صار العدو الإسرائيلى طرفا فى الصراع الداخلى اللبنانى.. وهكذا أمكنه «تأمين» وصول بشير الجميل، الذى كان زار إسرائيل أكثر من مرة والتقى قياداتها، إلى رئاسة الجمهورية فى منتصف شهر أغسطس... لكن بعض الوطنيين قاموا باغتيال بشير الجميل وكتسوية جىء بأخيه أمين الجميل رئيسا.
بعد انتهاء ولاية أمين الجميل حاول تجديدها متمنيا على الرئيس السورى حافظ الأسد دعم مسعاه، فلما رفض، سلم الحكم فى آخر يوم له كرئيس لقائد الجيش العماد ميشال عون، الذى «رغب» فى أن يحكم لبنان «رئيسا» (بدعم من صدام حسين ضد الأسد) فخاض حربين فى الداخل، وانتهى به الأمر لاجئا سياسيا فى فرنسا.
• على الجبهة العراقية وبعدما بات صدام حسين الزعيم الأوحد، شن حربا ضروسا استطالت لسبع سنوات ضد إيران الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخمينى، انتهت بتسوية رأى فيها الخمينى كأس السم، لكنه شربه مرغما..
بعد سنتين أقدم صدام حسين على احتلال الكويت فى 2 أغسطس 1990.. وذاق شعبها الصغير الأمرين، قبل أن تنشىء الولايات المتحدة الأمريكية حلفا مع بعض القادة العرب وتهاجم القوات العراقية فتطردها من الكويت فى 26 فبراير 1991، وتتقدم لاحتلال بعض العراق..
وفى العام 2003 تقدمت القوات الأمريكية، لتحتل ما تبقى من العراق حتى العاصمة بغداد، فأعدمت صدام حسين بعد اعتقاله فى 30 ديسمبر 2006، وسلمت «الحكم» للشيعة لتكون فتنة.

***
يمكن التوسع أكثر فأكثر فى تفاصيل الخيبات والهزائم التى مُنيت بها الأمة ودمرت أو كادت تدمر دولها الأساسية، أو إخراجها من ميدان الصراع مع العدو الإسرائيلى (مصر فى البداية ثم الأردن، ثم المقاومة الفلسطينية بعد إخراجها من الأردن عام 1970، ثم من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلى عام 1982).. وبعدها العراق 2003.
فى يونيه 2000 توفى الرئيس حافظ الأسد فى دمشق.. وتم اختيار نجله الثانى بشار الأسد رئيسا.. وبعد فترة وجيزة من تجديد الولاية الأولى للأسد الثانى، بوشر العمل لتفجير سوريا، بتوظيف الطائفية والمذهبية وأخطاء النظام والتدخل التركى والضغط الإسرائيلى.
فى 12 يوليه 2006، وإثر عملية فدائية فى جنوب لبنان، شن العدوان الإسرائيلى حربا شاملة ضد لبنان شملت جنوبه وعاصمته بيروت والبقاع وبعض الجبل والشمال لضرب قواعده وخطوط إمداده، وتحريض الحكام العرب ضد هذا الحزب.
انتهت هذه الحرب بهزيمة ساحقة للعدو الإسرائيلى.. وكان التضامن العربى باهتا وشكليا، على المستوى الرسمى.
***
الصورة اليوم مختلفة تماما:
• سوريا غارقة فى دمائها تحاول عبثا الخروج من الحرب التى تدور فيها وعليها، والتى تبذل تركيا جهودا حثيثة لتمزيقها والاستيلاء على بعض جهاتها، لا سيما فى الشمال والشرق.. كما بعث الأمريكيون ببعض القطعات العسكرية إلى دير الزور، وإلى حيث يقاتل الأتراك مع «المعارضات المختلفة»..
• العراق فى صراع الطوائف على السلطة (الشيعة والسنة) والفساد الداخلى، والنزعة الاستقلالية عند الأكراد، وترسبات الاحتلال الأمريكى المعزز ببعض الوحدات العسكرية البريطانية والفرنسية.
• لبنان مهدد بفتنة طائفية نتيجة قصور نظامه وبالتالى دولته وحكومته الطوائفية عن معالجة مشاكل البلاد: البطالة، خروج الشبان المؤهلين إلى أى بلد عربى يقبلهم، فإذا ما تعذر فإلى الغرب بعنوان الولايات المتحدة الأمريكية.
• وأما إسرائيل فتعزز قدراتها العسكرية والاقتصادية بالدعم الأمريكى المفتوح والتخاذل العربى، فيجتاح نتنياهو عواصم عربية جديدة (فى الخليج، ويهدد العراق، ويغير طيرانه الحربى كل يوم تقريبا على سوريا وعبر أجواء لبنان، بذريعة إيران مبتعدا عن القواعد الروسية على الشاطئ السورى...).
***
نحن بخير.. طمنونا عنكم!
فى انتظار تنفيذ «صفقة القرن» التى يروج لها جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكى العظيم دونالد ترامب، والتى تستهدف تصفية قضية فلسطين وفتح أبواب الدول العربية جميعا للعدو الإسرائيلى!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved