التزامات الحكومة وأصولها أساسية فى تحديد مخاطر التصنيف السيادى

حنان أمين سالم   - إيان بول  - داج ديتر
حنان أمين سالم - إيان بول - داج ديتر

آخر تحديث: الخميس 7 أغسطس 2025 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

 

تُعد سنغافورة من الدول القليلة المتبقية فى العالم التى لا تزال تحتفظ بتصنيف ائتمانى «AAA» وهو أعلى تصنيف ممكن، على الرغم من أن معدل الدين العام الذى يقيس نسبة الدين الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى لديها أعلى منه فى العديد من الاقتصادات المتقدمة الأخرى مثل اليونان وإيطاليا والولايات المتحدة وفرنسا. ومع ذلك، فإن هذا المستوى المرتفع من الدين الإجمالى لا يُقيد تقييم الجدارة الائتمانية السيادية لسنغافورة من قبل وكالات التصنيف العالمية.

تلعب اعتبارات أخرى — مثل قوة المؤسسات، والأداء المالى، ومصداقية وفعالية السياسة النقدية، واستدامة النمو — أدوارًا مهمة فى تحديد الجدارة الائتمانية السيادية. ومع ذلك، يبدو أن العامل المالى المحدد الرئيسى لعوائد السندات على مستوى كل دولة هو صافى الثروة الحكومية (الأصول مطروحا منها الالتزامات) وليس معدل الدين العام.

وهذه هى النتيجة الرئيسية لدراسة تناولت أسواق رأس المال فى مجموعة من الدول المتقدمة. ورغم أن هذا الاستنتاج قد يكون «متجذرا بعمق فى المنطق الاقتصادى» كما تقول جيميما بيبل سريبيرنى، إلا أنه يتحدى الافتراضات التى تقوم عليها معظم الممارسات فى المالية العامة والتى تركز بشكل شبه حصرى على مقاييس الدين والعجز.

وهذا لا يعنى أن الدين والعجز غير مهمين، بل يعنى أن الأصول خصوصاً الأصول السائلة أو التجارية لها أهمية أيضا.

 

   الاعتماد على صافى الثروة

تؤكد ورقة عمل صادرة عن صندوق النقد الدولى أن استهداف صافى الثروة يعزز الاستثمار العام والنمو الاقتصادى، ويتيح اتخاذ استجابات سياسية رشيدة لتقلبات أسعار الفائدة طويلة الأجل. وتشير الورقة إلى أن هدف صافى الثروة يرتبط بشكل مباشر بإصلاح الأطر المالية، مثل إطار منطقة اليورو، للسماح بالاستثمار العام فى بيئة مرتفعة الديون.

علاوة على ذلك، خلصت أوراق عمل سابقة صادرة عن صندوق النقد الدولى إلى أن الحكومات ذات صافى الثروة الأكبر تتعافى بشكل أسرع من فترات الركود، وتتمتع بتكاليف اقتراض أقل، مما يوفر مبررا إضافيا للتركيز على صافى الثروة.

تُدرك الأسواق المالية ووكالات التصنيف الائتمانى أن الالتزامات المالية تُصبح أقل أهمية إذا كانت مدعومة بأصول عالية القيمة، وهو ما ينطبق على سنغافورة. وقد شكلت الإدارة الفعالة للأصول التجارية العامة عنصرا أساسيا من بين عوامل أخرى فى استراتيجية سنغافورة لتحويل اقتصادها من اقتصاد نام إلى اقتصاد متقدم خلال جيل واحد.

وتتجلى قوة صافى ثروتها بوضوح، حيث تُدار هذه الأصول من قبل مؤسسات مستقلة تطبق قيما سوقية عادلة، تلتزم بقواعد حوكمة متينة وأداء عال مستمر على مدى عقود.

على مدى السنوات الستين الماضية، أدارت الدولة/المدينة (سنغافورة) ماليتها العامة بانضباط مال صارم ضمن استراتيجية طويلة الأجل سمحت لها ببناء واحدة من أكبر المحافظ السيادية فى العالم. ويشمل ذلك الأصول التى يديرها صندوق الثروة العامة «تيماسيك»، الذى يتعامل مع أصول الشركات والعقارات، بالإضافة إلى صندوقها السيادى «GIC»؛ وهيئة النقد السنغافورية، التى تشرف على فائض السيولة وتحتفظ باحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبى.

وتشير التقديرات إلى أن هذه الأموال مجتمعة تبلغ من ثلاثة إلى أربعة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى السنوى لسنغافورة، متجاوزة حجم الصناديق السيادية للعديد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية مثل النرويج والسعودية. وقد استخدمت سنغافورة الاقتراض ليس لتغطية النفقات الجارية أو لتمويل العجز، ولكن لبناء ميزانية عمومية قوية.

عادة ما تُركز الحكومات على القواعد المالية المتعلقة بالاستدانة والتى لا تعكس بدقة أو شمولية وضع ميزانياتها العمومية. ونتيجة لذلك غالباً ما تشوه هذه القواعد الوضع المالى الحقيقى وتقدم توجيهات غير دقيقة لاتخاذ القرارات.

ويعتبر  إعداد ميزانية عمومية شاملة تستند إلى المحاسبة على أساس  الاستحقاق، إلى جانب تدقيق عالى الجودة وموثوق وشفاف، أمراً بالغ الأهمية لفهم الوضع الفعلى للمالية العامة.

تُقدر قيمة الأصول العامة العالمية بثلاثة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى للعالم، ونصفها أصول تجارية، كالعقارات وممتلكات الشركات. ومن العوامل الرئيسية فى بناء ميزانية عمومية قوية جودة إدارة الحكومة للأصول. ولكن باستثناء نيوزيلندا، التى طبَّقت المحاسبة على أساس الاستحقاق منذ حوالى ثلاثة عقود - مما يسمح للحكومة بتسجيل وتقييم جميع أصولها والتزاماتها بالقيمة السوقية العادلة -، فإن قلة من الحكومات تبذل جهداً جاداً لإعداد ميزانية عمومية، حيث تغفل تلك الحكومات حساب أجزاء كبيرة من الأصول، لا سيما العقارات، والتى تُقدر قيمتها الإجمالية وحدها بما يعادل الناتج المحلى الإجمالى العالمى.

 

حالة سنغافورة

توفر الإدارة الفعالة للأصول مزايا هامة ومتنوعة. وبالعودة إلى مثال سنغافورة، نلاحظ أن حوالى خُمس الإنفاق الحكومى فى سنغافورة يُمول من عوائد استثمار أصول صناديقها السيادية. وقد حققت هذه الصناديق دخلا سنويا متوسطا (غير ضريبي) بلغ 7% من الناتج المحلى الإجمالى على مدى السنوات الخمس الماضية.

ومن الناحية القانونية، يُعاد استثمار 50% من العوائد الحقيقية المتوقعة طويلة الأجل لتعزيز الاستقرار المالى طويل الأجل، بينما يُمكن استخدام النصف المتبقى للإنفاق الحكومى وهو مبلغ يُعادل تقريباً عائدات ضريبة الشركات فى سنغافورة.

من خلال إظهار مصادر دخل أكثر تنوعا، تشمل مصادر ضريبية وغير ضريبية، تُقلل الحكومات المخاطر التى تهدد المالية العامة. وفى الوقت الذى تسعى فيه العديد من الحكومات جاهدةً للحصول على موارد لتلبية احتياجات الاستثمار المُلحة، ينبغى على صانعى السياسات مراعاة هذه الدروس والنظر فى إعطاء الأولوية لنهج الميزانية العمومية فى قرارات الموازنة.

من أجل إيجاد مساحة مالية أكبر لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، ينبغى لصناع السياسات أن يفكروا فى اعتماد عملية صنع القرار المالى والإشراف على أساس صافى الثروة، والاستثمار فى الأصول والخصوم وإدارتها وفقاً للأولويات طويلة الأجل.

تُجسد سنغافورة ما يمكن تحقيقه من خلال الحوكمة الرشيدة، والانضباط المالى الصارم، والإدارة الفعالة للميزانية العمومية. ورغم تميز هذه الدولة المدينة بخصائصها الفريدة فى جوانب عديدة، إلا أنها تقدم أفضل الممارسات التى يمكن للدول الأخرى- حتى تلك التى تفتقر إلى الموارد الطبيعية، مثل سنغافورة - تطبيقها لتعزيز وضعها المالى والاقتصادى.

إن ضمان الرخاء المستدام يتطلب من صناع السياسات التركيز على إدارة الميزانية العامة ومستوى صافى الثروة بشكل أفضل ليس لأن ذلك أسهل، ولكن لأنه يوفر واحدة من أعظم الفرص لتنشيط الاقتصاد، فضلاً عن كونه أداة سياسية تملك الحكومات صلاحية تفعيلها. 

نقلا عن:

 https://www.omfif.org/2025/07/both-government-liabilities-and-assets-matter-for-sovereign-risk/ 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved