في مرحلة اللامشروع

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 7 سبتمبر 2009 - 9:28 ص بتوقيت القاهرة

 آخر ما كان يخطر على البال أن يدعو الرئيس الروسى إلى إنشاء قناة تليفزيونية تتولى تقديم الإسلام وشرحه لمسلمى الاتحاد الروسى (نحو 25 مليونا). لكن هذا ما جاء على لسان الرئيس ديمترى ميدفيديف أثناء اجتماع عقده لمناقشة أوضاع المؤسسات والمنظمات الإسلامية فى منطقة القوقاز، التى تشهد نموا لجماعات التطرف والعنف. وبثت وكالة أنباء نوفوستى الخبر فى تقرير لها عن اللقاء يوم 28/8 الماضى.

مفهوم أن الرجل لم يلجأ إلى ذلك إلا لمحاولة حصار وإبطال مفعول أنشطة جماعات التطرف والعنف التى نشطت خلال السنوات الأخيرة فى أوساط المسلمين، خصوصا فى منطقة القوقاز. وبعد أن فشلت الحملات والضربات العسكرية القاسية التى وجهت إلى تلك الجماعات، فى الشيشان وأنجوشيا وداغستان، لم يعد هناك حل سوى اللجوء إلى الأساليب الدعوية والتربوية.

فكرة التليفزيون الإسلامى جاءت بعد إطلاق القناة الروسية الموجهة إلى العالم العربى، التى لا يخفى هدفها السياسى الذى يسعى إلى كسب ود شعوب هذه المنطقة، بما يخدم المصالح المتبادلة بين الطرفين. وبعد القناة العربية الروسية، أطلقت القناة الصينية بالعربية أيضا، وتم ذلك بعد انفجار قضية مسلمى تركستان الشرقية، إثر الصدامات الدامية بين مسلمى الأويغور وبين عناصر قومية الهان، التى قامت فيها الشرطة بقمع المسلمين وسحق تمردهم. وهو ما أثر على صورة الصين فى العالم الإسلامى والعربى، الذى يعد من أكبر الأسواق المستوردة للبضائع الصينية.

وسعت بكين إلى استخدام التليفزيون لتحسين الصورة وإزالة التشوهات التى لحقت بها. فى ذات الوقت أنشأت فرنسا قناة خاطبت العالم العربى والإسلامى.

وأطلقت الـ«بى.بى.سى» البريطانية بثها التليفزيونى العربى لينضاف إلى بثها الإذاعى الشهير، وأقدمت الولايات المتحدة على تأسيس قناة «الحرة». وتعد تركيا الآن لإطلاق قناة عربية. إزاء ذلك بدا واضحا أن التليفزيون أصبح أهم وسائل الاتصال التى تستخدم فى مخاطبة العرب والمسلمين. ناهيك عن أنه أصبح الآن أهم مؤثر فى إدراك الناس قاطبة.

لقد لجأت روسيا إلى التليفزيون لكى تحارب التطرف والعنف فى الداخل، ولكى تمد جسورها مع العالم العربى والإسلامى. وهذا الهدف الأخير التقت عليه بقية الدول التى تنافست فيما بينها على جمهورنا. وتلك كلها جهود مشروعة، تخدم استراتيجيات وثيقة الصلة بالمصالح العليا لكل بلد.

هذه الخلفية تستدعى السؤال التالى: فى أى شىء يوظف التليفزيون فى مصر والعالم العربى؟ وما هو الهدف الاستراتيجى المراد تحقيقه من خلال بثه؟

أدرى أن هناك محطات تليفزيونية خاضعة لتوجيه الحكومات وإشرافها، وهناك محطات أخرى مستقلة بصورة أو أخرى، وأفهم أن يكون الربح هو الهدف الأول للمحطات الأخيرة. وأخرج من الحسبان المحطات الدعوية الإسلامية والمسيحية، لأنها تنطق باسم مشروعات خاصة بأولئك الدعاة. من ثم فإن السؤال يصبح موجها إلى التليفزيونات التى تملكها الحكومات وتوجهها سياسيا.

إجابتى فيما يتعلق بالتليفزيون المصرى بقنواته العشرين أنه يخدم هدفين أساسيين هما: خدمة النظام وتسويق شخوصه وبيان إنجازاته، والتنافس مع القنوات الخاصة فى التسلية والترويج وإشغال الناس بالمسلسلات والبرامج التافهة حتى فجر كل يوم.

إذا بحثت عن «استراتيجية» يهتدى بها التليفزيون فى سياسته، وعن دور يؤديه سواء فى إعداد المواطن الصالح أو على الصعيدين العربى والإسلامى. فإنك لن تعدم مسئولا يبادلك ابتسامة ساخرة ويسألك عن علاقة التليفزيون بالإستراتيجية. أما الفاهم و«المتنور» من أولئك المسئولين فسيقول لك إن ما يقدمه التليفزيون فعلا هو التعبير الأمين عن الاستراتيجية التى يلتزم بها.

لا أستغرب ردا من هذا القبيل. ذلك أن الاستراتيجية تفترض أن يكون للبلد «مشروعا» وطموحا يتطلع إليه. وما دمنا فى مرحلة اللامشروع فلا غرابة فى أن ينعكس ذلك على مختلف التوجهات السياسية والإعلامية، والتليفزيون مرآة جيدة تعكسها طول الوقت.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved