الحاجة المُلِحَّة إلى الدستور

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الأربعاء 7 سبتمبر 2011 - 1:00 م بتوقيت القاهرة

سؤال أطرحه، يبدو لى منطقيا: هل نحن بحاجة فعلا إلى دستور جديد حالا دلوقتى؟

 

ما أسمعه هو أننا لو مشينا على البرنامج المقترح الآن من انتخابات برلمانية، ثم اختيار لجنة صياغة تضع الدستور، ثم استفتاء على الدستور، ثم انتخابات رئاسية، ثم فض البرلمان وانتخابات برلمانية جديدة ــ إذا مشينا على هذا البرنامج لن تكون عندنا حكومة مسئولة وقادرة وواثقة قبل عام ونصف العام على الأقل.

 

وماذا يحدث فى هذه الفترة؟ هل نستمر على ما نحن عليه؟ لا أحد يتخذ قرارات كبرى ــ إلا المجلس الأعلى للقوات المسلحة يصدر مراسيم بين الحين والحين، إن رأينا وزيرا يتجه اتجاها إيجابيا أو شبه ثورى نرى عشرة وزراء فى حالة محلك سر، الإرادة السياسية لإصلاح منظومة الأمن غائبة فعاد الأمن القديم يظبَّط نفسه ــ مع وجود موازٍ للانفلات الأمنى وحرب مواقع بين الأمن وأدواته القديمة نرى آثارها فى «انتحار» خنوفة مثلا، وماذا عن رفح؟ وماذا عن سيناء؟ وماذا عن الناس اللى مش لاقية شغل ومش لاقية تعليم ومش لاقية سكن؟

 

الحقيقة ان الثورة لم تقم من أجل الدستور بل قامت من أجل أن تضع حدا للخراب المستعجل الذى ابتليت به بلادنا والذى كان يحجب أى أمل فى أن يعيش شعبها حياة حرة كريمة. مصر قامت، كالجسم الحى، ينتفض ليطرد جراثيم وطفيليات تستهلكه وتمرضه وتكاد تقضى عليه. ثم اختلف أبناؤها على بروتوكول العلاج.

 

وكانت الأسئلة والإشكاليات المتعلقة بالدستور هى أكثر ما أحدث انشقاقات ــ أو أكثر شىء أمكن استخدامه لإحداث انشقاقات ــ فى الصف الوطنى بعد رحيل رأس النظام السابق، أى فى الفترة التى كان مطلوبا فيها من الكل أن يتوحد ليحمى إنجاز الثورة، ويدفع بها نحو الخطوات العملية التى تساعد على ترسيخ مبادئها ووضع قدميها على بداية الطريق نحو أهدافها.

 

ومررنا بخبرة طرح وثائق المبادئ الدستورية وأُسُس تشكيل لجنة كتابة الدستور أو الجمعية التأسيسية للدستور، وكان من الواضح أن الوقت قد تأخر وأن ما جرى فى الطريق إلى هذه المرحلة كان كافيا لشحن النفوس بحيث سارعت بعض التيارات الدينية فرفضت المبادرة من أساسها على أنها محاولة للحجر على من سينال الأغلبية فى البرلمان وليست محاولة صادقة لاستبيان حدود وملامح الأرض المشتركة التى يرتضيها الجميع وطنا. والعلم عند الله لو جاءت مبادرة المبادئ فى فبراير مثلا، دون أن يسبقها طرح «الدستور أولا»، لربما تقبلها وشارك فيها التيار الإسلامى ولوجدنا أنفسنا اليوم فى موقع أفضل وأكثر تكاتفا.

 

فما هى أولويات مصر الآن؟ أليس من البديهى أن تكون أولوياتنا الآن هى الشروع فى تحقيق الأهداف الكبرى للشعب كما عبر عنها وصاغها؟ مرة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» ومرة «تغيير، حرية، كرامة إنسانية». وهل يجوز تعطيل كل هذا والتركيز على كتابة دستور ــ من المفترض أن يكون الوثيقة الأكثر توافقية، والأكثر تعبيرا عن روح البلاد ــ ونحن فى حالة سباق مع الزمن وتحوطنا المشاحنات الداخلية والمخاطر الخارجية؟

 

الدستور، نعم، مهم لكى تحقق البلاد ذاتها ورؤيتها، لكنه ليس كافيا لتحقيق ذلك. فدساتيرنا كلها لم تكن تنص على أن الأمن يعذب الشعب، ولا على وجوب بيع أصول البلاد، ولا على استحسان أن تدار البلاد لمصلحة أعدائها، ولا على أن تمتزج القوة الاقتصادية والتنفيذية والتشريعية فى أشخاص يتخذون من هؤلاء الأعداء أصدقاء وشركاء لهم ــ لكن هذا ما حدث.

 

لكن دستور البلاد لا يفترض أن يُعَبِّر عن آراء واتجاهات كتلة معينة، ولا عن أيديولوجة فصيل معين، حتى وإن كان فى الحكم وقت صياغته، بل هو يُعَبِّر عن روح الأمة كلها وتطلعات الشعب كله: كيف يُحِبّ أن يكون، كيف يُحِبّ أن يوصف، كيف يرغب لبلاده أن تكون، فمن المنطقى أنه كلما ساهم الناس بأطيافهم وفئاتهم فى وضعه (وإن كان بالطبع للصياغة أهلها) كان وثيقة أكثر ثقلا وأعمق أصالة.

 

وعلى هذا فالدستور يصف المبادئ العريضة لتوجهات البلاد، فهو لن ينص، مثلا، على فرض ضرائب تصاعدية على الدخل، ولن نجد فيه تقنينا لتعاملات البورصة، ولن يشرح لنا كيف نعمر سيناء ولا كيف ننهض بالتعليم. كل هذا يجب أن يأتى بأن تحدد القوى السياسية رؤيتها لهذه القضايا وتبلور رؤيتها فى برامج ومشروعات تطرحها على الناس والناس تنتخب منها ما تراه الأصلح. أى أن علينا جميعا أن نعمل بجدية على الانتخابات البرلمانية القادمة ونحن مطمئنون أن البرلمان القادم، والحكومة الناتجة عنه، سيكون لها أن تبدأ فى تشكيل التنمية والاقتصاد والأمن والتعليم والصحة والعلاقات الخارجية التى أولاها الشعب صلاحية التحكم فيها.

 

وعلى هذه الأرضية من التفَكُّر والابتكار والتغيير والعمل الفعلى يمكننا استعادة الثقة فى أنفسنا وفى بعضنا، ويمكننا وقتها أن نعمل على مهل، و«نكتب دستورنا»، فتكون كتابة هذا الدستور مشروعا وطنيا كبيرا، يجمعنا ويعبر عنا وعن عبقرية بلادنا.

 

حين خطر لى هذا التساؤل حول ضرورة كتابة دستور جديد الآن صرت أطرحه على أهل الرأى ممن ألتقيهم، وكان الرد دائما إما بأن هناك دولا تعيش عادى جدا بدون دستور، أو بأننا نستطيع أن نعمل فى إطار دستور سابق إلى أن نصيغ دستورا جديدا. فما رأيكم؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved