التواصل والتوصيل

سلام الكواكبي
سلام الكواكبي

آخر تحديث: السبت 7 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

من خلال ملاحظة «التهيجات» الإعلامية المتنوعة حول مسألة الضربة المرتقبة التى من الممكن أن تشنّها القوى الغربية ضد النظام السورى بعد تعدد الدلائل على لجوئه إلى استخدام السلاح الكيميائى ضد المدنيين، يمكن تبيّن أهمية عملية التواصل والتوصيل لدى أطراف المشهد السياسى أو العسكرى أو الأمنى أو المدنى فى هذا الحقل الملىء بالألغام. يشتد عتب بعض المحللين السياسيين، من أصدقاء السوريين، على أطراف مدنية وسياسية فى المعارضة السورية، لقصورها الإعلامى، وخصوصا تجاه الغرب، فى شرح عدالة قضيتها. وفى هذا كل الحق والصواب، وفيه أيضا كل الظلم والخطأ.  فمنذ قضية العرب الأولى، القضية الفلسطينية، أثبت أصحابها أولا، ومن ثم من لف لفّهم ثانيا، ومن أزرهم ثالثا، على عقم جزئى لمحاولاتهم فى نقل وجهة نظرهم وفى توصيل مشروعية نضالهم إلى هذا الجمهور «الغربى» المُكتسب لقضية دولة صهيونية نشأت من «رحم» جرائم أجداده تجاه يهوديى مجتمعاته أولا. وقد «أبدع» العرب فى خسارة مسارح تعبير واسعة اعلاميا أو فنيا أو علميا بسبب الافتقار إلى لغة المخاطبة بالمعنى الذهنى، بمعنى الاستناد إلى مفاهيم مشتركة، بمعنى الاعتماد على منطق يحاكى، يجذب، يدغدغ مشاعر وأحاسيس هذا الغربى «البسيط». وعوضا عن القيام بعملية نقد ذاتى، تطورت المناهج لنقد هذا الآخر واتهامه بكل الموبقات لأنه لم يستمع إلى خطابنا الذى صغناه بلغة «صوت العرب» أو فى أحسن الحالات، بلغة أغنيات النضال والمقاومة. ومن لم تطربه أناشيدنا الحماسية أو من لم تؤثر فيه عباراتنا المستندة إلى رياضة كمال الأجسام أكثر من اعتمادها على رياضة العقل، فهو عميل، مُشترى أو مُباع، جزءٌ من لوبى صهيونى أو ماسونى أو مريخى، وبالنتيجة، الخطأ ليس من طرفنا البتة. الآخر هو الذى على خطأ ودائما.

●●●

بعض السوريين، والمعارضين منهم حتى لا أتشعّب، ليسوا باستثناء، ولهم الفخر بألا يكونوا كذلك. فلماذا نقسو عليهم فى هذه المرحلة الحرجة بالذات؟ إضافة إلى هذا وذاك، فهم أمضوا عقودا محاطين بأبدع الأساليب الغوغائية إعلاميا وعقائديا ودينيا. وما خروجهم بفضل ثورتهم إلى الحياة الإعلامية الحقيقية التى تعتمد على إيصال الرسالة الواضحة المكونة من كلمات محددة ومن دون مترادفات وتكررات، إلا بعملية مخاض صعبة ومعقدة. لا تنقذها إلا الخبرة والممارسة.

فإن سعينا إلى تنظيم فعالية نشرح من خلالها وجهة نظرنا العادلة، فنحن نتسابق ليكون لكل منا حيّزه، وبالتالى، فعوضا من أن يدوم اللقاء 45 دقيقة أو ساعة كما هو متعارف عليه حتى لا يكلّ ويملّ المتابع، فنحن نوسّعه ليمتد ساعتان أو أكثر. وإن طُلب منا أن نأخذ الكلام فى منبر عام إعلامى أو شعبى، نحتاج حتما لتذكير المتابع المتشوق ليسمع جملتين مفيدتين، بتاريخ شعبنا الأشم منذ الحثييّن وحتى يومنا هذا. فيفصل، بالمعنى الفيزيائى للكلمة، المتابع، ويغادر أريكته إن كان كلامنا متلفزا، أو ينصرف إلى النظر إلى جمالية القاعة إن كنا على الهواء الممسرح.

●●●

جلد الذات هذا حان وقته رغم ما ستتعرض اليه هذه الكلمات من جلد المحبين وغيرهم. وبالمقابل، فجلد الذات هذا لا يغفل وجود طاقات فاعلة وقادرة على مخاطبة هذا الآخر المعضلة. وهذه الطاقات المتحدثة أو الكاتبة أو الناشطة، تحمل القدر الكافى من الوطنية ومن الانتماء إلى قضية الشعب السورى العادلة. وهى إن سعت إلى التعبير بالطريقة الفعّالة والمتجاوبة مع التركيبة الذهنية للمتابع الغربى، فيجب عليها أيضا أن تحظى بثقة وبدعم من قبل جمهورها الذى تتصدى لقضيته. والتشاطر فى التخوين أو التشكيك أو التثبيط، ما هو إلا من أسوأ العقبات التى تعيق كل الجهود الطيبة لعرض القضية السورية كما يجب.

الشارع الفرنسى أو البريطانى وغيرهم من الشوارع والأزقة والطرق السريعة الغربية، لم تخضع لدورات طلائع البعث ولا إلى معسكرات شبيبة الثورة، وبالتالى فهى لا تفهم خطاباتنا المنمقة المستندة إلى عبق التاريخ وغنى الماضى وبكاء الأطلال وأغانى الشوق ومآثر الأندلس.

إن العقل الغربى، يريد أن تصله الفكرة بوضوح ويريد معها عناصر تدعم شرعيتها ولا يمنع ذلك من عرض خلفية تاريخية مبّسطة ومختصرة.

إنها فعلا ثورة، فالسوريون يثورون حتى على ذواتهم ويتعلمون من خيباتهم ومن نواقصهم، فلا تعتبوا علينا أيها الأصدقاء، «فلسنا الوحيدين فى هذا المجال، ولكن ربما كنا الأفضل».

 

نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved