مقارنة ظالمة ... ولكن

محمد زهران
محمد زهران

آخر تحديث: السبت 7 سبتمبر 2019 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

في سنة 2013 أصدر الكاتب الكندي اللامع  مالكوم جلادويل "Malcolm Gladwell"(والذي تحدثنا عنه في عدة مقالات سابقة) كتاباً بعنوان  "David and Goliath" أو "داوود وجالوت" وملخص فكرة الكتاب أن قلة الإمكانيات أو حتى بعض الإعاقة قد تكون مفيدة، طبعاً هي فكرة صادمة مثل أغلب ما يثيره جلادويل في كتبه، لا نأخذ طبعاً كل الأفكار تلك كأمر مسلم به ولكن يكفيها فخراً أنها تجعل الناس تفكر وتناقش وتتسائل، يأتي جلادويل في كتابه بأمثلة لأشخاص بإعاقة ما ولكن ينجحون نجاحاً باهراً في حياتهم أو باحث في جامعة ضعيفة ويصل بأبحاثه إلى الحصول على جوائز علمية عالمية وهكذا، لماذا نتحدث عن هذا الكتاب الآن؟

 عندما تأتي سيرة البحث العلمي في بعض الجلسات مع بعض الأصدقاء أو المعارف كثيراً ما نسمع مقولات مثل "فيه فارق شاسع ما بين البحث العلمي عند هذا الأستاذ في مصر وذاك الأستاذ في نفس التخصص في أمريكا أو كندا" أو "لا وجه للمقارنة بين الأبحاث العلمية التي ينتجها الباحثون عندنا والباحثون في الخارج" وأشياء كثيرة من هذا القبيل وأحببت أن أناقش هذا الموضوع في هذا المقال لأني عملت بالتدريس والبحث العلمي في مصر وفي أمريكا ولدي وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ لكني أود أن أطرحها من باب النقاش والتفكير.

 لكن قبل أن أطرح وجهة نظري أود أن استثني من كلامي الأشخاص الذين لا يهتمون من البحث العلمي والتدريس إلا بلقب "الأستاذ الدكتور" والذين يدخلون قاعات المحاضرات من باب أنها "شر لابد منه" والذين يكتبون أبحاثاً ضعيفة ويرسلونها لمؤتمرات محلية ضعيفة فقط من باب الترقية وزيادة المرتب، هؤلاء لا نستطيع أن نطلق عليهم لقب علماء، لا تظن أن هذه النوعية من أشباه العلماء توجد فقط في الدول النامية بل توجد في جميع بلدان العالم، أمريكا توجد بها عدة آلاف من الجامعات، إذا تركنا الجامعات الخمسين أو حتى المائة الأوائل في مختلف التخصصات فالباقي ضعيف جداً، بقية المقال يتكلم عن الأساتذة والعلماء الحقيقيين.

 في الدول النامية أستاذ الجامعة مطلوب منه تدريس ثلاثة أو أربعة مواد دراسية في كل فصل دراسية وما يستتبعه ذلك من تحضير وتصحيح إلخ بالإضافة إلى العمل في عدة لجان إدارية، بعض التخصصات العلمي تحتاج إمكانيات قد لا يجدها الباحثون بسهولة، البحث العلمي يتطلب وقتاً وإذا كان الأستاذ الجامعي يعمل في بعض الأعمال الاستشارية لزيادة دخله فسيقل الوقت المتاح له، إذا فالمقارنة بينه وبين أستاذ في نفس التخصص في دولة متقدمة مطلوب منه تدريس مادة واحدة ولديه كل الإمكانيات المتاحة لهي مقارنة ظالمة، المقارنة الحقيقية هي: إذا أعطينا الأستاذ في بلادنا نفس الإمكانيات فماذا بإمكانه أن يفعل (أعتقد الكثير) أو إذا وضعنا هذا الأستاذ في الخارج في نفس ظروف الأستاذ في الداخل فماذا سيحقق؟

 قبل الحرب العالمية الثانية كان مركز الثقل العلمي في أوروبا ثم إنتقل إلى أمريكا ثم الآن نجده متوزع بين أوروبا وأمريكا واليابان والصين فالأيام دول.

 حين نريد تقييم الأساتذة عندنا يجب أن نرى ما يقوم به في ضوء الإمكانيات المتاحة له، مطلوب منه تدريس ثلاثة مواد هل يفعل ذلك جيداً؟ ما هو تقييم طلابه له؟ هل ينشر أبحاثاً جيداً في حجم الوقت والإمكانيات المتاحة له حتى وإن كان ينشر بحثاً واحداً في السنة ولكن إذا كان البحث قوياً فالأستاذ قد أدى مهمته على أكمل وجه، كل ذلك يجب أن يؤخذ في الإعتبار حين تنظر لجان الترقيات في أمر ترقية هذا الأستاذ، هل تنظر إلى إجادته للتدريس؟ أم تنظر فقط إلى أبحاثه؟ هل تأخذ في الإعتبار الإمكانيات المتاحة له؟

 الحقيقة أني أعرف شخصياً عدداً من العلماء عندنا في مصر تقوم بأبحاث ممتازة حتى بالمستوى العالمي ويجب أن نحييهم ونرفع لهم القبعة.

 عودة إلى كتاب مالكوم جلادويل: قلة الإمكانيات قد تكون حافزاً على العمل بجد أكثر والنجاح الباهر ولكن يجب ألا ننسى أن هناك من يعاني من قلة الإمكانيات ويفشل، هناك الكثير من العوامل التي تتحكم في النجاح والفشل.

 كنا قد تكلمنا عن البحث العلمي عندنا في مصر في مقالات سابقة وأرجو من القارئ الكريم أن يلقي نظرة على بعضها مثل هذا المقال وذاك ولتكن المقارنة مع الخارج عادلة.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved