هل نسعى لاستغلال داعش أم أن داعش تستغلنا؟

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 7 أكتوبر 2014 - 8:05 ص بتوقيت القاهرة

كتب الصحفى فريد ريد مقالا تحليليا يوضح المواقف المختلفة للدول من تنظيم داعش الإرهابى. بدأ الكاتب مقاله بعرض ما قاله الطالب أبو محمد العدنانى من أفراد داعش، على إعلان الرئيس أوباما «الحرب» على داعش؛ «يا أيها الصليبيون، لقد أدركتم تهديد الدولة الإسلامية. لكنكم لم تعرفوا العلاج، ولن تكتشفوا علاجا لأنه لا يوجد علاج. إذا حاربتموها، تصبح أقوى وأكثر صرامة. وإذا تركتموها وشأنها، سوف تنمو وتتوسع.. فلتحشدوا قواتكم، يا أيها الصليبيون. احشدوا قواتكم، ولتهددوا من تريدون، وتتآمروا، وتسلحوا قواتكم، ولتعدوا أنفسكم، واضربونا، واقتلونا، ودمرونا. ولكن هذا لن يفيدكم».

ويرى ريد أن الجميع يسعى إلى استغلال داعش لأهدافه الخاصة؛ حيث تكتب راغدة درغام، كبيرة المراسلين الدبلوماسيين فى صحيفة الحياة، عن اندلاع حالة الفصام التى ضربت الخليج: «الاختلاف الجذرى بين حقيقة أن الحكومات الخليجية تعتبر أن داعش تمثل تهديدا وجوديا، وحقيقة أن شريحة واسعة من الجمهور تتعاطف مع داعش ودوافعها. وتعتبرها ضرورية فى توازن القوى وتوازن الرعب «. وتواصل راغدة، أن «الخليج» لا يزال يرى فى داعش أداة ضرورية لمواجهة الجمهورية الإسلامية فى إيران وطموحاتها الإقليمية، خاصة فى الحرب فى سوريا ــ ولا يعتبر أفرادها إرهابيين.

ويمكن الحكم على مساهمة الحكومات الخليجية الفاترة فى هذه «الحرب» الجديدة من خلال مساهمتها فى بداية الحملة الجوية فى سوريا: أربع طائرات مقاتلة F-16 من السعودية وأربع من دولة الإمارات العربية المتحدة، واثنتين من البحرين وطائرة ميراج واحدة من قطر، لم تسقط أى قنابل أو تقوم بجزء فاعل «فى الهجوم».

وبينما يرغب «الخليج» فى الاستفادة من «الحرب» فى المقام الأول ضد الرئيس الأسد، تصر روسيا وإيران على العكس: يريدون أن يستفيد أوباما من «الحرب» على داعش بوجه التحديد، فى سوريا ــ والعراق. وقد شجع وزير الخارجية الروسى لافروف فى الواقع الهجمات الجوية الأمريكية على سوريا، ولكن بشرط أن تستهدف داعش بالفعل ــ وليس الحكومة ــ وبتنسيق مباشر أو غير مباشر مع دمشق.

وردا على تهديدات أوباما ضد أى استهداف سورى للطائرات الأمريكية (الرئيس أوباما هدد بتدمير نظام الدفاع الجوى السورى فى الانتقام)، نقلت روسيا القطعة الخاصة بها على رقعة الشطرنج، وتحديدا كش أوباما: هددت روسيا ردا على ذلك، بتصعيد إمدادات الأسلحة إلى الحكومة السورية سواء كانت الطائرات تهاجم مواقع الحكومة السورية عمدا أو دون قصد. فلن يكون مستغربا أن نسمع خبر وصول السفن الروسية المتخصصة فى مجال الدفاع الجوى إلى اللاذقية. ولن تتعاون روسيا وإيران مع الولايات المتحدة فى ساحة الحرب السورية، إلا إذا تم تحديد أهداف الهجمات الجوية أمريكية والاتفاق على الممرات الجوية، وتقديم الضمانات أن الولايات المتحدة لن تحاول استغلال الوضع لخلق «ملاذات آمنة» للمعارضة السورية.

•••

وبناء على ذلك أوضح الكاتب أن الإدارة الأمريكية تقع بين المطرقة والسندان: حيث تريد السعودية رأس الأسد على طبق من ذهب، كما تريد متطوعين لتمويل جهود «الحرب» لتحقيق هذه الغاية. ولكن، إذا وافق أوباما على الشروط الإيرانية الروسية (وهو تعزيز غير مباشر للرئيس الأسد)، فسوف يسبب الغضب فى الخليج وبين المتمردين السوريين «المعتدلين» فى المنفى. غير أنه من شبه المؤكد أن القيام بما يريد الخليجيون (مهاجمة قوات الأسد)، سيدفع روسيا وإيران وحزب الله إلى المعارضة العلنية والتصعيد ــ وهو ما سيعقد كثيرا الحرب على فى سوريا (والعراق أيضا).

كما تريد تركيا أيضا «الاستفادة» من الحرب على داعش، ولكن الهدف التركى المباشر لم يكن إضعاف داعش، وإنما مساعدتها فى تقويض المنطقة الكردية السورية المتمتعة بحكم شبه ذاتى المتاخمة لمناطق الأكراد فى تركيا نفسها (التى لا تتمتع بالحكم الذاتى). وتواصل داعش مهاجمة الأكراد بالقرب من الحدود السورية التركية، ويحاول المسئولون الأتراك منع الاكراد من عبور الحدود السورية لقتال داعش. وسوف يتيح الاستيلاء على هذه الأراضى الكردية، لداعش إمكانية الاتصال المباشر و»ممرا للخدمات اللوجستية» إلى تركيا.

وحتى إسرائيل لديها نصيبها من استغلال «الحرب»، حيث ترى لنفسها فرصة استراتيجية أخيرا من أجل تعزيز التحالف الرئيسى مع الدول العربية «المعتدلة» من ​​خلال مساعدة عملائها فى محاربة الجيش السورى. وسهلت إسرائيل بالفعل لجبهة النصرة (تنظيم موال للقاعدة) فتح «ممر»، على طول، الحاجز الحدودى فى الجولان بين إسرائيل وسوريا، وهو ما من شأنه أن يتيح لمقاتلى النصرة الانتقال من الأردن إلى الأطراف الجنوبية لدمشق. وأتاحت إسرائيل فعليا غطاء من المدفعية للمتمردين، وربما تحاول الآن تحت غطاء من الغارات الجوية الأمريكية إنشاء منطقة «حظر الطيران» فوق هذا الممر الجنوبى للتسلل. ومقابل هذا الدعم الإسرائيلى ضد الأسد، سوف تتورط إسرائيل فى الحرب المستمرة لهذه الدول على الإخوان المسلمين (وحماس).

•••

وأضاف ريد، يريد «الصقور» الأمريكيون أيضا، الاستفادة من «الحرب» على داعش فى سوريا ــ ليس فقط ضد الأسد ــ ولكن لتعزيز حملتهم للإطاحة بالرئيس بوتين: عبر طعنه فى سورية (بهزيمة الأسد)، وإذلال وتشويه سمعته فى أوكرانيا بين ناخبيه. ومع ذلك، يحاول الرئيس بوتين الاستفادة من حرب داعش فى الاتجاه المعاكس: مع محاولة إحياء قناة اتصال بأوباما ــ من أجل التنسيق فى سوريا والعراق ــ وأيضا من أجل تهدئة التوترات مع واشنطن بشكل عام. (اقترحت إيران وروسيا بالفعل إنشاء قناة مباشرة بين بغداد ودمشق للاتصالات من أجل تنسيق الحرب ــ وهذا يفيد بالفعل). حيث تمر الاستخبارات أيضا فى دمشق.

ويواجه الرئيس أوباما معضلة أخرى. فهو بحاجة إلى التعاون مع الرئيس بوتين (وإيران أيضا) إذا كان يريد معالجة حاسمة للشرق الأوسط، الذى يعانى من عدم الاستقرار، ولكن طلب المساعدة الروسية بأى صورة واضحة، وصريحة، يعرض الرئيس بالفعل لانتقادات متواصلة فى الفترة التى تسبق انتخابات التجديد النصفى للكونجرس. فهو يريد التنسيق من دون أم يكون التنسيق ظاهرا مع أى من روسيا أو إيران ــ ناهيك عن دمشق!

•••

ويستطرد الكاتب قائلا؛ بطبيعة الحال، ليست هذه القائمة الكاملة لأولئك الذين يستخدمون فيها «الحرب» لصالح أهدافهم الخاصة: حيث يستغل السنة فى الأنبار وصلاح الدين ونينوى، داعش من أجل الضغط على بغداد لتمنحهم تنازلات. ويفعل الأكراد نفس الشىء. كما تستخدم دول مجلس التعاون الخليجى «الحرب» ​​لإكراه قطر على اتباع الخط السعودى. ويستخدمها الملك عبدالله أيضا فى محاولة إجبار رجال الدين الوهابيين لكبح أى إحياء للوهابية بين الناس.

وربما يعتقد الرئيس أوباما أن شن هجمات جوية مذهلة يعزز فرص الديمقراطيين فى الانتخابات النصفية. وقد يكون محقا. لكنه قد يكتشف أيضا أن داعش كانت تستغله، هو والملك عبدالله والآخرين، لأهدافها الخاصة.

وربما كانت «داعش» أداة فى السابق، للكثيرين الذين يعتقدون أنهم يستغلونها؛ ولكن ربما تغير الوضع الآن. فلم يكن شيئا مما فعلته داعش غريبا، بل يعكس التخطيط الجاد والتعمد. حيث تعود خريطة غزو داعش للأراضى ذات الآبار النفطية بالذات إلى 2006. وبدأ تخطيطها للاستيلاء على الموصل منذ أكثر من عامين.

ويرى أنصار داعش أن التحالف الصليبى سيتم دفعه إلى معركة برية، لأنه لن يحقق أهدافه عبر الهجوم الجوى. ويستلهمون دروس الحرب الإسرائيلية على حزب الله فى 2006، حيث فشلت هجمات إسرائيل الجوية فى تدمير حزب الله، وأدت قدرة الحركة المستمرة على شن هجمات عسكرية، إلى إعلان هزيمة إسرائيل.

ويتطلع تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى إلى راية داعش لمواجهة «حرب الصليب» التى شنت ضدهم. وبالفعل، أصبح المتمردون المدعومون من الغرب «خونة»، وصارت تلك «الصفقة مع الغرب التى عقدها (عبدالله ملك السعودية والإمارات والبحرين)» جزءا من الغرب ــ أى أنهم مرتدون.

•••

واختتم ريد مقاله مؤكدا أن داعش تستخدم الغرب لتحصل على ما تريد: تعبئة إسلامية واسعة، نزع شرعية القادة العرب المتحالفين معنا، و«حرب» غير مكتملة من دون وجود استراتيجية أو «نهاية» ــ وهى عملية يتولى أوباما تيسيرها فى الواقع. ولكن فى التحليل النهائى، يكمن التناقض العميق ــ والسبب المحتمل لفشل هذا المشروع بأكمله ــ فى مفارقة أن حلفاء الغرب المختارين لن، ولا يمكن، أن يكونوا «شركاء» حقيقيين فى هذه الحرب. فقد لوثهم انتشار هذه العقيدة السلفية نفسها طوال عقود كثيرة جدا. فهم ينتمون لنفس (الأيديولوجية). وقد تواطأ الغرب لفترة طويلة، حيث لا يستطيع التخلى عن الحلفاء وقت الخطر، ولا يتوقع منهم المشاركة الجادة على الأرض. إنها حرب تم إعلانها من دون قوات، أو وسيلة لصياغة النتيجة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved