نصر أكتوبر.. بين مبارك والشاذلى

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 7 أكتوبر 2016 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

• عوقب المذيع بالتليفزيون المصرى جورج رشاد لأنه وجه التحية لمبارك باعتباره قائد الضربة الجوية فى حرب 6 أكتوبر، تأملت الاحتفالات بالنصر فى كل القنوات والتليفزيون الرسمى فوجدتها خالية من ذكر الفريق مبارك قائد الطيران وقتها، قارنتها بالاحتفالات بمثل هذا اليوم فى أيام مبارك حيث كانت تختصر نصر أكتوبر فى الضربة الجوية، وتختصر الضربة الجوية وسلاح الطيران فى مبارك مع إقصاء الجميع بلا استثناء.
• تفكرت طويلا فى العقلية المصرية التى تعشق دائما الإقصاء ولا تستطيع التمييز بين مبارك قائد الطيران أثناء نصر أكتوبر والذى أبلى بلاء حسنا وكان له دور مهم أثناء وقبل وبعد المعركة، وبين مبارك السياسى والرئيس الذى وقع فى أخطاء جسيمة أثناء حكمه وخاصة فى السنوات الأخيرة منها، بعد أن سلم زمام السلطة لابنه جمال ومجموعته المعروفة.
• حسنى مبارك قائد الطيران كان يصل إلى القواعد الجوية فى الخامسة فجرا وبذل جهدا كبيرا فى تجهيز وإعداد سلاح الطيران للحرب لا خلاف عليه ولا ينبغى إغفال دوره فى نصر أكتوبر، مهما اختلفنا مع مبارك السياسى الذى فوت أعظم فرصة سلام وهدوء سياسى صنعه له السياسى الداهية العبقرى السادات فاستفادت إسرائيل من فرصة السلام فى التطور الصناعى والزراعى والتقنى والبحث العلمى والتعليم والتنمية بينما أضاع مبارك على مصر هذه الفرصة الذهبية، فأصبحت مصر فى ذيل دول الشرق الأوسط المتقدمة واتخمت بالديون ونهبت الدولة المصرية فى عهده نهبا منظما.
• الإقصاء فى العقلية المصرية مرض عضال لم يستطع العباقرة حل ألغازه المحيرة حتى اليوم، أما التفريق بين الأشخاص فى مراحلهم الوطنية المختلفة فهذا يغيب دائما عن العقلية المصرية.
• هذا الإقصاء صنعه مبارك كثيرا حينما اختصر نصر أكتوبر فى شخصه، وبالغ فى ذلك بطريقة سمجة جعلته يلغى تماما ثانى شخصية بعد السادات صنعت النصر فهو الذى ساهم بالدور الأكبر فى تجهيز الجيش للحرب وقيادته بطريقة علمية أثناءها وهو أعظم رئيس أركان حرب فى تاريخ مصر كلها، وهو الفريق الشاذلى حتى وصلت الحماقة مبلغها بحذف صورته التاريخية من بين القادة فى لحظة انطلاق الحرب من مركز قيادة عمليات القوات المسلحة.
• لقد نجح الشاذلى فى إقامة منظومة رائعة لهذا النصر لم تحدث من قبل، وجهز جيشا قوامه مليون جندى وضابط بطريقة علمية وعملية صحيحة بدأت من دليل الجندى، دليل الضباط الأصاغر، ودليل الضباط الأكابر حتى التدريب الفعلى على مسارح عمليات مشابهة مع جمع الضباط المخططين مع القادة الميدانيين وإحداث التناغم الفكرى والإنسانى والعسكرى بينهم.
• لم يفرق مبارك وإعلامه بين الفريق الشاذلى صاحب هذه الانجازات وبين الشاذلى السياسى الذى وقع فى أخطاء كارثية أخطرها أن يضع نفسه تحت لواء رجل مجنون مخبول مثل القذافى ليفقد الكثير من رصيده.
• مبارك أقصى كل قادة النصر طوال ثلاثين عاما، وأقصى السادات أيضا صاحب النصر الحقيقى حتى لا يطغى على صورته، لقد بلغ الإقصاء للسادات مداه حينما أراد البعض تحويل نصر أكتوبر إلى هزيمة سياسية بقدرة قادر، وتحويل هزيمة يونيه إلى نصر سياسى، والحقيقة أن النصر لا يمكن أن يتحول إلى هزيمة أبدا، والهزيمة لا تتحول إلى نصر مهما تم تلميعها من قبل البعض.
• وسلاح الطيران هو سلاح إسناد ولا يمكن أن يلغى الأسلحة الأساسية الأخرى وخاصة الأرضية لا فى الحرب ولا فى التاريخ.
• الإقصاء مرض أصاب الجميع، فالسادات نفسه لم يذكر فضل عبدالناصر فى تجهيز الجيش بطريقة علمية وتصحيح الأخطاء القاتلة التى وقع فيها من قبل والتى أنتجت هزيمة 5 يونيه سنة 1967 .
• والسادات أقصى الفريق محمد فوزى ولم يفرق بين فوزى العسكرى الذى أعاد للجيش المصرى انضباطه ورباطة جأشه وعسكريته الاحترافية وفوزى السياسى الذى كان يريد إنتاج ناصر جديد وإزاحة السادات، نحن جميعا نرفع القبعة ونحيى الفريق مبارك والفريق الشاذلى والفريق فوزى ونختلف مع مبارك والشاذلى وفوزى السياسى.
• الكل وقع فى الإقصاء، كل يريد أن يبدأ تاريخ مصر فى عهده، كل يريد أن يلغى الآخرين، هو مرض مصرى فرعونى قديم، كان كل فرعون يطمس أسماء ومنجزات الفرعون الذى قبله على المسلات ويكتب اسمه وإنجازاته.
• عبدالناصر ألغى سعد زغلول والنحاس والوفد والعصر الملكى كله، وبالغ فى إلغاء فاروق بطريقة غريبة وصلت إلى شطب صوره من الأفلام، وألغى محمد نجيب وزورت الكتب المدرسية التاريخ جهارا نهارا فكتبت أن ناصر هو أول رئيس لمصر، العقلية المصرية كلها لا تقبل الآخر.
• فى أمريكا قد تجد خمسة أو ستة رؤساء يحتفلون بمناسبة وطنية واحدة، عندنا رئيس على الكرسى، والباقى إما فى القبر أو السجن.
• والرئيس الذى يغادر الكرسى لا يستطيع السير فى الشارع أو الجلوس على مقهى، أو شراء الخضار.
• فى بريطانيا قال صحفى صعيدى لآخر: هذه «خالتك تاتشر» تشترى الخضار بنفسها وهى فى الحكم، وبراون وغيره من حكام بريطانيا يسيرون فى الشارع كالعوام، لا إقصاء لأحد، الجميع وطنيون لهم إيجابيات وسلبيات، وحسنات وسيئات، لا إقصاء من الحاضر أو المستقبل فضلا عن التاريخ، ولكن لدينا من يحكم ينسى نفسه فيقصى الجميع من الحاضر والمستقبل والتاريخ أيضا.
• لعل مبارك يتفكر الآن كم أقصى الشاذلى، بل وسجنه وهو فى السبعين دون أن يقول لنفسه: إن حسنة نصر أكتوبر قد تجب ما يتلوها من أخطاء وهنات.
• لم يتعلم أحد من الرسول «صلى الله عليه وسلم» وهو يعلم أصحابه أن الهجرة تجب ما قبلها وشهود بدر تجب ما سواها، فالحسنات العظام تدرأ السيئات العظام، وإذا لم تعف عن مثل الشاذلى فعمن تعفو، وهل الحكم عليه مقدس وقد بذل عمره كله فى سبيل الله وخدمة مصر؟، اللهم إنا نعوذ بك من الإقصاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved