حق يوسف العربى!

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 7 أكتوبر 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

كل الدول بها قوانين، لا توجد دولة معاصرة مهما كانت درجة تقدمها أو تأخرها إلا وبها قوانين، ما يفرق الدول عن غيرها هو مدى «إنفاذ القانون»، والأخير يعنى أولا أن تطبق القوانين على الأرض ولا تبقى مجرد حبر على ورق، وثانيا أن يكون هذا التطبيق عاما على الجميع بلا استثناء ولا تمييز، وثالثا ألا يكون هذا التطبيق متباطئا سواء كان هذا التباطئ متعمدا أو نتيجة للإهمال أو التقصير أو التقاعس!
يوم الخميس الموافق ١٨ مايو الماضى، كان الطفل يوسف سامح العربى المولود فى القاهرة فى يوم ٣ يناير ٢٠٠٤ والطالب بالصف الثانى الإعدادى بمدرسة القرية الذكية، يقف مع أصدقاء له فى محيط ميدان الحصرى بمدينة ٦ أكتوبر من أجل التنزه والترفيه، فجأة فقد يوسف الوعى وسقط مغشيا عليه، فهرع أصدقاؤه إلى مستشفى ٦ أكتوبر التخصصى، وصل يوسف وتعرض للإسعافات الأولية قبل أن يدخل فى غيبوبة، اتضح من الكشف الدقيق أن هناك رصاصة مستقرة فى جذع المخ! قضى يوسف ١٢ يوما تقريبا فى هذه الغيبوبة بين دعاء الأصدقاء والمحبين والمقربين من الأسرة، ثم هزت القصة مواقع التواصل الاجتماعى حتى لمن لا يعرفوه وتضرعوا لله بكل الأديان والصلوات بالشفاء، لكن قدر الله كان نافذا، وتوفاه الله يوم ٢٩ مايو.
لم أكن على معرفة شخصية بوالد يوسف ووالدته، ولكنى تابعت صفحتيهما على موقع «الفيس بوك» منذ أول يوم للغيبوبة وحتى اليوم الأخير حيث فارق يوسف الحياة. تأثرت كثيرا بهذا الرحيل كما تأثر الآلاف، وشاهدت مداخلة هاتفية طويلة لوالد يوسف، السيد سامح العربى على فضائية «أون إى» فى برنامج «كل يوم» الذى يقدمه الإعلامى عمرو أديب والمنشور على الموقع الرسمى للقناة على «يوتيوب»، حيث كان يطالب السلطات بكشف غموض الموضوع، وكان يظهر معنويات عالية وأملا كبيرا فى شفاء ابنه وعودته للوعى، لكن مع زحمة الحياة انشغلت عن الموضوع حتى بدأت أقرأ عنه مرة أخرى أخيرا فطلبت من بعض الأصدقاء المشتركين الحديث مع الأسرة وبالفعل تمكنت من التوصل إلى والدته، الأستاذة مروة قناوى والتى شرحت لى الكثير من التفاصيل المهمة والمؤلمة بل والمخجلة معا!

•••

بحسب محامى الأسرة فى القضية السيد مختار منير، والذى تحدث لقناة «القاهرة والناس» ونشرت الأخيرة هذا الحديث على صفحتها الرسمية فى موقع «يوتيوب» بتاريخ 25 يوليو الماضى، فإن الشرطة وجهاز المباحث لم يتقاعسا، فالموضوع كان لغزا كبيرا وتحول سريعا لقضية شغلت الرأى العام، استجوبت الشرطة أكثر من ١٠٠٠ شخص فى ظل شائعات كثيرة ومعلومات متضاربة كان قد تم تداولها عن الجانى فى القضية وهويته، وفى النهاية قدمت الشرطة تصورها، وبناء عليه تم إصدار أمر بضبط وإحضار خمسة أشخاص من المشتبه بهم على ذمة القضية، حيث تبين للشرطة أنه على بعد كيلومتر تقريبا من مسرح الواقعة حيث كان يقف يوسف مع أصدقائه، كان هناك ضرب للنار من أسلحة آلية احتفالا بأحد الأعراس، وانتشر بالفعل فيديو لواقعة إطلاق النار العشوائى، صدر أمر الضبط والإحضار يوم ٢٥ مايو (كان يوسف مازال حيا) من مكتب النائب العام لخمسة أشخاص منهم العريس وأحد أقاربه وتم ضبطهما بالفعل، لكن ظل هناك شخصان هاربان، الأول هو ضابط الشرطة، النقيب طاهر محمد أبوطالب، نقيب بمديرية أمن الفيوم، ومن عائلة بعض أفرادها من القيادات الأمنية الحالية والسابقة، والشخص الثانى الهارب حتى الآن هو الطالب خالد أحمد عبدالتواب، نجل عضو البرلمان المصرى اللواء أحمد عبدالتواب، أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومى بالبرلمان. استغل النائب الحصانة الممنوحة له ولبيته بحماية ابنه داخل البيت بحيث لم تتمكن الشرطة من تنفيذ عملية الضبط والإحضار! بل والأدهى من ذلك أنه وفى تصريحات منسوبة له بموقع جريدة «اليوم السابع» وفق ما كتبته الأستاذة «إيمان على» فى ١ يونيو الماضى فقد قال النائب إن ابنه برىء وليس له علاقة بالواقعة، بل وتمادى فى موقفه قائلا «أنا مهربتش ابنى وهقدمه للنيابة فى الوقت المناسب»! وهكذا نصب النائب من نفسه حكما بل ومحددا للتوقيت المناسب الذى يمكنه من تقديم نجله فيه لجهات التحقيق!
فى حواره مع «القاهرة والناس» والمشار إليه أعلاه، أكد المحامى السيد مختار منير أنه لم يتمكن حتى الآن من الإطلاع على ورق القضية! سألت والدة يوسف السيدة مروة عما إذا كان الوضع تغير الآن، فأكدت أنه وحتى اللحظة لم يتمكن المحامى من الإطلاع على أوراق القضية بلا سبب واضح!

•••

طلبت من السيدة مروة أن أنقل على لسانها رسالة تريد إيصالها للرأى العام وللدولة، فوجهت تساؤلا واضحا وخمسة طلبات هى على النحو التالى:
السؤال: لماذا لا يتم تمكين المحامى من الإطلاع على ورق القضية حتى الآن وبعد أن فات أكثر من ١٠٠ يوم تقريبا على الحادثة؟
الطلب الأول: أن يتم إحالة القضية إلى القضاء حيث يتم محاكمة المتهمين محاكمة عادلة.
الطلب الثانى: أن يتم ضبط وإحضار المتهمين الهاربين والمحتمين بنفوذ أسرتيهما فى تحدٍ واضح للقانون والدستور وفى شبهة فساد واضحة.
الطلب الثالث: محاسبة النائب البرلمانى اللواء أحمد عبدالتواب الذى يعوق العدالة أن تأخذ مجراها.
الطلب الرابع: أن يتقدم أعضاء البرلمان بطلب إحاطة للسيد وزير الداخلية لسؤاله عن سبب عدم تنفيذ قرار المحامى العام بضبط وإحضار المتهمين الهاربين حتى هذه اللحظة.
الطلب الخامس: أن يناقش البرلمان مشروع قانون يغلظ العقوبة على من يقوم باستخدام الأسلحة فى الأفراح وتسبب للكثيرين من الأبرياء أن يفقدوا حياتهم بلا ذنب لمجرد أن آخرين قرروا أن يحتفلوا بأسلوب همجى وغير مسئول.
ختمت السيدة مروة كلامها بأن القضية بالنسبة لها هى أولا حق طفلها الذى فقد حياته بلا ذنب ومازالت الدموع متحجرة فى عينيها لن تنزل قبل أن تأخذ العدالة مجراها بمحاسبة المسئولين عن فقدانه لحياته، وثانيا هى حق كل الذين فقدوا حياتهم فى ظروف مشابهة ونتيجة لعادات وتقاليد بالية فى كل ربوع مصر تقريبا.

•••

هذه قضية خطيرة لأنها تضع عملية إنفاذ القانون على المحك فى مصر، فالموضوع بقدر ما يستدعيه من حزن وألم، بقدر ما هو بسيط، ليس هناك سياسة مع ما تستدعيه الأخيرة من حسابات معقدة، هناك قضية واضحة جلية للعيان، طفل فقد حياته، شرطة قامت بالبحث والتحقيق، محامٍ عام قام بإصدار أمر بالضبط والإحضار مصحوبا بأمرين للاستعجال، اتهام رسمى تم توجيهه لأشخاص بعينها، باسمها، بسكنها وعنوانها ووظائفها، وإعلام عام وخاص قام بالتعاطف مع الأسرة وعرض الموضوع بكل شفافية، لكن فى مقابل كل ذلك هناك عائلات تحتمى بمناصبها وحصاناتها لانتهاك القانون وتعطيل تنفيذه!
رائحة الفساد تزكم الأنفاس فى هذه القضية، والضحية طفل لا ذنب له، وأب وأم مكلومان يرفضان البكاء أو الراحة قبل أن يحصلا على حق ابنهما، فمن يأتى ومن ينتصر لهذا الحق؟ ومتى ينتصر القانون فى مصر؟ أسئلة لمن يهمه أمر هذا البلد!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved