بديهيات السلام والحروب

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 7 أكتوبر 2020 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

فى أيامنا التى نعيش هناك حاجة ملحة للتعامل مع مفهومى الحرب والسلام بمنطق العقل بدلا من تهويمات شعارات الخوف والكذب. فلا يوجد معنى مطلقا لكليهما وإنما يوجد واقع يفرض هذا أو يحتم ذاك. ومثلما أن تاريخ البشرية ملىء بالحروب غير المبررة فإنه ملىء أيضا بالسلام، أو الاستسلام، غير المبرر.
من هنا أهمية وضع شروط وظروف السلام والحرب والقيم التى يجب أن تحكم اللجوء لهما. وهذا ينطبق على السلام أو الصراع فيما بين الأفراد مثلما ينطبق بشكل مماثل فيما بين الجماعات والدول والأمم.
سنحاول إبراز بديهيات هذا الموضوع بعد أن كثرت فى أيامنا كتابات ولقاءات لا تراعى ذلك المنطق وتحتكم إليه، وإنما تمارس الزبونية لتبرير الموقف السياسى لهذا المسئول أو ذاك. وهى فى هذا المسعى على استعداد لتزوير التاريخ والدين وأفكار الفلاسفة وكل حقائق الواقع.
فأول البديهيات أن السلام والحرب ليسا من تركيبة الإنسان الطبيعية وإنما هما سلوكان ينشئان فى الإنسان ويحتاجان دوما لتحكيم العقل والقيم والقوانين من أجل ضبطهما وتوازنهما. لكن تاريخ البشرية يؤكد أن الديانات والأفكار الفلسفية والمبادئ السياسية وقصص الآلام والأحزان الإنسانية عجزت جميعها عن إيجاد التوازن المطلوب وذلك بسبب عدم تماثل فكر وتصرف جهتى الصراع بالنسبة للحرب أو السلام فيما بينهما.
من هنا الأهمية القصوى لأن يفهم دعاة السلام العرب بأنه لا يكفى أن يرغب العرب فى السلام حتى يتحقق السلام. هناك حاجة أيضا لأن ترغب الجهة الأخرى فى السلام، وتتصرف بمنطق السلام ومتطلباته حتى يعم السلام.
فلا يمكن أن يوجد سلام بين الأمة العربية مجتمعة وبين الكيان الصهيونى طالما أن سلطات الكيان لم تلتزم علنا برد ما سرقت من أرض، وبقبول عودة أصحاب الأرض المغتصبة، وبالتوقف التام عن استيراد جحافل المستوطنين من أقاصى الغرب والشرق، وبإيقاف جرائم القتل والسجن واقتلاع الأشجار وهدم البيوت وسرقة المياه ومحاصرة وتجويع المدن.
والبديهية الأولى تلك تقودنا إذن إلى البديهية الثانية وهى أن السلام الذى يكون على حساب أحد الطرفين المتحاربين هو سلام غير عادل مهما أسبغت عليه من صفات وهمية بغية تزيينه وبيعه كبضاعة وليس ترسيخه كعمل أخلاقى إنسانى.
السلام الحقيقى هو تحرير الفلسطينيين من الخوف والغدر، ليس فقط من سلطات صهيونية استعمارية استئصالية لا ترحم، وإنما أيضا من بؤس المعيشة التى يحيونها والذل المرافق لها والبطالة والفقر والجهل الذين يراد تجذرهم فى حياة الفلسطينيين.
فإذا أضفنا إلى فضيلة العدل تلك فضائل الأخوة، والهوية المشتركة، ورفقة التاريخ الطويلة فى السراء والضراء، ومواجهة الأخطار المشتركة، والتعاضد فى تحقيق الآمال المشتركة، وبمعنى آخر كل الالتزامات القومية التى أصبحت متجذرة فى الإنسان العربى ومجتمعاته، والتى جميعها تتناقض مع الخلاص الفردى الأنانى ومع المصالح الوطنية إن كانت على حساب المصالح القومية المشتركة، أدركنا عظم المسئولية التى نحملها تجاه موضوعى الحرب والسلام فى كل الوطن العربى الكبير.
ويعجب الإنسان من الذين يكتبون بأنهم ضد السلام الكاذب غير المتبادل بتوازن وعدالة، ولكنهم يتفهمون مبررات جهات اتخاذ القرار. وهم لا يفصحون عن هذه المبررات لكى تناقش الأمور بحرية ومنطق. وبالطبع فإن ذلك غير مقبول فى الأمور الوجودية التى تهم المجتمعات العربية ولها تأثيراتها الكبرى على ملايين من الإخوة العرب. فالصراع العربي– الصهيونى الوجودى لا يعنى فقط إخوة الفلسطينيين وإنما يعنى كل عربى، خصوصا يوم أفصح عتاة الصهيونية أنهم يهدفون إلى عودة إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات.
البديهية الثالثة هى أن موضوع فلسطين، شئنا أم أبينا، يخص كل العرب، إن عاجلا أو آجلا، ومن هنا الأهمية القصوى لعدم تفضيل السلام المؤقت على السلام الدائم، ولا السلام مع المجرم على حساب الضحية.
هذه البديهية لا تحتمل الخزعبلات والفذلكات التى تتداول ولا التلاعب بالألفاظ الرنانة لجعلها شعارات سياسية خادعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved