إستراتيجية حقوق الإنسان بين البرلمان والحكومة
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 7 أكتوبر 2021 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
كثيرا هو اللغط الذى صادف الحديث عن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أعلنت قبل شهر. اللغط الحادث قائم لكون الإستراتيجية لم تصدر بإعلان رسمى من الحكومة، ولكون الحكومة لم تتخذ حتى اليوم القرارات المنفذة لها على أرض الواقع. لكن هذا الأمر يبدو أن به قدرا من التعجل، إذ إن مجرد إعلان رئيس الدولة عن تلك الإستراتيجية يكفى للحديث عن كونه الضامن الرئيسى لتنفيذها. صحيح أن الشيطان يكمن فى التفاصيل، وأن العبرة بكيفية التطبيق، إلا أن الأيام القليلة القادمة ستبين إلى أى حد هناك التزام حكومى وبرلمانى لتنفيذ الإستراتيجية.
ما من شك أن كل من الحكومة ومجلس النواب عليهما مسئولية كبيرة للدفع بالإستراتيجية المؤلفة من نحو 80 صفحة لنيل حظها من التنفيذ. الإستراتيجية التى تحدد آليات ومسار التنفيذ والأطر والمعايير، لا تحتاج لكثير من الجهد كى تقرها الحكومة، وتترجم ما تشتمل عليه فى مشروعات قوانين جديدة، أو تعديل مشروعات قوانين يجرى العمل بها بالفعل.
منذ أيام قليلة افتتحت الدورة البرلمانية الثانية للفصل التشريعى لمجلس النواب، وقبلها بأيام خرج عن مجلس الوزراء قرار بتعديل قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، أحيل للبرلمان فور بدء عمله، والذى أحاله بدوره إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية. القرار بتعديل التشريع لم يخص أى شيء اشتملت عليه الإستراتيجية، إذ تعلق باتخاذ الإجراءات القانونية بإلزام ملاك السيارات غير المستخدمة والمنتهية ترخيصها بعدم تركها فى الشوارع الرئيسة وفى الأحياء والمدن. بعبارة أخرى، سننتظر بعض الأيام عسى أن تعلم الحكومة أن رئيس الدولة أعلن إستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، تتضمن بالأساس الحقوق السياسية للمواطن إضافة لحقوقه الاجتماعية والاقتصادية.
مجلس النواب هنا لا يجب أن يكون مجرد متلقٍ لما تخطه الحكومة من مشروعات قوانين، إذ عليه استعجالها وإصدار بيانات علنية وخطابات تعلنها وسائل الإعلام لمطالبة الحكومة بسرعة ما ورد فى الإستراتيجية، وإلا فإن الأعضاء فرادى ومجتمعين، وبمساعدة قانونية ومعرفية من لجنة حقوق الإنسان ومن اللجنة الدستورية والتشريعية بالبرلمان سيقومون بهذا العمل من تلقاء أنفسهم، تنفيذًا لما قاله رئيس الدولة. بعبارة أخرى، يجب حث الأعضاء على أن يكونوا مبادرين وليسوا فقط متلقين، عناصر إيجابية وليست سلبية. فنواب البرلمانات فى البلدان المتمدينة تخافهم السلطة التنفيذية، ولا يخافون هم منها.
القانون المنظم لموضوع الحبس الاحتياطى هو واحد من أبرز الأمور التى ينبغى العمل على ضبطها، من قبل الحكومة أو النواب، لأنه تحول فى واقع الأمر إلى عقوبة. دراسة تجارب البلدان الغربية فى هذا الشأن أمر فى غاية الأهمية. أيضًا قانون العمل وتأسيس مفوضية لمكافحة التمييز وفقًا للمادة 53، مهم سرعة الانتهاء منه، وذلك كله بغية منع التمييز بين المواطنين على أساس الدين والمهنة والنوع، وهو التمييز الثلاثى الذى يعانى المجتمع والدولة منه بشكل شبه يومى. عدم ندب القضاة إلا للجهات القضائية، هو واحد من أهم منابع العدالة واستقلال القضاء وتحقيق المساواة التى تم التأكيد عليها فى يوم القضاء المصرى، بحضور رئيس الدولة يوم السبت الماضى. علاوة على ذلك هناك أهمية لصدور قانون حماية الشهود والمبلغين وخبراء العدل المعلق صدوره منذ البرلمان الذى تلا أحداث يناير 2011 حتى اليوم.
فى شق الرقابة هناك العديد والعديد من الأعمال التى تنتظر النواب عامة، ولجنة حقوق الإنسان خاصة. فالرقابة من خلال متابعة أثر التشريعات هى الأسلوب المتبع والأمثل فى الرقابة فى البرلمانات المتمدينة، بحيث يدرك النواب من خلال لجان الاستطلاع والمواجهة والزيارات الميدانية ومتابعة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، مثالب ونواقص وثغرات تشريعات حقوق الإنسان المعمول بها، بغية مطالبة الحكومة بالتدخل لتعديل القوانين السارية، أو قيام النواب باقتراح تعديلات عليها. واحد من أبرز الأمور فى هذا الصدد إشراف ورقابة المجلس ومحاسبته لوزير التعليم فيما يتصل بالمناهج التى يجب أن تكرس لكل ما جاءت به الإستراتيجية، إضافة لمتابعة المجلس لوسائل التدريس عبر تدريب المعلمين، وبحيث يصبح التعليم أسلوبا ابتكاريا وليس تلقينيا، غرضه (ضمن أغراض أخرى عديدة) التنشئة السياسية السوية للطالب وليس غرس القيم على النهج السوفيتى البالى. (وللحديث بقية).