أمل الخروج من (بؤرة الاهتمام)

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: السبت 7 نوفمبر 2009 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

 حين ألح قادة الحزب الوطنى، من الرئيس مبارك فنازلا، خلال مؤتمرهم الأخير على القول بأن الفلاح فى «بؤرة الاهتمام»، كنت أحد الذين قالوا إننا كسبنا نقطة. واعتبرت أنه حتى إذا كان هدف الكلام طمأنة الفلاحين واسترضاءهم، لكسب تأييدهم فى انتخابات السنة المقبلة. فلا بأس من ذلك، فأن يحظى الفلاحون باهتمام الحكومة لبعض الوقت أفضل من تهميشهم وإهمالهم طول الوقت.

لم يستمر تفاؤلى طويلا. إذ ما أن انفض المؤتمر حتى جاءنى من يقول إن ما قيل عن موضوع «بؤرة الاهتمام» ليس أكثر من «كلام جرايد»، سألت، فقيل لى إنهم أعلنوا أن الحكومة ستعلن مقدما وقبل زراعة المحاصيل الأسعار التى ستشترى بها من الفلاحين. وأنها تتجه إلى شراء الذرة هذا العام بمائتى جنيه للأردب، فى حين فرض على الفلاح أن يبيعه بما يتراوح بين 120 و140 جنيها. وهذه فكرة جاءت متأخرة كثيرا، هكذا قال محدثى الذى أضاف: إن الحكومة لم تقرر الزيادة بعد، وحتى إذا أصدرت قرارها هذه الأيام فإنه سيأتى بعد أن يكون الفلاح قد باع الذرة مضطرا بثمن بخس. لأن موعد سداد الإيجار السنوى للأرض يحل فى شهرى أكتوبر ونوفمبر، وقيمة الإيجار تسدد من حصيلة بيعه لمحصول الذرة، الأمر الذى يعنى أن قرار الحكومة إذا صدر فإنه سيجىء فى وقت تكون فيه الأغلبية الساحقة من الفلاحين قد باعت فيه المحصول إلى التجار القادرين بالسعر المخفض. وسيكون هؤلاء هم الرابحون الحقيقيون، لأنهم حينئذ سيبيعونه إلى الحكومة بالسعر الجديد.

قال آخر إن الفلاح يسمع عن تشكيل لجان عليا وعن دراسات ومفاوضات لإقناع شركات الألبان بزيادة سعر اللبن الذى تشتريه من الفلاحين بسعر 240 قرشا للكيلو، فى حين أنه يتكلف 280 قرشا. وبسبب الخسارة المترتبة على ذلك، فإن مزارع كثيرة أُقفلت، وبيعث بأثمان بخسة قطعان الماشية. ولم يبق فى الساحة إلا الكبار القادرون على تحمل الخسائر، وهؤلاء صاروا يذبحون بعض الأبقار المتوافرة لديهم وبيعها لحما لتوفير السيولة المالية. ومن ثم تمكينهم من توريد التزاماتهم من الألبان التى تعاقدوا عليها. وبعد «خراب مالطة» يتحدثون الآن عن مفاوضات لرفع أسعار توريد الألبان، فى الوقت الذى فتحت فيه الحكومة باب استيراد الألبان الجافة المدعم من الدول المصدرة باعتباره فائضا عن احتياجاتها. علما بأن الحكومة هى التى تنظم كميات وأسعار الأعلاف والكيماويات، وهى التى من خلال بنكها الوطنى تقدم القروض لمربى الماشية، وتحدد فوائدها وأقساطها. وبوسعها إذا كانت جادة أن تخفف العبء عن منتجى الألبان بوسائل أخرى.
قال ثالث إن بنك التنمية والائتمان الزراعى الذى يفترض أن يرعى تمويل الفلاحين ويشجع التنمية الزراعية، لا يقتصر فى قهر الفلاحين وإذلالهم. إذ فى حين تقدم النبوك المماثلة فى العالم قروضها للفلاحين بفوائد تقارب الصفر، فإن بنكنا الهمام يقرضهم بفائدة تزيد على 8٪، أما قروض الاستثمار الزراعى تتراوح نسبتها من 13 و15٪.

صاحبنا هذا أحد ضحايا البنك، إذ تورط فى بناء مزرعة لإنتاج الألبان وضع فيها كل أمواله، واقترض منه 486 ألف جنيه تسدد خلال خمس سنوات، تسلم منها نقدا 461 ألفا فقط، وخصم الباقى استيفاء لتمغات ورسوم وخلافه، وحين حل موعد القسط الأول طلب منه دفع 165 ألف جنيه، منها 97200 جنيه من قيمة القرض، و67800 قيمة الفوائد، وتكرر ذلك على القسط الثانى، بما يعنى أن الرجل حصل على قرض بـ461 ألف جنيه، سدد منها خلال سنتين 194.400 جنيه، ودفع فوقها فواىد بقيمة 133.262 جنيه، وبعدما أدرك أنه أمام صفقة خاسرة. توقف عن العمل، وتخلص من قطيع الأبقار الذى لديه، ويستعد الآن لبيع الأرض الزراعية التى يمتلكها لسداد بقية قيمة القرض «الميسر»، بعدما بقيت اطلال المزرعة والمحلب الآلى تنعى من بناها.

سألنى الرجل بعد أن روى قصته: متى وكيف نخرج من بؤرة هذا الاهتمام اللعين؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved