وهم الإ صلاح الاقتصادى

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 7 نوفمبر 2016 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

كوارث اقتصادية محققة يبدو أن السلطة فى مصر تبذل كل جهدها لتحقيقها، وهى تسعى لاقتراض 21 مليار دولار من صندوق النقد الدولى ومؤسسات دولية أخرى، مع مفاوضاتها مع روسيا لبناء مفاعل الضبعة النووى بقيمة 25 مليار دولار، ثم شروعها فى بناء العاصمة الإدارية الجديدة بميزانية تقترب من 45 مليار دولار بأسعار العام الماضى، إضافة إلى ديون خارجية تقدر بـ 54 مليار دولار، وديون داخلية فلكية تعدت 3000 مليار جنيه، دون أن تقدم لنا هذه السلطة أى تصور واضح لكيفية سداد هذه القروض بفوائدها الباهظة !

لا أحد يدرى كيف سندفع هذه الديون، فى ظل تراجع مواردنا من النقد الأجنبى بعد ضرب السياحة، وضعف حصيلة الصادرات، وتناقص تحويلات المصريين فى الخارج، مع ضرورة توفير 40 مليار دولار سنويا لسد الفجوة بين الصادرات والواردات، كل ما قدمته السلطة فى مصر هو شعارات وطنية زائفة ورخيصة، تطالب المصريين بالصبر والتحمل وقبول شروط صندوق النقد باعتبارها الطريقة الوحيدة لحل كل الأزمات الهيكلية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، دون ان توضح أيضا لنا هذه السلطة متى سيجنى المصريون ثمار معاناتهم غير الآدمية من اوضاعهم المعيشية الصعبة؟!

منذ سنتين وعدنا الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن المصريين سيرون العجب، وأن «مصر هتكون أد الدنيا»، وأنه لن يخفض الدعم إلا بعد يصبح الفقراء أغنياء، وأن المرتبات سوف تتضاعف، ولكنه للأسف لم يستطع الوفاء بهذه الوعود، ولم يسأله أحد عن السبب، وهو بدوره لم يتطرق لأسباب عدم قدرته على تحقيقها، حتى فوجئ المصريون الأسبوع الماضى بما يشبه الانقلاب التام على هذه الوعود، بعد تعويم الجنيه، ورفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية وفى مقدمتها الوقود، فى استجابة كاملة لكل طلبات وشروط صندوق النقد، لتصبح حياة المصريين ــ حرفيا ــ قطعة من الجحيم!

كل رهانات السلطة فى مصر تعتمد على مجرد افتراضات وهمية، بأن الحصول على قرض الصندوق، سيعطى للمستثمرين الأجانب شهادة ثقة فى الاقتصاد المصرى، فيهرولون فرادى وجماعات لضخ مليارت الدولارات فى مشروعات ضخمة، تعيد الرواج لاقتصادنا الذى يوشك على الانهيار، كما أن تخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار سيعطى ميزة نسبية للصادرات المصرية للمنافسة السعرية فى الأسواق الخارجية، وأن إلغاء الدعم سيصلح من الاختلالات الهيكلية فى الموازنة العامة للدولة، دون أن تهتم هذه السلطة بأن معدلات الفقر التى زادت بنسبة 5.2% خلال العامين الماضيين سوف تتضاعف، مع ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للأجور والمعاشات، وهو ما ينذر باشتعال اضطرابات اجتماعية واسعة، تضع الاستقرار السياسى فى مصر فى مهب الريح!

السلطة فى مصر اختارت حلولا مستحيلة لأزماتنا الاقتصادية، وحملت الفقراء ومحدودى الدخل وكل شرائح الطبقة الوسطى أعباء تفوق طاقتها على التحمل، بانتظار أمل كاذب لتحقيق إصلاحات لن تأتى أبدا، وانحازت بشكل كامل لكل المناوئين لشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التى رفعتها ثورة 25 يناير، وانقلبت على روح الدستور الذى يؤكد فى نصوصه على هذه الشعارات!

الحل الوحيد لأزماتنا الاقتصادية الطاحنة، هو الإيقاف الفورى لبرنامج الخراب الاقتصادى الذى تنتهجه الحكومة، واتباع الطريق المعاكس لكل خطوات السلطة فى مصر، والذى يتمثل فى منع استيراد كل السلع والمنتجات التى يتوافر لها بديل محلى، وإعادة تشغيل مئات المصانع المتوقفة عن العمل، وفرض الضرائب التصاعدية على أرباح البورصة والشركات الخاصة الكبرى فى مصر، والتوقف عن تدليل رجال الأعمال المغامرين، والاعتماد على القطاع العام الذى انهكته برامج الخصخصة والادارات الفاسدة لمصانعه وشركاته، وتدخل الدولة بفاعلية فى النشاط الاقتصادى لصالح الفقراء ومحدودى الدخل.

الاصلاح الاقتصادى الحقيقى يتطلب إجراء تغييرات جذرية فى بنية الحكم فى مصر، الذى حقق حتى الآن فشلا ذريعا فى كل الملفات، ودون أن تبدو فى الأفق أى بادرة أمل على قدرة السلطة فى تخفيف معاناة ملايين المصريين!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved