نوعية البشر

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 - 9:05 م بتوقيت القاهرة

أثناء المؤتمر الدولى للشباب بشرم الشيخ ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى أن قضية الزيادة السكانية لم تُواجَه بشكل مناسب، وأشار إلى أنه ليس مطلوبا من أسرة لا تستطيع الانفاق أن تنجب أربعة أطفال، ولكن ما نريده هو انسان راقٍ ومحترم ومتعلم. هذا الحديث هو صلب التنمية البشرية، أى النوعية أو ما يسمى «كواليتى»، تلك اللفظة الانجليزية التى باتت تكتب بالعربية، وهى طرف النقيض لمصطلح آخر هو الكم، أى التركيز المفرط على الأرقام، فى حين أن الأفضل هو التركيز على النوعية أو على الأقل التوازن بين الكم والكيف.
أزمة المجتمع المصرى فى «النوعية». لدينا كم يكفى ويزيد، أرقام تكرارية فى كشوف يخلو أصحابها من الإبداع، والقدرة على التنافس، أو تقديم شىء مختلف. التعليم قبل الجامعى لا يزال مغتربا عن مفهوم «التربية المدنية»، الذى يسمح للطفل أن تكون له اتجاهات فى المشاركة، والتطوع، والتسامح، والعمل المشترك، وهو ما يطلق عليه المنهج الخفى. أما التعليم الجامعى فإن هناك كليات نظرية يتخرج فيها كل عام عشرات الآلاف، لا يجدون فرص عمل، ويتحولون إلى عبء سكانى. تفيض بهم المجتمعات المحلية، وتجعلهم يتركونها إما بالزحف إلى المدن أو الهجرة فى قوارب إلى الخارج أو العمل فى دول الجوار. ولا توجد لديهم قدرات للتنافس مع أقران لهم أجانب وعرب نظرا لانخفاض مستوى التعليم والتدريب، وغياب الروابط التى نطلق عليها رأس المال الاجتماعى التى تسمح بتدفق المعلومات، ورفع الوعى الثقافى.
تمتد أزمة «النوعية» إلى المحيط الثقافى. لم يعد المواطن يستمتع بالفنون والثقافة. العدالة الثقافية، بمعنى الانتشار الجغرافى شبه غائبة، وتبدو مجرد قشرة صغيرة على قمة المجتمع، تستمع بها فئة صغيرة نطلق عليه النخبة، مما يجعل المواطن بمعناه الواسع بعيدا عنها.
إذا ضعف التعليم والثقافة، فإن السلم المعترف به للحراك الاجتماعى يهتز، ونصبح إزاء حالة من حالات التهميش الاجتماعى، وهو ما يطلق عليه الباحثون «توريث الفقر»، أى يغيب أى منفذ لتطور المرء، ونرضخ لحلقة الفقر المفرغة، لا يستطيع المرء أن يخرج من براثنها. وتتراكم المشكلات الاجتماعية تباعا: الفقر، البطالة، رداءة السكن، عدم ايجاد مساحة للترفيه والرياضة، الشعور بالنفور والحقد الاجتماعى، الخ.
نوعية المواطن مسألة مهمة. الأسرة ينبغى أن تفكر كيف تستثمر فى أبنائها، وهو ما ينبغى أن تفعله الدولة أيضا. الاستثمار فى البشر مسألة مصيرية لتنمية المجتمعات. منذ الستينيات من القرن العشرين، حينما ظهر مصطلح التنمية البشرية، أصبح المهتمون بالتنمية يدركون أن توفر القدرات المالية، والمادية، والمنشآت، قد يكون مهما للتنمية، ولكن لن تكتمل أهميته دون أن يرافق ذلك العنصر البشرى، المتعلم المدرب القادر على المساهمة بفعالية فى عملية التنمية، والمشارك فى الشأن العام. هذه النتيجة التى يخلص إليها كل باحث فى الحقل التنموى: المواطن أولا، هو الغاية والمراد من التنمية، هو الهدف والمسار، وأى شىء خلاف ذلك تنمية مزيفة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved