عن وعد بلفور ودولة يهود العالم ومقاومة شعب فلسطين.. والنجدات العربية!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

نسى العرب فلسطين، فكيف سيتذكرون وعد بلفور؟!
فى خريف ذلك العام، وتحديدا فى الثانى من نوفمبر1917، كان العرب بقيادة الأسرة الهاشمية (الشريف حسين ونسله المبارك، وبالذات الأميرين عبدالله وفيصل) يحاولون استنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوعد البريطانى للشريف حسين «أمير الحجاز» ــ بعاصمته مكة المكرمة ــ بتنصيبه ملكا على العرب فى ديارهم جميعا.
كان الشريف حسين قد أطلق نداء الثورة العربية طلبا لتحرير بلاد العرب من ربقة الاحتلال الذى غدا تركيا بعد إسقاط «السلطنة العثمانية» وارثة الخلافة العربية.. والمناداة به وبذريته من الإشراف قيادة للثورة والبلاد. ومعروف أن ذلك النص الفخم الذى يستذكر الماضى التليد كان يتجاوز الحلم إلى الخرافة التى تخدم مشروع الوراثة البريطانية (والفرنسية ولو بحصة محدودة) للسلطنة فى المشرق العربى (ما دون مصر).
ولقد ذهبت وعود الإمبراطورية التى لم تكن تغيب عنها الشمس للشريف حسين مع الريح، وإن تم التعويض على نجليه عبدالله (فى إمارة شرقى الأردن التى سلخت من سوريا) وفيصل فى عرش سوريا فلما رفضت فرنسا هذا التقسيم تم تعويض الأمير الهاشمى بتنصيبه ملكا على عرش العراق.
هكذا ومع انهيار حلم الثورة العربية الكبرى الذى غذّاه البريطانيون ثم اجهضوه قبل نهاية اليوم، بزغت شمس وعد اللورد بلفور، وزير خارجية المملكة التى لا تغيب عنها الشمس، بإقامة الكيان الصهيونى فوق أرض فلسطين العربية.
شهدت فلسطين هجرة يهودية منظمة إليها، بحماية عسكر الانتداب البريطانى... ولقد تفجرت تلك الأرض المباركة بانتفاضات شعبية متوالية أعظمها فى العام 1936 بقيادة الشيخ عز الدين القسام سورى الولادة، عربى الانتماء، ثورى المنطلق.
بعد الحرب العالمية الثانية زحفت طوابير من العصابات الصهيونية التى كانت فصائل فى جيوش الحلفاء إلى فلسطين، وقد اتمت تدريبها ميدانيا، وزودتها «الدول»، وبريطانيا أساسا، بالسلاح، فى حين كان الفلسطينيون يدورون بحثا عن بندقية، و«يتبرع» بعض أشقائهم بتوريد بعض البنادق ليبيعوها إليهم بالثمن مضاعفا.
***
وحين أنشئت الأمم المتحدة تحت راية «الحلفاء المنتصرين»، كان العرب «متفرقين أيدى سبأ»: مصر وليبيا والأردن والعراق تحت سيطرة بريطانيا، لبنان وسوريا تحاولان التخلص من الهيمنة الفرنسية، وملك السعودية يلتقى الرئيس الأمريكى روزفلت فى البحيرات المرة فى قناة السويس التى كانت تحت الهيمنة البريطانية، للتفاهم على مستقبل المملكة والحصة الأمريكية من نفطها!
كانت الظروف كلها فى خدمة المشروع الإسرائيلى: العالم كله، بغربه وشرقه، بالرأسماليين والشيوعيين، معه، والعرب بعنوان الفلسطينيين أيتام، ضعفاء، متفرقون لا يجدون من يسمع شكواهم.. وهكذا فإن لقاءات ملوكهم ورؤساء دول الهزيمة لم تنتج إلا بيانات مفخمة لا هى أخافت العدو ولا هى طمأنت أصحاب القضية.
تقدم المشروع الإسرائيلى على الأرض، وسط مقاومة فلسطينية باسلة وبإمكانات محدودة، بينما الجيوش العربية تقاتل بأسلحة فاسدة (كما حدث مع الجيش المصرى) أو يخرج العسكريون من جيوشهم ليتطوعوا فى «جيش الإنقاذ» الذى جمع العديد من المناضلين السياسيين (عربا ــ وسوريين خاصة ــ بينهم أحد مؤسسى حزب البعث العربى الاشتراكى الراحل أكرم الحورانى)..
كان التوازن معدوما: فالعصابات الصهيونية (شتيرن والهاجاناه) كانت مزودة بأقوى الأسلحة، بما فيها الطائرات، وكان «جنودهما» ممن قاتلوا مع «الحلفاء» فى الحرب العالمية الثانية وقد وصلوا إلى أرض فلسطين جاهزين للقتال، فى حين كانت سفن الحلفاء تنقل آلاف العائلات اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، بينما استنفرت الحركة الصهيونية آلافا مؤلفة من اليهود العرب الذين كانوا يعيشون آمنين بين أهلهم وإخوانهم العرب للرحيل إلى فلسطين تحت طائلة النبذ والتصرف معهم كخونة للوعد الإلهى.
هُزمت الجيوش العربية الناشئة جميعا: الجيش المصرى الضعيف أصلا والمزود بأسلحة فاسدة، والبعيد عن مواقع الدعم خلف سيناء، والجيش السورى الناشئ الذى تركه بعض عناصره ليقاتلوا كمتطوعين فى «جيش الإنقاذ» الذى تولى قيادته ضابط من طرابلس فى لبنان هو «فوزى القاوقجى»، والذى تقدم لمواجهة جيش إسرائيلى عصرى حسن التدريب والتسليح وسط حماسة أهل فلسطين الذين انتشوا بأناشيد الحماسة: «يا فلسطين جينالك.. جينا وجينا جينالك.. جينا لنشيل أحمالك».
لكن الحماسة لم تعوض التخطيط والإمكانات، أى السلاح الفعال والذخيرة والخطط العسكرية المستندة إلى معرفة بالأرض وناسها.
ثم إن السلاح الفاسد لم يكن من نصيب الجيش المصرى فحسب، بل إن تجار السلاح فى محيط فلسطين قد وجدوا فى الحرب تجارة مجزية وهكذا باعوا إلى المجاهدين الفلسطينيين أسلحة قديمة ومستعملة بأسعار خيالية.
***
كانت اللحظة السياسية، دوليا وعربيا، ويهوديا، مناسبة جدا:
العالم شبه موحد بعد الحرب العالمية الثانية التى جمعت إلى أوروبا بعنوان بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الاتحاد السوفييتى الذى كان يبنى معسكره الاشتراكى ضاما إلى روسيا العديد من دول أوروبا الشرقية.
وكانت الحركة الصهيونية قد عملت على امتداد خمسين سنة فى الدعوة لعودة اليهود إلى أرض الميعاد، وإعادة مجد إسرائيل وهيكل سليمان فى القدس مصورة أهل الأرض ــ الفلسطينيين مجاميع من البدو الذين يركبون الجمال ويقطنون الخيام ويقتتلون على المراعى ويغزون بعضهم بعضا.
أما الدول التى استعمرت أقطار المشرق (ومعظم المغرب) أى بريطانيا وفرنسا، ومعهما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أدركت مبكرا غزارة النفط الموجود فى شبه الجزيرة العربية. فأنشأ البريطانيون شركة نفط العراق، تاركين للفرنسيين حصة بسيطة فيها بينما أعطوا السمسار الأرمنى الذى رتب الصفقة نسبة 5%.. أما الولايات المتحدة فقد اكتفت بنفط شبه الجزيرة، مع الافتراض أن مناطق الخليج لا بد أن تحتوى مثل ما تم اكتشافه فى المحيط.
وهكذا فقد وجد الغرب وظيفة حيوية استثنائية للمشروع الإسرائيلى فى فلسطين.
باتت إسرائيل مصلحة استراتيجية حيوية للغرب الاستعمارى عموما، وللبريطانيين ومن ثم الأمريكيين بشكل خاص.. ومن هنا أن هاتين الدولتين قد قدمتا من أسباب الدعم العسكرى والسياسى، ومن ثم الاقتصادى للكيان الإسرائيلى ما يفوق أى تقدير، مما جعل هذه الدولة المزروعة غصبا أقوى من محيطها جميعا فى أرض يملكها أهلها الفلسطينيون الذين كانوا عبر التاريخ أهلها..
كذلك فإن هذه الدولة تتمتع بحصانة، الغرب والشرق معا، خصوصا وأن من جىء بهم إليها بذريعة المحرقة النازية فى ألمانيا وبولونيا وأقطار أوروبية أخرى، هم ضحايا التاريخ، وأن من حقهم العودة إلى أرض الميعاد، ولو على حساب أهلها الفلسطينيين، الذين صورهم الغرب مجاميع من البدو الذين لم يعرفوا الحضارة أو التمدن أو حتى الدولة، بشهادة الانتداب أو الاحتلال الغربى المباشر ــ (بريطانيا وفرنسا) بعد هزيمة ألمانيا ومعها تركيا فى الحرب العالمية الأولى.
***
كان العرب قد خرجوا لتوهم من دهر الاحتلال التركى إلى عصر الاستعمار الغربى، أعجز من أن يقاوموا هذا المشروع المعزز بالتأييد الدولى سلاحا ثقيلا وطيرانا حربيا بطيارين مجربين، ومساعدات اقتصادية مفتوحة.. مقابل فرقة عربية توزع الشعب أو الشعوب العربية على دول شتى ضعيفة القدرات وتكاد تكون خارج العصر.
ولقد قاتل الشعب الفلسطينى بقدراته المحدودة على جبهات عدة فى الوقت نفسه:
ــ ضد المستوطنات اليهودية التى أنشئت بعد شراء كثير من الأراضى فى فلسطين التى كان يملكها متمولون من أهل الأقطاع الفلسطينى كما فى بعض الدول العربية (لبنان أساسا وبعض الباشوات ممن أقطعهم الأتراك أراضى واسعة..).
ــ ولقد تم تزويد هذه المستوطنات بالسلاح بتواطؤ واضح مع المستعمر البريطانى، وعبر التخلى العربى، حتى لا نقول التواطؤ.
ــ فضلا عن العجز الرسمى العربى، حتى لو افترضنا الإخلاص فى حكام ذلك الزمن، عن مقاومة هذا الاجتياح المسلح المعزز بالتأييد الدولى الواسع (وشىء من التخلى العربى الرسمى).
ــ والأخطر: الجهل العربى بالمشروع الإسرائيلى المعد لفلسطين.
يكفى أن نشير إلى واقعة محددة للدلالة على هذا الجهل:
بين الروايات الثابتة والتى أوردها بعض مؤرخى القرن الماضى، أن العرب لم يعرفوا بوعد بلفور إلا بعد الثورة البولشيفية فى روسيا، وإقدام موسكو على نشر العديد من الوثائق الصادرة عن بعض الدول الاستعمارية (فى نظر موسكو الشيوعية)، كان من بينها وثيقة تحمل نص وعد بلفور للحركة الصهيونية حول مشروع الدولة الإسرائيلية فوق أرض فلسطين.
وللحديث بقية.. حتى لا نختم بجملة الفنان الراحل محمود المليجى الشهيرة: وعايزنى أكسبها؟!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved