حملة اسمها نصف الشارع لى

تمارا الرفاعي
تمارا الرفاعي

آخر تحديث: الخميس 7 نوفمبر 2019 - 10:45 ص بتوقيت القاهرة

نقترب من فترة فى السنة تنشط فيها المنظمات الحقوقية للتذكير بالعنف ضد المرأة، فتشن حملات عامة تسعى إلى التأكيد على أن ما زال هناك الكثير بحاجة إلى التغيير حتى يكف العنف الموجه ضد المرأة لكونها امرأة. واستباقا للحملات المنظمة، والتى تبقى أحيانا على الورق، فقد طلت علينا المدن الثائرة بأقوى حملة: المرأة نصف المجتمع وتواجدها فى الشارع ما هو سوى للمطالبة بأن يتم التعامل معها على هذا الأساس: نصف المجتمع.


•••


نصف القوى العاملة ونصف القوة المنتجة، صارمة بمواقفها قوية بتأكيدها على ما هو حقها وليس جميلا يمن عليها به الرجل. صور الشوارع العراقية واللبنانية فى الأسابيع الأخيرة رائعة بحضور المرأة فيها، تماما كما كانت من قبلها صور مدن أخرى انتفضت ضد قيود قانونية وثقافية واجتماعية فصرخت فى وجه الظلم. الملفت فى حال لبنان والعراق أخيرا هو استنكار الكثيرين لتعليقات ذكورية طالت النساء فعلقت على مظهرهن أو دورهن. سرعان ما طغت أصوات رافضة على تعليقات بات من غير المقبول تداولها فى ظل هبات مجتمعات بأكملها تطالب بكسر القيود. لا مكان اليوم، وفى ظل زيادة الوعى بآثار قرون من تسلط الرجل على المرأة بلسانه وتجريح المرأة بكلامه، لا مكان اليوم لاستمرار عبارات تسعى إلى مد وصاية لم يعد لها مبرر.


•••


من اقتنع بمناصفة المرأة الرجل المجتمع فعلا يعرف أن ثمة جهدا مجتمعيا وعملا جماعيا جبارا بانتظاره لنصل إلى تجريم استغلال الرجل وممارسته سلطة يظنها من حقه على امرأة يظنها خنوعه. فى صور لبنان والعراق نساء من خلفيات متنوعة، فالمطالبة بالاحترام والمساواة ليست حكرا على فئة ويجب ألا ترتهن بنوع معين من النساء أو حتى الرجال. احترام الآخر بغض النظر عن جنسه ومعاملته كنصف المجتمع هو أساس العلاقات الصحية، وقد يأخذ الوصول لهكذا احترام الكثير من العمل، كما قد يتذرع البعض بأحكام دينية أو ثقافية أو سياسية بغية عدم الخوض فى مواضع قد تمس بالمقدسات المجتمعية، إنما صورة واحدة من السودان أصبحت أيقونة لامرأة يوجد مثلها الكثيرات فى مصر وسوريا وليبيا واليمن وفلسطين، تحررن من قيود عرقلت عملية مناصفتهن الفضاء والعمل والسياسة مع الرجل.


•••


يكتب الكثيرون عن المرأة ودورها، وتتوفر دراسات بلا نهاية عن المرأة صانعة السلام والمفكرة والعالمة ورائدة الفضاء. إنما الحراك فى لبنان والعراق يحتفى بالمرأة بغض النظر عن محصلاتها العلمية ومركزها الوظيفى: هو احتفاء بنصف المجتمع لا لسبب سوى أنها نصف المجتمع، لم يعد من المقبول إقصاؤها والالتفاف حولها عند المراحل المفصلية من أى حدث.


•••


تحية غير محدودة للمرأة التى خرجت إلى الشارع لتدافع عن حقها وحق من حولها، رجال ونساء، أطفال وشيوخ، فى حياة كريمة لا تمييز فيها بينها وبين الرجل. تحية إلى كل آنسة وسيدة ليس لأنها زوجة أو أم أو أخت، فقط لأنها امرأة، رأت دورها أساسى فى الحراك وفى الميادين. لم تطلب إذنا للمشاركة فى حدث جماعى رأت لنفسها فيه دورا أساسيا. تحية لكل امرأة تثبت قدميها فى الأرض لتقول هذه الأرض لى ولك، هذه السماء لى ولك، هذا البلد لى ولك، أنا نصفها ولى فيها حقوق.


•••


ما زال المشوار طويلا لكن ها هى المرأة تشن أقوى حملة ضد التمييز من خلال وجودها كفرد وكمواطن فى شارع تعرف أنه ملكها وملك الجميع. لا بد من تغيير الكثير فى العقليات والقوانين، لكن ها هى تقف أمام الظلم مرفوعة الرأس تطلق من حنجرتها نداء: أنا نصف المجتمع، أنا هنا بصفتى إنسان وليس لأنى فلانة. قد تشرق الشمس أخيرا على عادات مظلمة فتذوب وتختفى، قد نحفر معا فى التراب حفرة ندفن فيها أفكارا تصغر من مكانة المرأة بحجة صونها.


•••


بإمكانى طبعا أن أكون زوجة فلان وأخت فلان، وسوف يصفنى أحدهم بأننى ابنة فلان، ولا ضرر فى ذلك ما زال الشخص لا يحدد هويتى وشخصى على هذا الأساس. أنا اليوم أدافع عن وجودى كفرد فى المجتمع قبل كل شىء، وكمواطن أمام الدولة قبل كل شىء أيضا. كل ما عدا ذلك قد أعتز به وأفخر بالتصاق وصف «زوجة فلان» بى، لكنه وصف لن يحكم على فأنا مسئولة عن نفسى وعن تصرفاتى وعن رأيى. إن تبنيت موقفا رأيت لاحقا أنه لم يكن سليما، فأنا مسئولة عن ذلك وليس أبى أو أخى. وإن نجحت فى موقف أو عمل فأنا أيضا مسئولة عن ذلك.


•••


سلام لكن يا قويات يا مثابرات يا مستمرات فى العمل دون ملل، سلام لكن فى الشارع وفى البيت، فى المكتب وفى المطبخ، طالما هذا ما اخترتموه. سلام لكن فى عزكن وعزمكن ومثابرتكن، وهنيئا لمن يقف بمقربة منكن فتضيئونه بإشراقكن وتفتحن أمامه طريقا. أنتن خيرا من ألف حملة تبقى على الورق.
كاتبة سورية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved