النفسية.. مع د. محمد طه | أنا مستاهلش..

محمد طه
محمد طه

آخر تحديث: السبت 7 نوفمبر 2020 - 8:05 م بتوقيت القاهرة

فى هذا الباب الأسبوعى الذى يظهر كل يوم احد، يتواصل د. محمد طه أستاذ م. الطب النفسى، معكم، للإجابة على أسئلتكم واستفساراتكم فى كل ما يخص أحوال النفس، والطب النفسى، والعلاقات الإنسانية.

راسلونا على: http://m.me/mohamedtaha.net

●● كل الرسائل تخضع للسرية والخصوصية التامة، والإجابات عليها تكون بطلب المُرسل وبدون ذكر أية معلومات شخصية.

أنا مستاهلش..
أنا آسفة إنى هطول على حضرتك، بس أنا محتاجة حضرتك تساعدنى.. أنا مش عارفة أحدد أنا استاهل أتحب ليه؟ ومابيوصلنيش ده من اللى حواليا. كان بيوصلنى وما زال إنى مستاهلش، وإنى قليلة، مهما بحاول أتجاهل ده وأكمل مابقدرش.
بقيت بتعامل بكده مع الناس، اللى هو هما هيحبونى على إيه؟ أنا مفيش عندى حاجة حلوة؟ ومش عارفة إزاى أقطع علاقتى بأشخاص مؤذيين فى حياتى، مش بلاقى منهم غير الأذى طول الوقت لدرجة إنهم نسيوا إنى ممكن أزعل، وبيبقى ردهم عليا لما آخد موقف: إنتى جاية تفتكرى كرامتك معانا دلوقتى؟ وبابقى أنا اللى غلطانة فى الآخر ولازم أعتذر، ومش عارفة آخد قرار بالبعد، حاسة إنى أقل من إنى آخد قرار زى ده.
مش عارفة أقبل نفسى ولا شكلى ولا أى حاجة. أعمل إيه؟
أنا فاكرة فى مرة كنت ماشية مع واحدة ما وبنتكلم، فبقولها بحس إنى طيبة أو لطيفة بزيادة مع الناس فعشان كدة بياخدوا عليا بسرعة. ردت عليا ساعتها بكل جدية وقالتلى: انتى فاكرة نفسك طيبة بجد! انتى مش طيبة. وأنا أقولها لا أنا طيبة، وهى ترد بالعكس، لحد ما عيطت ساعتها، وهى كانت بتضحك عليا. يمكن من ساعتها ده كان من ضمن الأسباب فى إنى محسش إنى كويسة، ودايما شايفة نفسى وحشة ومش كويسة.


أختى العزيزة..
احنا بنكون مصدقين عن نفسنا حاجات كتير أوى.. وهى فى الحقيقة.. مش حقيقة..
يعنى الولد اللى أهله بيوصلوله دايما إنه وحش.. مش كويس.. سيئ.. مش بيسمع الكلام.. دايما غلط.. أقل من فلان وعلان.. هو برضه بعد شوية بيصدق ده عن نفسه.. ويتعامل بيه معاهم ومع كل اللى حواليه..
الزوجة اللى جوزها طول الوقت يقولها إنتى مقصرة.. إنتى مابتفهميش.. إنتى نكدية.. إنتى جايبانى لورا.. إنتى فاشلة.. إنتى أفشلتى حياتى.. هى بعد شوية بتصدق ده عن نفسها، وتتهز ثقتها بيها، وتتكون عندها صورة ذاتية سيئة جدا.. وتبدأ تتعامل مع نفسها ومع جوزها ومع كل الناس على إنها فعلا مقصرة، ومش بتفهم، ونكدية، وفاشلة.. هى بتبدأ ــ حرفيا ــ تشك فى نفسها..
البنت اللى بيوصلها من أهلها وناسها ومجتمعها إن جسمها عار، وان وجودها ذنب، وإنها قليلة وصغيرة ومتستاهلش.. شوية شوية هاتصدق ده، وهاتتعامل بيه، ومش هاتشوف غيره، وممكن تدافع عنه، وكمان تهاجم أى حد يحاول يعرفها حقوقها ويفتح عينيها..
وبعد ما أصدق عن نفسى الحاجات اللى وصلتنى.. واتعامل بيها مع الناس على إنها فعلا (أنا).. ده يوصل ليهم منى.. ويصدقوه عنى.. ويتعاملوا معايا على إنى كده فعلا..
يعنى إيه..؟
يعنى وصلنى زمان إنى ماستاهلش.. وأنا صدقت ده.. قوم آجى أتعامل مع جوزى على إنى مستاهلش.. وأعيش خانعة مقهورة مطفية.. فهو يشوف ده فيا.. ويدينى فوق دماغى أكتر..
وصلنى زمان إنى فاشل.. وأنا صدقت ده.. قوم كل ما أبدأ شغل جديد.. أتعامل مع زمايلى على إنى فاشل.. وهما يشوفوا ده فيا.. ويتعاملوا معايا على أساسه.. يتعاملوا معايا على إنى فاشل..
وصلنى إنى قليل وماليش لازمة.. وصلنى إنى طاووس زمانى.. وصلنى إنى مذنب ومخطئ.. وأنا صدقت ده.. وباتعامل بيه مع الناس.. فالناس هاتعاملنى طبعا على أساسه..
دائرة مغلقة من الوجع.. ألم ذو ثلاث أبعاد.. مجموعة متقابلة من المرايات العاكسة لنفسها..
يعنى لما أكون أنا مش بحب نفسى.. الناس هاتحبنى ليه يعنى؟ ماهو هايوصلهم (من غير ما أنطق ولا كلمة) إنى مش بحب نفسى..
لما أكون مش بسامح نفسى.. غيرى هايسامحنى ليه إن شاء الله..
لما أكون رافض نفسى.. انت هاتقبلنى ليه؟
ما نصدقه عن أنفسنا.. يصل للناس.. ثم يعاملوننا به..
والله لو كنتى من جواكى مصدقة إنك تستاهلى.. ده هايوصل للناس.. وهايعاملوكى على أساسه..
لو كنتى مصدقة إنك عار وذنب وخطيئة من خطايا الزمن.. ده هايوصل للناس.. وهيعاملوكى بيه..
لو كنتم مصدقين إن فيه أمل.. لن يكون هناك أى شىء غير الأمل..
لن تتلقى من العالم سوى ما ترسليه له..
طبعا ده مش معناه إطلاقا نفى مسئوليتك عن أفعالك وتصرفاتك ونوعية وجودك (بحجة إن ده اللى وصلنى عن نفسى وصدقته).. لكنه فقط علامة على الطريق.. اللى مليان علامات تانية كتير..
خلينى دلوقت أقولك بشكل عملى ومباشر مُمكن تعملى إيه فى اللى وصفتيه فى رسالتك:
أولا.. تعرفى وتتأكدى إنك بشر.. بنى آدم.. مش ربنا.. اقبلى إنك تخطئى، اقبلى إنك تضعفى، اقبلى إنك ممكن تفشلى.. ودى مقومات آدميتك، ودواعى بشريتك.. من غير ما تخطئى مش هاتتعلمى، من غير ما تضعفى مش هاتحسى بقوتك، ومن غير ما تفشلى مش هايكون للنجاح أى طعم..
ثانيا.. تصدقى من جواكى إنك :تستحقى».. «تستاهلى» يعنى.. تستاهلى تعيشى.. تستاهلى تتحبى.. تستاهل تُحترمى.. تستاهل يُهتم بيكى.. تستاهلى تتشافى.. تستاهلى كل حاجة كويسة فى الدنيا.. ربنا ما خلقكيش جُزافا.. ربنا خلقك وكرمك وحط فى فطرتك وبرنامجك الإلهى ملف اسمه «ولقد كرَمنا بنى آدم».. بنى آدم دى يعنى انتى.. مطلوب إنك تحسى وتصدقى وتعيشى وتمارسى إنك تستاهلى من أول ما تصحى الصبح لغاية ما تنامى بالليل.. وخلى بالك.. أكبر غلطة ممكن تغلطيها هى إنك تربطى إنك «تستاهلى» بأى حاجة عملتيها أو قولتيها.. يعنى تقولى «أنا أستاهل أتحب لأنى نجحت»، أو «أستاهل أُحترم لأنى أنجزت كذا»، أو «أنا أستاهل أتشاف لأنى حققت كذا».. لا.. لاااااااااااااااااا.. إنتى تستاهل كل دول من غير ما تعملى أى حاجة.. تستاهل كل دول علشان إنتى موجودة.. علشان إنتى خِلقة ربنا.. ارتباط إنك تستاهلى بتحقيق أو إنجاز أى حاجة معناها إنك بتحطى لنفسك شروط، فى حين إن ربنا لما كرمك محطش ليك أى شروط على الإطلاق. أنتى كريم.. أنتى مكرَمة.. أنتى تستاهل.. مهما حصل..
ثالثا.. تدى نفسك كل يوم فرصة جديدة، وأمل جديد.. يعنى ما توقفيش ولا توقفى نفسك عند أى محطة فاتت فى حياتك مهما كانت صعبة أو مؤلمة.. يعنى ما تشوفيش النهاردة بعيون امبارح.. ولا بُكرا بعيون النهاردة.. اعتبرى كل يوم حياة جديدة.. واعتبرى نفسك كل يوم فى خلق جديد.. وسيبك من الكلام التقليدى بتاع (خلى عندك أمل)، لأنه فى الحقيقة الأمل موجود جواكى بالفعل.. بس محتاج منك تصدقيه وتستخدميه..
رابعا.. ودى أهم واحدة.. كونى نفسك.. ما تكونيش زى ما أى حد عاوز.. ما تسجنيش نفسك فى آراء الآخرين.. وما تفصليش نفسك على مقاس أى حد، اللى عاوزك 37 واللى عاوزك 39 واللى عاوزك 42.. ما تسمحيش لأى حد يشوف فيكى نفسه، ويحاول يحقق من خلالك أحلامه الشخصية.. ما توافقيش إن أى حد يشوفك امتداد ليه، أو مشروعه الاستثمارى الخاص.. ما تسمحيش لأى حد يقبلك بشروط، أو يحبك بشروط، أو يحترمك بشروط.. إنتى نفسك.. نفسك وبس.. إنتى فى رحلة.. فيها صعود وهبوط.. فيها حركة وفيها ثبات.. فيها خطوات لقدام، وساعات خطوات لورا.. فيها وقوع، وفيها لخبطة.. فيها حيرة وفيها شك.. فيها نور وفيها ضلمة.. فيها كل حاجة.. كل حاجة.. واللى ما يشوفش ده ويقبله ويقبلك بيه.. تقوليله شكرا.. وتكملى رحلتك من غيره..
أختى العزيزة..
انتى تستاهلى..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved