رسالة أبراهام لينكولن للشعب المصرى

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 7 ديسمبر 2012 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

وسط متابعة مشحونة بالتوتر نظرا لتطورات الأوضاع السياسية المتسارعة فى مصر يوم السبت الماضى وصولا لتسلم الرئيس المصرى محمد مرسى نسخة نهائية مما توصلت إليه اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور المصرى، قررت أن أنفصل لمدة ساعتين عن الواقع المصرى المر. وبينما كان الجميع يتأهب لسماع كلمة الرئيس محمد مرسى، قررت أن أهرب إلى الماضى، وأستغرق فى التاريخ الأمريكى مشاهدا فيلم «لينكولن» فى إحدى دور العرض السينمائى فى ضواحى واشنطن.

 

جاء الفيلم تخليدا لذكرى الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن، ولإسهاماته التى مثلت علامة فارقة فى تاريخ الولايات المتحدة إذ عبر بدقة عن معضلة اتخاذ القيادات السياسية قرارات مصيرية فى أوقات انقسام الشعوب، بل ووسط حروب أهلية مشتعلة، وهو ما جعل لنكولن من أكثر الشخصيات تقديرا فى التاريخ الأمريكى.

 

يتطرق المخرج ستيفن سبيلبرج فى ملحمته الفنية إلى نضال لينكولن من أجل تحرير العبيد ووضع نهاية للحرب الأهلية التى كبدت أمريكا ما يزيد على 620 ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى، من خلال التركيز على آخر ستة أشهر فى حياة لينكولن الذى حكم الولايات المتحدة من 1861 إلى 1865.

 

فى عام 1860 رشح الحزب الجمهورى لينكولن لمنصب الرئيس الأمريكى على أساس برنامج سياسى مناهض للعبودية. ولما كان الجنوبيون يؤمنون بتفوق العنصر الأبيض وبضرورة المحافظة على الوضع الاقتصادى القائم على وجود ملايين العبيد من السود، فقد هددت الولايات الجنوبية للتهديد بالانفصال عن الاتحاد فى حال تم انتخاب لينكولن. فاز لينكولن وأعلنت بعض الولايات الجنوبية انفصالها حتى قبل أن يؤدى اليمين الدستورية.

 

أصبح الحفاظ على الاتحاد الأمريكى متماسكا بمثابة التحدى الأكبر أمام حكم الرئيس الجديد.

 

اندفع الشمال والجنوب نحو الحرب فى أبريل 1861، وادعت الولايات الجنوبية بأنها تملك الحق فى الانفصال وشكلت كونفيدرالية خاصة بها، وأطلقت قواتها الرصاصات الأولى. صممت الولايات الشمالية، بقيادة الرئيس لينكولن، على وقف العصيان والمحافظة على الاتحاد الأمريكى. لم يرد أغلب الشماليين الحرب الطويلة، وبعدما استعرت المعارك وبدأت تظهر فى الأفق بوادر نصر الشماليين، لم يستجب لينكولن لمطالب مستشاريه بوقف المعارك حقنا للدماء. وأصر لينكولن على ضرورة قبول الولايات الجنوبية التعديل الثالث عشر فى الدستور الأمريكى، والذى نص على إلغاء الرق والعبودية، وأقر عام 1865. إلا أن الجنوبيين رفضوا!

 

لم يخضع لينكولن لأصوات المعارضين واختار أن يصمد متكئا على إيمانه الأساسى بما نصت عليه وثيقة الدستور الأمريكى من أن كل الناس يتمتعون بالمساواة فى حقهم فى الحياة والحرية، والسعى إلى تحقيق السعادة. امتدت المعارك لشهور أخرى سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى من الجانبين قبل أن يحقق الشماليون انتصارات عسكرية كبيرة أدت لإذعان الجنوبيين لما أصر عليه لينكولن.

 

 لم يعرف لينكولن ولاء إلا للاتحاد الأمريكى، ففى الوقت الذى كانت فيه الحرب الأهلية مستعرة، كتب لينكولن إلى هوريس جريلى، محرر جريدة نيويورك تريبيون (أهم الصحف أنذاك) قائلا «إن أهم هدف لى فى هذا الصراع هو إنقاذ الاتحاد، وليس إنقاذ الرق أو القضاء عليه. وإذا كان باستطاعتى أن أنقذ الاتحاد دون أن أحرر أى أرقاء فإننى سأفعل، وإذا كان باستطاعتى أن أنقذه بتحرير كل العبيد فإننى سأفعل ذلك أيضا».

 

وعلى الرغم من أن الأمر استغرق عقودا من النضال قبل أن يمنح الأمريكيون الأفارقة المساواة فى المعاملة والحماية فى ظل القانون، فإن إعلان تحرير العبيد الذى أطلقه لينكولن شكل الخطوة الأولى إلى الأمام فى الوفاء بتلك المهمة الأساسية.

 

منذ أربع سنوات أقسم باراك أوباما بالدفاع عن «الحلم الأمريكى» أمام أنصاره من الديمقراطيين، وصادف خطاب أوباما حينذاك الذكرى الخامسة والأربعين للخطاب الشهير الذى ألقاه الزعيم التاريخى لحركة الحقوق المدنية الأمريكية، والحائز على جائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينج عندما قال «عندى حلم»I have a dream ورد أوباما بصوت عال «أنا الحلم» I am the dream ليؤكد أنه شخصيا تجسيد حى للحلم الذى تحدث عنه كينج منذ نصف قرن، والذى اغتيل بسببه الرئيس آبراهام لينكولن، على يد أحد المعارضين لحرية العبيد، منذ ما يقرب من مائة وخمسين عاما. لذا لم يكن مفاجأه أن اختار أوباما أن يضع يديه على إنجيل أبراهام لينكولن نفسه عند إلقائه قسم الرئاسة فى إشارة رمزية لأهمية الأخير فيما وصل إليه أوباما.

 

بسبب إخماده ثورة الجنوب الانفصالية، وحفاظه على الدولة الأمريكية، وما نتج عن ذلك من القضاء على العبودية، يعد لينكولن عند ملايين الأمريكيين المعاصرين أحد أعظم الذين تولوا رئاسة البلاد، إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، حيث يعتبر بمثابة المؤسس الثانى للولايات المتحدة، ويكاد يجمع على ذلك كل من الديمقراطيين والجمهوريين. ويوجد للينكولن فى واشنطن نصب ضخم، هو الأضخم من نوعه فى العاصمة، بتمثال كبير له منقوش فى أسفله كلمات من خطاباته وقراراته، ويقع بمواجهة مقر مبنى الكونجرس. ومن أهم هذه الكلمات ما قالها فى خطاب مراسم تنصيبه لبدء فترة حكمه الثانية فى وسط خضم الحرب الأهلية «الطرفان يتلوان الإنجيل ذاته ويصليان للرب نفسه».

 

 

انتهى الفيلم، وخرجت بفضول كبير لمعرفة ما تم خلال الساعتين الأخيرتين. وبالطبع لم أفاجأ، فالسيد الرئيس اختار ترسيخ أسس الاستقطاب فى دستور سيرفضه من يريدون وطنا على قلب رجل واحد، ويوافق عليه من يريدون الوطن لهم وحدهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved