الرئيس يدفع ثمن سياساته

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 7 ديسمبر 2016 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

لا يمكن أبدا أن يفرض الرئيس سياسات ويتخذ قرارات ثم لا يتحمل نتائجها ولا يدفع ثمن فشلها، عندما تفشل هذه السياسات ويجد الشعب نفسه أمام تداعيات غير محتملة. هذه هى القاعدة الذهبية التى رسخها الناس فى «أوروبا والدول المتقدمة»، عندما وجدنا الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند يعلن عدم ترشحه لفترة رئاسة ثانية رغم أن له الحق القانونى والدستورى فى خوض الانتخابات. فالرجل تولى رئاسة فرنسا عام 2012 وكان الاقتصاد الفرنسى قد سجل عام 2011 نموا بمعدل 2.1% لكن معدل النمو انخفض إلى صفر فى المئة فى أول سنة من حكمه ثم ارتفع إلى 0.8% عام 2013 ولم يتجاوز 1.2% فى العام الماضى. وفى عام 2011 كان معدل البطالة 9.2% لكنه ظل يرتفع خلال سنوات حكم أولاند ليصل إلى 10.4% فى العام الماضى، وكان الدين العام لفرنسا عام 2011 يبلغ 85.2% فى حين وصل العام الماضى إلى 95.2%.

وكان الرجل قد أصر على سياسات اقتصادية لا تحظى بدعم شعبى كافٍ، عندما عدل قوانين العمل وطبق إجراءات تقشف صارمة وتجاهل المظاهرات الشعبية والإضرابات العمالية المناهضة لهذه الإجراءات، بدعوى أن هذه السياسات ستقود البلاد إلى الازدهار والرخاء وهو ما لم يحدث فتراجعت شعبيته ولم يجد مفرا من إعلان تحمله مسئولية الفشل والتخلى عن خوض الانتخابات الرئاسية.

ولم يخرج على الشعب الفرنسى «ألاضيش» الإعلام والسياسة يتحدثون عن مسئولية رئيس الوزراء ولا الحكومة التى لا تلبى طموحات الرئيس ولا تعمل بنفس كفاءته، بل إن العكس هو ما حدث، حيث سارع رئيس الوزراء مانويل فالس إلى إعلان خوضه الانتخابات ممثلا لحزب الرئيس المتنحى.

وقبل أيام قليلة اضطر رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى إلى تقديم استقالته طواعية بعد أن طرح مجموعة من التعديلات الدستورية للاستفتاء الشعبى فصوتت الأغلبية ضد هذه التعديلات، فلم يكن منه سوى تحمل مسئولية الهزيمة فى الاستفتاء وإعلان استقالته.

وفى بريطانيا حقق رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون انتصارا انتخابيا كبيرا فى مايو 2015، لكنه عندما دعا الشعب إلى الاستفتاء على انسحاب بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبى فى يونيو الماضى، اختارت الأغلبية الانسحاب من الاتحاد الأوروبى فى حين كان رئيس الوزراء يدعو إلى البقاء فى الاتحاد، فلم يجد مفرا من الاعتراف بالمسئولية وتقديم الاستقالة، رغم أنه لا يوجد فى القانون ولا الدستور ما يجبره على هذه الخطوة، ولم يقل أحد إن الرجل الذى قاد حزب المحافظين إلى فوز ساحق فى الانتخابات التى كانت قد أجريت قبل عام تقريبا يستحق البقاء وأن وزراءه هم الذين خذلوه وفشلوا فى إدارة معركة الاستفتاء.

وفى أقصى الشرق حيث كوريا الجنوبية تتجه الأمور إلى استقالة رئيسة البلاد بارك كون هيه على خلفية التحقيقات حول تورط صديقتها الشخصية تشوى سون سيل فى مخالفات فساد، مستغلة فى ذلك صداقتها لرئيسة البلاد، حيث أعلنت رئيسة الجمهورية استعدادها لتقديم استقالتها إذا طالبها البرلمان بذلك على خلفية الفضيحة رغم تأكيدها عدم ارتكاب ما يوجب هذه الاستقالة.

والحقيقة أن هؤلاء الرؤساء ليسوا ملائكة ولا مثاليين، عندما يقدمون استقالتهم أو ينسحبون من المشهد السياسى طواعية، وإنما يفعلون ذلك لأنهم يدركون أن الشعب سيحاسبهم فى أول انتخابات وربما فى انتخابات مبكرة عن فشل سياساتهم وخياراتهم، لذا فهم يختارون الخروج الكريم بما يحفظ لهم هيبتهم السياسية من ناحية، وبما يتيح للبلاد الفرصة للتراجع عن السياسات الفاشلة، واختبار سياسات جديدة دون الحاجة إلى مظاهرات فى الشوارع وأعمال شغب فى الطرقات ومواجهات دامية بين الشعب والسلطة يخسر بسببها الجميع.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved