التاريخ السياسى للإسلام: تحديات ودوافع

أحمد عبدربه
أحمد عبدربه

آخر تحديث: السبت 7 ديسمبر 2019 - 11:15 م بتوقيت القاهرة

فى ٢٣ ديسمبر عام ٢٠١٨ نشرت المقال الأول فى سلسلة مقالات عن موضوع التاريخ السياسى للإسلام فى جريدة الشروق وعلى موقعها الإلكترونى. على مدى عام كامل كتبت ٢١ مقالة متعلقة بالموضوع حاولت فيها تقديم قراءة مختصرة ومبسطة للتطور السياسى للدين الإسلامى معتمدا على ١٢ مرجعا، منها ثلاثة مراجع باللغة الإنجليزية، وأربعة مراجع كتبت بالتركية واطلعت على ترجمتها بالعربية والإنجليزية، وخمسة مراجع كتبت باللغة العربية. حاولت تنويع المصادر بقدر الإمكان، ليس فقط على مستوى اللغة، ولكن أيضا على مستوى المحتوى، فقد حاوت التنويع بين الكتابات الأكاديمية البحتة، وكتب السيرة الذاتية وكتب الدعاية الأيديولوجية. قطعا واجهت بعض المشكلات، منها كيفية التعامل مع الكتابات المتحيزة، فمن ناحية كان لابد من الاستعانة بها لأنها جزء من سردية التاريخ، ومن ناحية أخرى كان لابد من ضبط السردية بشكل حيادى، ومن ناحية ثالثة لا يمكن أن أنكر تحيزاتى الشخصية كجزء من ثقافتى وتكوينى، ولكنى اجتهدت فى كل الأحوال لتحرى الدقة والكتابة بحياد.
قطعا فإن ٢١ مقالة تم نشرها فى جريدة الشروق فى نحو ٢١ ألف كلمة لا يمكن الادعاء أنها تمكنت من تقديم تغطية وافية لتاريخ امتد لأربعة عشر قرنا منذ رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام وحتى سقوط عبدالحميد الثانى ومن بعده الدولة العثمانية فى ١٩٢٣، تاريخ شهد العديد من دول الخلافة، تمكنت من تغطية بعض منها بداية من الخلافة الراشدة، مرورا بالدولة الأموية والعباسية الأولى والعباسية الثانية، ودولة الخلافة المملوكية فى مصر بالإضافة قطعا للدولة العثمانية فى مراحلها المختلفة وفى الهامش أشرت إلى بعض الخلافات والدول الإسلامية الموازية، مثل الدولة الفاطمية وسلطنة مغول الهند والدولة الفارسية.. إلخ، ولم أتمكن من التعمق بشكل كاف فى بعضها الآخر.
حاولت التنويع بقدر الإمكان بين اللغة الأكاديمية، وبين اللغة الصحفية لتسهيل المهمة على القارئ غير المتخصص، وأتمنى أن أكون قد وفقت فى محاولتى المتواضعة هذه فى تقديم قراءة سياسية للتاريخ الإسلامى بلغة أقل سجعية غير متحيزة أيديولوجيا ولا متشنجة، رغم إقرارى بالتحيزات الشخصية التى لا يمكن أبدا الفكاك منها كما ذكرت أعلاه.
***
كتابتى عن تاريخ الإسلام السياسى كانت لها أربعة دوافع رئيسية، الدافع الأول هو كونى مسلما أحاول التعرف على تاريخ طويل ومعقد له أكثر من سردية وأكثر من رؤية، أما الدافع الثانى فهو استحقاق التاريخ الإسلامى نفسه أن يتم التعرف عليه ودراسته وتحليله، فالإسلام شكّل حضارة كبيرة امتدت لقرون وساهمت فى التطور البشرى ومن هنا كان لابد من التعرف على الزوايا المختلفة لهذا الإسهام، بينما يأتى الدافع الثالث من رحم التدريس والفصول الدراسية، حيث قمت بتدريس مقرر عن الإسلام والسياسة لخمس سنوات متتالية فى ربيع كل عام بداية من ٢٠١٥ فى جامعة دنفر، وهو ما دفعنى لإعادة رؤية دينى وتطوره وأيديولوجيته وخصوصا أن التدريس كان لطلبة من حضارة وثقافة مختلفة، ثم يأتى الدافع الرابع متعلقا بالبحث العلمى حيث لدى مشروع بحثى ربما يصدر يوما ما فى شكل كتاب عن نفس الموضوع وربما تشكل هذه المقالات أساسا له.
التحدى الأول الذى يواجه أى كتابة عن التاريخ الإسلامى هو تلك الخطوط الحمراء التى وضعها مجموعة ممن تخيلوا أنفسهم وكلاء الله فى الأرض، فأعطوا أنفسهم دون وجه حق، الحق الحصرى فى رواية سردية تاريخية مثالية لتاريخ الإسلام باعتباره تاريخا نقيا من أى شوائب! هؤلاء الكهنة لم يكتفوا فقط بوضع سردية مزيفة للتاريخ الإسلامى ولكنهم وضعوا عواقب وخيمة لمن يحاول الاقتراب من هذا التاريخ وتقديم أى رؤية نقدية، وكأن التاريخ الإسلامى هو تاريخ ملائكة وليس ــ كسائر تاريخ باقى الأديان والحضارات ــ تاريخ بشر يخطئون ويصيبون، يحبون ويكرهون، يطمعون ويقتلون! ربما كنت محظوظا بتعرضى لسباب أقل بكثير مما توقعت، لكن ما أحزننى حقا بعض المكالمات «الأبوية» التى تلقتها من بعض المثقفين المصريين المقربين من بعض المؤسسات الدينية المصرية، كانت بعضها عبارة عن نصائح فى شكل إملاءات وتبشير بقائمة كتب بعينها، ربما أقدر النية الطيبة وراء هذه المكالمات، لكن لابد أن أعبر أيضا عن غضبى منها وشعورى بتهديد معنوى بسببها. أنهيت معظم هذه المكالمات الطويلة ولم أنفذ أى حرف من «توصياتها» ليس تقليلا من قدر أصحابها ولكن اعتراضا على أسلوب الإملاءات والذعر من الاقتراب مما يعتقد البعض أنه محرمات وهو ليس كذلك!
أما التحدى الثانى الذى يواجه الباحث أو القارئ للتاريخ الإسلامى، فهو أنه وبالقدر الذى يوجد فيه كهنة يحتكرون سردية التاريخ الإسلامى، فإن هناك سرديات أخرى شديدة التطرف لا ترى فى الإسلام سوى دين عنيف يحرض على القتل والإرهاب والاحتلال. سردية لا ترى للإسلام أى قيمة حضارية أو إنسانية. ربما كانت السردية الثانية هى رد فعل على السردية الأولى لكن فى كل الأحوال كلا السرديتين غير صحيحتين، فالتاريخ الإسلامى ليس تاريخ ملائكة ولا تاريخ شياطين ولكنه تاريخ بشرى بكل ما فى البشر من نواقص وعلل!
أما التحدى الثالث فهو تحد متعلق بالموضوع نفسه، فتاريخ الإسلام السياسى معقد ومتداخل ومتشابك بشكل كبير. تشكلت عشرات الخلافات والدول والسلطنات فى المنطقة العربية وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى الأناضول ووسط آسيا وشرق أوروبا. كان من الصعب للغاية شرح أكثر من تطور متواز فى نفس الوقت فى عدد محدود من المقالات، لكننى اخترت التركيز على الخلافات الإسلامية الكبيرة التى تشكلت فى المنطقة المعروفة الآن بالشرق الأوسط، لكن لا يجب أبدا أن نغفل حقيقة أن فهم تطور الحكم الإسلامى فى بلاد فارس وآسيا وإفريقيا هام إذا ما أردنا أن نفهم الصورة الكاملة للتاريخ السياسى للإسلام وربما أفعل ذلك فى مرحلة لاحقة.
أما التحدى الرابع والأخير، فقد كان متعلقا بتدقيق بعض التواريخ، فبعض المصادر تشير لعام معين لميلاد هذا الخليفة أو لوفاة ذاك السلطان، ثم تجد تواريخ مختلفة فى مصادر أخرى، وقد لاحظت هذه الظاهرة بشكل أكبر فى التاريخ العثمانى، وربما يكون لاختلاف التقويم الهجرى عن الميلادى سبب فى هذا، وربما كانت هناك أسباب أخرى لا أعرفها، ولكن على أى حال لم يؤثر ذلك كثيرا على السردية التى حاولت تقديمها لأنها تعلقت أكثر بالسلوك السياسى للشخصيات وليس بتواريخ محددة فى حياتهم.
***
ورغم هذه المشكلات والتحديات لا يمكن إنكار أننى على المستوى الشخصى استمتعت بكتابة هذه السلسلة رغم ما تستنفذه من وقت، وأننى تعلمت كثيرا من القراءة والبحث، فلم أكتب هذه المقالات باعتبارى مصدرا ولا مرجعا ولا مؤرخا ولا عالما، ولكن فقط باعتبارى قارئا وباحثا يشارك القراء فيما يفعل حتى تعم الاستفادة لمن يرغب بالقطع.
فى مقالتين أو ثلاث على الأكثر سأسرد مجموعة من الخلاصات التحليلية التى خرجت بها من هذه السلسلة بخصوص تطور تاريخ الإسلام السياسى وسأركز فيه بالأساس على ما تعلق بنظام الحكم وسلوك الخلفاء السياسى حتى يمكن تشكيل صورة مكثفة عن تاريخ أكثر من أربعة عشر قرنا مضت ولكنها بكل تأكيد ما زالت تؤثر على وعينا وتشكل السلوك السياسى والمجتمعى لمئات الملايين من المسلمين سواء المقتنعين بالرواية الملائكية للتاريخ الإسلامى أو هؤلاء المقتنعين بالرواية التى تشيطن هذا التاريخ، والأهم بالنسبة لى، هو ملايين آخرون من المسلمين وربما غير المسلمين ليس لديهم رؤية محددة أو رؤيتهم مشوشة ومضطربة ويبحثون حقا عن الحقيقة بقدر المستطاع!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved