فى مواجهة قانون الضبطية القضائية

سيد محمود
سيد محمود

آخر تحديث: الثلاثاء 7 ديسمبر 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

لا أعرف لماذا يصر البعض على جر المجتمع إلى معارك خاسرة تستنزف الطاقات والجهود؟ ولماذا صمت كبار الفنانين والمثقفين فى مواجهة مشروع القانون المقدم من الحكومة لمنح الضبطية القضائية للنقابات الفنية والذى وافقت عليه مؤخرا لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، برئاسة الدكتورة درية شرف الدين.
صحيح أن بعض النواب والنائبات من أعضاء اللجنة حاولوا مواجهة هذه النزعة الرقابية إلا أنهم فشلوا فى ذلك، لأن حملة النقيب هانى شاكر وجدت مساحة كبيرة فى وسائل الإعلام واستدعت ترسانة من التعبيرات الأخلاقية والتربوية التى تخلط بين الضبط والتنظيم والرقابة.
من الغريب أن يعاد فتح ملف موضوع الضبطية القضائية للنقابات الفنية على الرغم من وجود حكم قضائى صادر عن القضاء الإدارى فى أبريل العام 2016 أكد عدم دستورية قرار وزير العدل السابق أحمد الزند؛ حيث حكمت المحكمة فى الدعوى المرفوعة من الملحن أيمن حلمى مؤسس فرقة بهجة ببطلان القرار على الرغم من أنه يتماشى مع المادة 5 من قانون رقم 35 لسنة 1978، والتى تم تعديلها فى 2003، التى تقول إنه «لا يجوز لأحد أن يشتغل بفنون الموسيقى، ما لم يكن عضوا عاملا بالنقابة»، إلا أن هذه المادة تتعارض مع مادة حرية التعبير فى الدستور المصرى، والأمر معروض حاليا على المحكمة الدستورية المنوط بها البحث فى الموضوع.
وقد تفضل المحامى محمود عثمان المتخصص فى قضايا الملكية الفكرية وحقوق التعبير بكتابة دراسة تفصيلية حول الموضوع، نشرها عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى وأحسب أن تناول نقاطها وعرضها هنا يقدم الكثير من المعلومات الممفيدة فى إدارة أى نقاش حول الموضوع، خاصة وأن عثمان كان ضمن هيئة قانونية تولت الطعن فى قرار المستشار الزند حال صدوره.
يشير عثمان إلى أن أغراض النقابات الفنية بحكم القوانين المنظمة لها تبتعد كل البُعد عن منع أى شخص من إظهار إبداعه، وإنما عملها يتمثل فى رعاية مصالح أعضائها وذلك: بالعمل على ترقية هذه المهن من جميع نواحيها، ومتابعتها بمقتضيات التقدم الفنى والعلمى، وكذا رعاية حقوق الأعضاء فيما بينهم وبالنسبة للغير، تقوية روابط الزمالة بين الأعضاء، مساعدة الأعضاء على إظهار مواهبهم الفنية وتنميتها والسعى لإيجاد عمل لهم، السعى لفض المنازعات التى تقوم بين الأعضاء أو بينهم وبين غيرهم. وصولًا إلى أحد الأغراض التى استعملتها النقابات الحالية بما يتناقض وحقيقة الدور المنوط بها وهى:
«توفير العمل للأعضاء، وتنظيم التعاون بينهم، وتقوية روح الزمالة فيهم، والعمل على فض المنازعات التى تنشأ فيما بينهم أو بينهم وبين الغير».
وعليه – كما يقول ــ فإن التزام النقابة بتوفير العمل لأعضائها لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يُصبح مسوغًا لها لمنع غير المنتسب لها من حقه الدستورى الأصيل فى التعبير عن رأيه بأى طريقة يراها مناسبة دون أى قيد.
وقد ذهب إلى ذلك رأى المحكمة الدستورية العليا حين حكمت بعدم دستورية الفقرة الرابعة من المادة رقم (5) من القانون الحالى للنقابات الفنية، إلا أن الحكم ذهب إلى أبعد من ذلك فى حيثياته ورسم دور للنقابات وأهمية وجودها وحق الشخص فى عدم الانضمام لأى نقابة حين أوضح الحكم
«قضاء المحكمة الدستورية العليا مضطرد على أن حق العمال والمهنيين فى تكوين تنظيمهم النقابى، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًا حرًا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيدًا عن سيطرتها، و من ثم تنحل الحرية النقابية، إلى قاعدة أولية فى التنظيم النقابى».
ووفقا لرأى عثمان فإن البعض يظن أن الضمانات التى ينُص عليها الدستور ويُقرِها القانون تُمثِل حماية حقيقية لحرية الإبداع إلا أن عشوائية واهتراء البنية التشريعية فى مصر تجعل هناك أبواب خلفية لممارسة الرقابة والتضييق على المبدعين تضعهم تحت مقصلة الاتهام بجرائم ينص عليها قانون العقوبات، وهو ما يؤثر على العمل الإبداعى إلى جانب تغوُّل دور الأجهزة الرقابية المختلفة.
والمطلوب حاليا تعزيز الضمانات التى ينص عليها الدستور ويؤكدها القانون وتُمثل ضمانة لحرية الإبداع بدلا من الحد منها بالمزيد من الإجراءات والتشريعات.
وكما يقول عثمان فإن دخول بعض الأعمال الإبداعية – مهما كان مستواها ــ فى نطاق جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات من جهة وتمنعها برقابة سابقة ولاحقة جهات الرقابة المختلفة يجعل من المُبدع مُلاحق طوال الوقت من لحظة تفكيره بالعمل وحتى عرضه وانتظار ردود الفعل عليه فلا يكون أمامه إلا أن يكون العمل خاويا من أى محتوى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved