بايدن يدير قمة الديمقراطية فى وقت تحتضر فيه ديمقراطية بلاده

دوريات أجنبية
دوريات أجنبية

آخر تحديث: الثلاثاء 7 ديسمبر 2021 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت مجلة The National Interest مقالا للكاتب بول بيلر، تحدث فيه عن التدهور الشديد الذى تواجهه الديمقراطية الآن فى الولايات المتحدة، مؤكدا على ضرورة أن يكون خطاب بايدن الافتتاحى فى اجتماع القمة متواضعا يتجنب الإشارة إلى تصدير النموذج الأمريكى للخارج ــ فى ظل المشكلات الخطيرة التى تواجهها ديمقراطية بلاده ــ حتى ينال خطابه المصداقية... نعرض منه ما يلى:
من المفترض أن تعقد إدارة بايدن غدا 9 ديسمبر اجتماع قمة افتراضيا حول الديمقراطية، مع دعوة نحو نصف دول العالم، وهو ما يعبر عن دعم قيمة وحق سياسى أساسى. هذا الحق ينطوى على مدى قدرة المواطنين والمواطنات على اختيار حكامهم أو رفضهم، بحرية وسلمية فى منافسة عادلة، وهنا يتحدد ما إذا كانت الحكومة تعمل لصالح المحكومين والمحكومات أم لا. إن إعادة التأكيد الدولى على دعم هذه القيمة هو أكثر أهمية وإلحاحا بعد تراجع الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم على مدى العقد ونصف العقد الماضيين.
لا داعى للقول أنه لأمر جيد أن تتولى الولايات المتحدة زمام القيادة فى هذا المضمار، وتقوم بذلك من خلال دبلوماسية واسعة النطاق. إن تأييد الولايات المتحدة الصريح للديمقراطية ليس بالأمر الجديد، لكن تصورات بقية العالم قد تشكلت إلى حد كبير من خلال التناقضات فى سياسات الولايات المتحدة، والجهود الأمريكية المضللة لضخ الديمقراطية فى البلدان الأخرى من خلال التدخلات العسكرية. لذلك، من المحتمل أن يساعد اجتماع الغد فى الحد على الأقل من السخرية المنتشرة حول الأهداف الأمريكية.
ومع ذلك، أثارت قائمة الدعوة الطويلة لحضور القمة الدهشة لا محالة. بكلمات أوضح، إن أوجه قصور الديمقراطية واضحة فى العديد من الدول الحاضرة للقمة مثل أنجولا والعراق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فكل منها تسكن فى أدنى فئة (دول ليست حرة /ليست ديمقراطية)، وفقا للنتائج التى جمعتها منظمة فريدوم هاوس. كما تشمل القائمة دولا «حرة جزئيا» أو تلك التى بالرغم من أنها تستخدم بعض الأشكال والإجراءات الديمقراطية، إلا أنها تحرم الجماعات المقهورة على أساس العرق أو الدين من مباشرة الحقوق السياسية.
كما أن أى خطوة دبلوماسية ــ مثل تلك التى نحن بصددها ــ ينظر إليها من قبل قوى كبرى أخرى على أنها مثيرة للانقسام. تم التعبير عن هذه التصورات فى بيان صدر أخيرا عن سفيرى الصين وروسيا لدى الولايات المتحدة، بالرغم من أنه يمكن بسهولة رفض محاولاتهم المضللة لتصوير بلدانهم على أنها دولة ديمقراطية.
•••
احتلت قضية الديمقراطية مكانة بارزة فى مناقشات السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وغالبا ما تثير مثل هذه النقاشات بطريقة مبسطة للغاية نهجا يركز على الديمقراطية الليبرالية ضد تلك التى تركز على السلطة والتى يتم تحديدها عادة على أنها واقعية. نخلص من هذا التبسيط الشديد للفكرة، أن كل الإدارات الأمريكية تقريبا ــ بما فى ذلك الإدارات التى تعتبر واقعية مثل إدارة جورج إتش دبليو بوش ــ أدركت أهمية الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم وكيف يمكن لسياسات الولايات المتحدة أن تؤثر عليها. لكن دونالد ترامب، الذى كان يفتقر لأى مبادئ سياسية أكثر من أى رئيس أمريكى آخر، كان يعد استثناء حيث اتسم بولعه الصريح للحكام الاستبداديين وازدرائه للديمقراطيات الغربية الراسخة.
على كلٍّ، ما يجب اعتباره فاضحا هو دعوة الرئيس جو بايدن لاجتماع أو لقمة الديمقراطية فى وقت تشهد فيه ديمقراطية بلاده تدهورا شديدا. فمن بين أوجه القصور الأخرى فى النظام السياسى الأمريكى، لم يعد أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين فى الولايات المتحدة (الحزب الجمهورى) يؤمن بالديمقراطية بعد الآن. أخيرا، كان يحاول الحزب الجمهورى قمع ممارسة المواطنين والمواطنات لحقهم فى التصويت. وهو الآن يدير ظهره لواحد من المبادئ المركزية للديمقراطية، وهو احترام نتيجة الانتخابات الحرة. الحزب الآن يقوده الرئيس السابق المهزوم ترامب والذى لا يزال يرفض نتيجة الانتخابات الوطنية الأخيرة، ويزعم تزويرها. كما صوت معظم ممثلى وممثلات الحزب فى مجلس النواب (الغرفة التشريعية الأدنى) على رفض هذه النتيجة أيضا!
تنعكس الحالة الحزينة للديمقراطية الأمريكية جزئيا فى مؤشر قياس أداء فريدم هاوس، حيث تحتل الولايات المتحدة مرتبة خلف 69 دولة أخرى فى مجال الحقوق السياسية. بعبارة أخرى، بالكاد احتلت المرتبة الثالثة فى قائمة لا تشمل كل دولة ذات سيادة فى العالم فحسب، بل تشمل أيضا بعض المناطق المتنازع عليها مثل شبه جزيرة القرم وقطاع غزة. علاوة على ذلك، فإن مسار الديمقراطية الأمريكية قاتم، مع تطورات متعددة خاصة منذ وصول ترامب إلى السلطة، وهو نوع من المؤشرات التحذيرية التى تشير إلى ديمقراطية تحتضر.
على ضوء هذه الخلفية، يحتاج الرئيس بايدن إلى استخدام خطاب بلاغى ماهر ودقيق. يجب عليه الامتناع عن قول أى شىء يبدو وكأنه تصدير للسياسة الأمريكية المحلية إلى الساحة الدولية. لكن يجب أن يكون بايدن صادقا تماما بشأن المشكلات الخطيرة فى ديمقراطية بلاده. وبالفعل تم عرض بعض نقاط الحديث المقترحة بشأن هذه النقطة... باختصار يجب أن يكون التواضع جزءا من الخطاب. أى نهج آخر لن يكون ذا مصداقية.
وهنا بعض النقاط التى يجب أن يركز عليها خطاب الرئيس بايدن الافتتاحى فى اجتماع القمة:
ليقول مثلا: «لقد اجتمعنا هنا لنعترف ونذكر العالم بالدور العظيم الذى تلعبه الديمقراطية فى احترام البشرية وتحسينها. تمت تجربة العديد من الأشكال والإجراءات السياسية المختلفة عبر التاريخ. لكن لا يمكن ضمان أن شكلا معينا من أشكال الحكم السياسى سيعمل بشكل أفضل من غيره لصالح المحكومين، لكن المهم أن يشعر المواطنون أنهم أحرار فى اختيارهم رأس دولتهم».
وليضيف: «الديمقراطية هى مثال يجب السعى لتحقيقه دائما، ولا يتم تحقيقه بشكل كامل أبدا. نحن نفهم ذلك، بناء على تاريخنا، مثل أى شعب آخر. لقد خضنا حربا أهلية دموية، وخضنا صراعات على الحقوق المدنية لأكثر من قرن بعد ذلك، من أجل إرساء حقوق المواطنة الكاملة لأولئك الذين تم استعبادهم. لم يتم تأسيس حق المرأة فى التصويت إلا بعد أكثر من منتصف تاريخنا كدولة مستقلة. وبعض هذه النضالات مستمرة حتى اليوم. إن ضمان حق التصويت غير المقيد لجميع المواطنين، ومكافحة الأكاذيب الهدامة التى تقوض الديمقراطية، لا يزالان يحظيان باهتمامنا».
وليختم خطابه بـ: «إن الاعتراف بأوجه القصور هو قوة وليس ضعف ديمقراطيتنا وديمقراطية أى أمة أخرى، ولا يمكن فرض الديمقراطية على أية أمة من الخارج بفوهة البندقية أو بأى وسيلة أخرى. لقد تعلمنا نحن الأمريكيين بعض الدروس هنا أيضا».
•••
صفوة القول، ستساعد مثل هذه الصراحة فى التعامل مع المشكلات فى النظام السياسى الأمريكى على توضيح أن البلدان المتصارعة، بالإضافة إلى الديمقراطيات الراسخة، لها دور تلعبه فى توسيع الديمقراطية والحفاظ عليها فى جميع أنحاء العالم. إنه يوضح النقطة الإضافية التى مفادها أن المعايير الديمقراطية يجب أن تنطبق على الجميع، وليست مجرد مفردات يستخدمها القوى لإلقاء محاضرة على الضعفاء.
عادة ما يتم التفكير فى دور الديمقراطية فى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة من حيث توفير الولايات المتحدة الإلهام والدعم لأولئك الذين يكافحون من أجل إقامة ديمقراطية أو الحفاظ عليها فى الخارج. قد يساعد الاجتماع فى القيام بذلك، ويفضل أن يكون ذلك بطرق مادية. لكن سيكون الاجتماع مفيدا للغاية إذا كان بعض هذا الإلهام والدعم يمكن أن يتدفق فى الاتجاه المعاكس بمعنى من الديمقراطيات الجيدة فى الخارج إلى أولئك الذين يسعون جاهدين للحفاظ على الديمقراطية فى الولايات المتحدة.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved