نهاية مستحقة!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 8 يناير 2021 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

النهاية الكارثية التى سطرها دونالد ترامب لنفسه، قبل أيام قليلة من مغادرته البيت الأبيض، ودفعت الكثيرين إلى المطالبة بعزله ومحاكمته، تبدو مستحقة تماما، بعدما حاول السير ببلاده عكس عقارب الساعة، والانقلاب على النظام الديمقراطى الذى أتى به رئيسا.
فترامب منذ تسلمه السلطة قبل أربعة أعوام، قدم أسوأ صورة لأمريكا التى يعتبرها الكثيرون النموذج الأهم والملهم والأكثر نضجا للديمقراطية والحرية، رغم أن سياساتها الخارجية، تبدو بعيدة كل البعد عن هذا الأمر، إذ لا تتوانى عن ارتكاب المجازر والجرائم ضد العديد من الشعوب، ونهب خيراتها وثرواتها، ودعم الأنظمة المستبدة التى تقمع مواطنيها ليلا ونهارا.
هذا الرئيس الذى جاء بصندوق انتخاب نزيه، تقمص شخصية الحكام المستبدين فى العالم الثالث، وسعى بدون ملل أو كلل إلى نقل ثقافتهم وطرق تفكيرهم وإدارتهم المنفردة المتسلطة فى الحكم إلى بلاده.
لم يكن غريبا على رئيس يفكر بهذه العقلية، معاداة الصحافة والإعلام، وإبعاد العديد من أفراد طاقم إدارته الذين لا يؤيدون نهجه، ومخاصمة العلم والمعرفة والتقليل من قدرتهما على مواجهة الجائحة، وتأجيج الفرقة والفتنة والتوتر العرقى بين أبناء شعبه، ودعوة الجيش إلى التدخل لقمع المتظاهرين ضد العنصرية بكل عنف.
لم يكن غريبا عليه أيضا أن يفكر يوما ما فى تعديل الدستور لـ«إلغاء تحديد فترات الرئاسة» حتى يستمر فى السلطة أطول وقت ممكن، الأمر الذى دفع «رو كانا»، عضو مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الديمقراطى لولاية كاليفورنيا، وقتها إلى القول إن «تصريحات ترامب هى أكثر التصريحات غير الأمريكية تصدر من رئيس الولايات المتحدة، وسوف تجعل جورج واشنطن يتقلب فى قبره»!.
رئيس بهذه العقلية، كان من الصعب عليه القبول بنتائج صناديق الاقتراع، التى حسمت معركة الانتخابات الرئاسية لصالح منافسه جو بايدن.. عاش «حالة إنكار دائم»، وحرض مؤيديه من اليمين المتطرف على اقتحام أهم مؤسسة أمريكية للدفاع عن الدستور وهى الكونجرس، لمنعه من التصديق على النتائج، فكانت جريمة مكتملة الأركان، أصابت العالم بالصدمة والاندهاش، خصوصا أنها سابقة لم تحدث من قبل، سوى مرة واحدة عام ١٨١٢، عندما حاصرت القوات الإنجليزية المبنى خلال سنوات الحرب بين البلدين.
كثيرون من مواطنى الدول التى لم ينعم الله عليها بنعمة الديمقراطية، سخروا وتهكموا مما حدث فى الولايات المتحدة، وكأنهم يبحثون عن تبرير لحالة الاستبداد التى تعيش فيها أوطانهم، وعدم قدرتهم على التعبير عن رأيهم بكل حرية أو اختيار حكامهم اختيارا حرا نزيها، أو حتى معارضة بعض سياساتهم وقراراتهم خشية الزج بهم إلى غياهب السجون.
سخرية فى غير محلها، وتهكم بلا معنى.. فالتجربة الديمقراطية حتى لو أفرزت أخطاء أو خطايا، فإن آلياتها والمؤسسات التى أنشأتها قادرة على التصحيح والمعالجة والفرز والحساب، وهذا ما حدث بالضبط مع ترامب الذى حاول الانقلاب على الديمقراطية.. فلولاها لما أقر الكونجرس فوز بايدن.. ولولاها لما ناقش عدد من الوزراء فى إدارة ترامب إمكانية تنحيته بعد اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول.. ولولاها كذلك لما اعتبر العديد من النواب الأمريكيين فى رسالة إلى نائب الرئيس مايك بنس أن الرئيس المنتهية ولايته «مريض عقليا وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبلها»، وبالتالى يجب إبعاده عن السلطة وتفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور «دفاعا عن الديمقراطية».. لولا الديمقراطية لما وقف الإعلام الأمريكى موقفا قويا ضد تصرفات هذا الرئيس منذ اليوم الأول له فى السلطة.
على أية حال، ذهب ترامب غير مأسوف عليه وفق النهاية التى اختارها لنفسه، والتى ستظل تلاحقه بالخزى والعار، وانتصر الشعب الأمريكى لقيمه ومبادئه، وأثبت أن الديمقراطية هى المنتج البشرى والنظام الوحيد القادر على استيعاب التنوع والاختلاف وإدراة الخلافات وقمع الاستبداد وتحقيق العدل وتأمين الحقوق للناس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved