تعادل غير مشرف مع الجزائر

فهمي هويدي
فهمي هويدي

آخر تحديث: الإثنين 8 فبراير 2010 - 9:17 ص بتوقيت القاهرة

 لم ينتبه كثيرون إلى أننا تعادلنا مع الجزائر فى الفساد. وهو تعادل لا يشرف الطرفين بطبيعة الحال. لكنه فرض على الجميع رغما عنهم. إذ فى حين تجرى فى مصر التحقيقات حول نهب الثروة العقارية المصرية فى عهد وزير الإسكان السابق الدكتور محمد إبراهيم سليمان، تفجرت فى الجزائر قصة نهب أموال الدولة وعائداتها النفطية خلال السنوات الأخيرة. ولم يكن «الموضوع» هو وجه الشبه الوحيد، لأن غموض الملابسات التى أحاطت بكل من الحدثين كان متماثلا إلى حد كبير. ذلك أن رائحة الفساد ظلت تزكم الأنوف لعدة سنوات فى الجزائر، تماما كما كان الحاصل فى حالة وزير الإسكان المصرى. وفجأة رفع الغطاء عن ملف الفساد هناك، كما رفع الغطاء عن الدكتور سليمان فى مصر. وهو ما أثار عديدا من الأسئلة الحائرة حول دوافع هذه الخطوة ومآلاتها.

الحاصل فى مصر منشور على الملأ بوقائعه المثيرة والصارخة ومفاجآته المحيرة التى كانت استقالة الوزير السابق من عضوية مجلس الشعب وتخليه عن الحصانة البرلمانية أحدث فصولها. لكن الحاصل فى الجزائر يحتاج إلى بعض التفصيل. إذ فجأة ودون أى مقدمات ولأول مرة منذ ثلاثين عاما، أطلقت حملة «الأيادى النظيفة» التى كان عنوانها دالا على أنها بيان إعلان حرب على الفساد المستشرى. وهو الذى كان حديث الألسن وترددت فى ثناياه أسماء كبيرة فى النظام الجزائرى شملت ضباطا كبارا ومسئولين حاليين وسابقين، فى هذا السياق فتح ملف مؤسسة «سونا طراك» للنفط والغاز التى تعد الشريان الأول للاقتصاد الجزائرى. ولأنها كذلك، فقد اعتبرت الساحة الأوسع لممارسة أقصى صور النهب والسرقة. وقيل فى تفسير ذلك إن كشف أوراق ووقائع الفساد الكبير فى ذلك القطاع الحيوى أريد به إحراج الرئيس بوتفليقة ووضعه فى مأزق. خصوصا أنها مست بعض رجاله، ومنهم وزير الطاقة والمناجم «شكيب خليل» الذى أثار تعيينه فى ذلك المنصب الحساس لغطا كبيرا، لأنه يحمل الجنسية الأمريكية وزوجته غير جزائرية، ووجهت له اتهامات كثيرة نسبت إليه الضلوع فى العديد من الجرائم المالية. أخرون رأوا أن الأمر ليس كذلك، وأن فتح ملف الفساد أريد به امتصاص غضب الشارع الجزائرى الذى يئن تحت وطأة الغلاء والبطالة، فى الوقت الذى يتحدث فيه الجميع عن فضائح سرقة المال العام من قبل عناصر النخبة الحاكمة. وفى تقدير هؤلاء أن جهاز المخابرات الذى يدير البلد سعى بإطلاق حملة التطهير والإعلان عن مكافحة الفساد إلى تصريف الاحتقان السائد وتجنب انفجار الموقف الداخلى.

فى مواجهة حملة «الأيادى النظيفة» يرى البعض أن الرئيس بوتفليقة لن يكون بمقدروه المضى فى محاسبة أركان الفساد وتقديمهم للعدالة. لأن هؤلاء هم أركان النظام المنتفعون به. هو ذاته الغموض الذى يحيط بملابسات فتح ملف وزير الإسكان فى مصر. حيث لا يعرف أحد ما إذا كانت هذه الخطوة محاولة لتطهير صفحة النظام والتخلص من العناصر المحسوبة عليه والتى شوهت صورته وسيرته، وهل يمكن أن ينتهى الأمر بمحاسبته هو والذين شاركوا فى نهب الثروة العقارية المصرية. أم أن هناك أهدافا أخرى من وراء ذلك؟. وإذ رجح كثيرون أن الرجل لن يحاكم لأن المشاركين فى عملية النهب من أركان النظام ــ تماما كما فى الحالة الجزائرية ــ فإن هناك من ذهب إلى أن استقالته من مجلس الشعب أريد بها تمكينه من العودة «بصورة قانونية» لرئاسة شركة الخدمات البترولية التى أقصى عنها بسبب عضويته لمجلس الشعب.

هذا التشابه فى نموذج الفساد الحاصل فى مصر والجزائر ما كان له أن يقع بهذه الصورة لولا أن هناك تشابها أكبر وأعمق فى النظام السياسى للبلدين، الذى يحتكر السلطة ويغيب الديمقراطية بما يهدر قيمة الحساب والمساءلة ومن ثم يوفر تربة مواتية لاستشراء الفساد وتورط أركان النظام فيه، ذلك أن احتكار السلطة هو المقدمة الطبيعية لإشاعة الفساد واحتكار الثروة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved