المتحولون صحفيـًا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 فبراير 2011 - 10:01 ص بتوقيت القاهرة

 مصر تغيرت، لكن إعلامها الرسمى انقسم قسمين.. الأول: غارق فى أوهامه، ويدعو الله ليلا ونهارا أن تفشل الثورة، وتعود الأوضاع إلى حدود 24 يناير 2011. أما الثانى وبحكم خبرته وتمرسه على الانتهازية والتسلق: فقد قفز من السفينة وهى تغرق، وقرر أن يعرض خدماته على الربان الجديد لعله ينضم إلى قسم خدمات التنظيف فى السفينة الجديدة .

كان الله فى عون أعضاء الفريق الأول، فقد استثمروا كل رصيدهم فى الدفاع ليس فقط عن سياسات النظام بل عن شخوصه، وبعضهم تطوع ليتحدث عن نظريات ابتدعها أحمد عز وجمال مبارك وكل تيار السياسات الذى كان جديدا وصار من مخلفات السياسة المصرية .

الآن يجد هؤلاء انفسهم مثل مبنى الحزب الوطنى على كورنيش النيل.. اطلال مبنى محترق تفوح منه رائحة «الشياط».. هؤلاء يجهدون انفسهم لنفى صفة الثورة أو الانتفاضة عما حدث، ويتعلقون بأى شعرة للاساءة إلى أنبل ما حدث فى مصر طوال عقود.. هؤلاء ينتظرون تصريحا من خامئنى أو أوباما أو أى مسئول فى «حماس» ليصرخوا بأعلى أصواتهم: «الحقونا» لقد ضبطنا الخونة، وضبطنا متظاهرا يأكل وجبة كنتاكى مرسلة من الدوحة عبر تل أبيب !.

فى هذه الفرق أيضا هناك قلة يمكنك أن تحترمهم حتى لو اختلفت جذريا معهم لأنهم لم يغيروا قناعاتهم ولا يزالون يدافعون عن حسنى مبارك، ويرون أن ما حدث خطأ وفوضى وربما مؤامرة أجنبية .

أما الفريق الثانى فهو كوميدى بامتياز، وجعلنا رغم اللحظات الصعبة والحرجة أثناء عنف البلطجية ورجال الأمن وحظر التجول نضحك من كل قلوبنا على قدرته الفائقة على التلون وتغيير الجلد .

بعض أعضاء هذا الفريق لديهم قدرات مذهلة على تغيير الولاء للأشخاص أسرع من قدرتهم على الكذب. قدرة هؤلاء على الابتكار رهيبة، فأحدهم يجعل الطبعة الأولى من جريدته مع المعتصمين، والثانية مع النظام، وآخر يجعل الصفحة الأولى مع الثورة والثالثة ضدها، والأخيرة مع الشعب .

وصحفى رابع يكتب مقاله ولا تستطيع أن تعرف هو مع من؟!.. لأنه تعود على تلقى التعليمات من شخص ما.. وهذا الشخص منشغل فى الأحداث المتتالية، وربما هذا السبب هو الذى يفسر سر العناوين والمعالجات الأقرب إلى طريقة «سمك، لبن، تمر هندى
».
أما الأطرف من بين كل هؤلاء فهم تلك النوعية التى تحولت بين عشية وضحاها من خدمة حسنى مبارك ونجله وأصدقاء نجله إلى معارضين أشداء للرئيس وعائلته.. وجدنا فجأة البعض يتقمص رداء الشجاعة ويهاجم أحمد عز بعد سقوطه، وآخر كان يسبح بحمد الحكومة.. يقول ان التوريث كان كارثة، والحزب الوطنى كرتونيا، والانتخابات الأخيرة مزورة .

على مثل هذا المنوال ستجد كثيرين.. وللأسف فجميعهم ينسون أن هناك سلاحا خطيرا اسمه الأرشيف.. وسلاحا أخطر اسمه الإنترنت وجوجل.. وعبر الأرشيف يمكننا أن نذكرهم بما كتبوه قبل ايام قليلة فقط عن مبارك وجمال وعز ونزاهة الانتخابات وخيبة المعارضة.

يحق للذين هاجموا أحمد عز وهو بكامل قوته أن ينتقدوه الآن.. لكن الذين سبحوا بحمده، وأكلوا على موائده وربما حصلوا على بعض عطاياه، فلا يحق لهم ذلك.. ليس من الجدعنة أو الأخلاق أو الرجولة أن تهاجم شخصا فى مأزق، خصوصا إذا كنت تمتدحه حينما كان قويا.. هذه تسمى خسة ونذالة. يا أيها الزملاء فى الصحف الحكومية: اعتصموا بمهنتكم وضميركم وشىء اسمه الشرف.. الأشخاص زائلون والوطن هو الباقى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved