ديكتاتور اشتراكى فى البيت الأبيض!

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 8 فبراير 2014 - 5:10 ص بتوقيت القاهرة

من كان يتصور أن يوصف رئيس للولايات المتحدة التى هى زعيمة العالم الحر ومعقل الرأسمالية العالمية بمثل ذلك الوصف؟ والأغرب من ذلك أن يصدر هذا عن عضو فى مجلس النواب الأمريكى، الجمهورى عن ولاية تكساس، راندى ويبر، وذلك عشية إلقاء أوباما خطابه عن حالة الاتحاد يوم 28 يناير الماضى. تُرى ما هى الأسباب الذى دفعت ويبر إلى أن يلصق هذه التهمة أو التهمتين بالرئيس الأمريكى؟ الواقع ان أوباما منذ ولايته الأولى حاول تبنى أجندة تحمى الفقراء والمحتاجين من بطش الرأسمالية المتوحشة. أقر قانونا للرعاية الصحية حقق للملايين من الشعب الأمريكى ضمانات ضد المرض والعجز، ورفض حينئذ كل محاولات جماعات الضغط لإفشال المشروع.

الآن، وأوباما وهو فى عامه الثانى من ولايته الثانية، يريد أن يَذْكُره التاريخ كمصلح اجتماعى، وذلك رغم أنف الكونجرس، وغلاة الجمهوريين اليمينيين. قرر اتباع وسيلتين لتحقيق هذه الغاية، أولاهما الإعلان عن عزمه التحرر من عبودية الكونجرس، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ذلك الكونجرس الذى تعتبره أغلبية الشعب الأمريكى بمثابة اسوأ كونجرس على مر التاريخ الأمريكى. وكيف لا وهو الذى أغلق كل أجهزة الحكومة الفيدرالية «بالضبة والمفتاح» لمدة 16 يوما كاملة. الكونجرس هذا الذى برع فى أمرين اثنين لا ثالث لهما، الاعتراض على كل ما تقترحه الإدارة الديمقراطية، أو إغلاق أبواب الإدارة الحكومية الفيدرالية. أما كيفية تحقيق مثل هذا التحرر فسيكون عن طريق التوسع فى إصدار القرارات التنفيذية الرئاسية التى لا تحتاج إلى تشريعات من الكونجرس. أعلن أوباما بالفعل عن أول هذه القرارات أثناء القائه للخطاب، وذلك برفع الحد الأدنى للأجر للعاملين فى الأجهزة الفيدرالية ليصل إلى عشرة دولارات ومائة سنت يوميا. وتوعد بأكثر من عشرين قرارا آخر فى القريب العاجل. سيظل ما قاله أوباما فى خطابه يرن فى آذان الشعب الأمريكى لعقود، حين ذكر ان «أمريكا لا تقف متحجرة دون حراك، ولن أقبل على نفسى ذلك أيضا». «وعندما استطيع اتخاذ خطوات بدون الحاجة إلى التشريعات، من أجل إعطاء فرص أكبر للعيش الكريم أمام العائلات الأمريكية، فإننى لن أتردد عن فعل ذلك. أما الوسيلة الثانية التى سيتبعها لتحقيق أهدافه فهى مد يده مرة أخرى للكونجرس كى يتعاون معه فى إصدار مجموعة من التشريعات طال انتظارها، وتشمل رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين، وضمانات أقوى لتوفير الرعاية الصحية لكل من فى حاجة إليها، والتعامل بشكل أكثر فاعلية مع ظاهرة التغيير المناخى، وتقريب الفوارق فى الدخول.

<<<

استحوذ الشأن الداخلى على الجزء الأكبر من خطاب أوباما عن حالة الاتحاد، لكنه لم يغفل بالطبع الشأن الخارجى صاغ أفكاره فى هذا الخصوص فى شكل رسائل تلغرافية لكل من يهمه الأمر:

• تعهد بعدم توريط الولايات المتحدة وقوتها العسكرية مرة أخرى فى أية نزاعات لا تبدو أنها مرشحة للانتهاء فى أى وقت قريب. وكفى ما حدث فى العراق الذى لا يزال يعانى الأمرين حتى الآن، وأفغانستان التى خاضت فيها الولايات المتحدة أطول حروبها!

• أمكنه إلحاق الهزيمة بالعصب الرئيسى لتنظيم القاعدة، انما أذرع هذا الأخطبوط الضخم لا زالت تتحرك فى اليمن، والصومال والعراق، ومالى.

• ستدعم الولايات المتحدة المعارضة السورية «التى ترفض أجندات الشيكات الإرهابية»، وستعمل مع المجتمع الدولى من أجل تحقيق مستقبل واعد للشعب السورى، متحرر من الديكتاتورية، والخوف، والإرهاب.

• تمكنت الدبلوماسية الأمريكية «المدعومة بالتهديد بشن الحرب» من استئصال الترسانة الكيماوية السورية.

• أيضا الدبلوماسية الأمريكية «المدعومة بالضغوط والعقوبات» من إيقاف التقدم فى البرنامج النووى الإيرانى. ولابد إذن من إعطاء الدبلوماسية الفرصة اللازمة لاستكمال الطريق، وعندها يمكن لإيران أن تحتل مكانتها اللائقة فى الأسرة الدولية. قرر أن يستخدم أوباما حقه فى نقض أى مشروع قرار قد يصدره الكونجرس يدعو إلى فرض عقوبات جديدة على إيران يمكن أن تعرقل المسيرة.

• كذلك تدعم الدبلوماسية الأمريكية كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين فى المفاوضات الصعبة التى يخوضونها حاليا من أجل تحقيق الكرامة والاستقلال للفلسطينيين، والسلام والأمن لدولة إسرائيل اليهودية.

<<<

لم يأت أوباما على ذكر مصر فى خطابه، وخيرا فعل، خاصة فى ظل الجو المُلًبَد حاليا بين البلدين. فربما لو كان الرئيس الأمريكى قد أدلى بدلوه هو الآخر، لكان قد زاد الطين بلة. مظاهر هذا التوتر فى العلاقات بين البلدين اكتسبت صورا شتى. فالمتحدث باسم الخارجية الأمريكية أعلن يوم 29 يناير الماضى (وأرجو أن تتذكر هذا التاريخ فى اتصال بالمواقف الأمريكية الأخرى التى سأتحدث عنها على الفور)، ان أمريكا قلقة للغاية تجاه تقلص مجال حرية الرأى فى مصر، وكذلك استهداف الحكومة المصرية للصحفيين وغيرهم انطلاقا من اتهامات زائفة، تظهر تجاهلا فاضحا للحقوق الأساسية والحريات! ثم ينتقدوا بيان الخارجية الأمريكية توجيه الاتهامات للصحفيين بما فى ذلك العاملين فى قناة الجزيرة، إذ إن الولايات المتحدة تقدر تقديرا عاليا حرية الصحافة، ومن ثم تطالب بالسماح للصحفيين بالقيام بأعمالهم وواجباتهم فى ظل جو من الحرية.

<<<

هذا على الجانب الرسمى الأمريكى، أما على الجانب غير الحكومى فلم يتأخر كثيرا فى توجيه الانتقادات لمصر. وجدنا أن المجموعة التى تطلق على نفسها اسم «مجموعة العمل الخاصة بمصر»، قد قامت بنشر خطاب مفتوح إلى الرئيس الأمريكى وقعه عدد كبير من الباحثين والمتخصصين فى مراكز البحث المرموقة فى الولايات المتحدة ( بروكينجز ــ كارنيجى ـ مجلس العلاقات الخارجية ــ فريدام هاوس ــ المركز الاطلنطى، وغيرها). الخطاب أيضا بتاريخ 29 يناير الماضى (أى نفس تاريخ بيان الخارجية)، وينتقد خطاب الذى حرره الباحثون بشدة مسلك الحكومة المصرية فى التعامل مع المعارضة السلمية «للانقلاب»، ومؤكدا أن الحل الأمنى القمعى لن يحقق الاستقرار لمصر، سواء على المدى القريب، أو المتوسط، أو على المدى البعيد!. ثم يطلب الخطاب من الرئيس الأمريكى أن يصدر تعليماته إلى وزير خارجيته بعدم الإدلاء بأى شهادة أمام الكونجرس يترتب عليها استئناف تقديم المساعدات لمصر، إلى أن تقوم الأخيرة بالفعل باحترام حقوق الإنسان والحقوق الأساسية للمواطنين. ثم يورد الخطاب قائمة تشمل الإجراءات التى يجب على الإدارة الأمريكية أن تطلب من مصر القيام بها قبل أن تعود المياه إلى مجاريها. من بين هذه المطالب انهاء السلطات المصرية للحملة الأمنية والإعلامية ضد المعارضة السلمية، والتوقف عن استخدام الأسلحة النارية ضد المتظاهرين، وايقاف الحملة الإعلامية ضد الولايات المتحدة، التى تسهم بشكل لم يسبق له مثيل فى تأجيج المشاعر ضد الولايات المتحدة، وتهدد حياة المواطنين الأمريكيين والأجانب، ليس فى مصر وحدها إنما فى الدول المجاورة لها.

<<<

بقى أن أشير إلى أن المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية قد بادر برفض بيان الخارجية الأمريكية والذى تعرض إلى معاملة الصحفيين المقدمين للمحاكمة، معتبرا البيان الأمريكى تدخلا غير مقبول فى أعمال القضاء المصرى. أما أجهزة الإعلام فقد زايدت على ذلك كعادتها لعلها تلقى الرضا السامى. أقول زايدت بمطالبة الولايات المتحدة بعدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى جملة وتفصيلا!.

واعتقادى اننا نسرف كثيرا فى التذرع بموضوع ضرورة عدم التدخل فى الشئون الداخلية المصرية. ندفع بهذا فى مواجهة أى انتقاد، أو لوم، أو حتى عتاب، يوجه إلينا فى أى شأن من هذه الشئون. لم تَسْلَم الولايات المتحدة، ولا تونس، ولا تركيا، ولا إيران، ناهيك عن قطر من هذه التهمة. وأحب أن أقول فى هذا الصدد بأنه وإن ظل مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية ركيزة أساسية فى العلاقات الدولية بين الأمم، إلا أن هذا المبدأ يجرى تحديه بصفة مستمرة من الناحية العملية، بالنظر إلى التطورات الهائلة فى العلاقات الدولية. خذ على سبيل المثال انضمام الدول طواعية وبمحض إرادتها للمنظمات الدولية. متى فعلت الدول ذلك فإنها ملتزمة ومقيدة بمواثيق هذه المنظمات وما تفرضه من قواعد هى بطبيعتها تنال من سيادة الدول المطلقة. كذلك الحال بالنسبة للانضمام للمواثيق والاتفاقات الدولية، حتى نفرض الالتزام الوارد فى هذه المواثيق قيودا صارمة على ممارسات الدول فيما يتعلق بموضوع تلك الاتفاقات. ثم لعلنا نلاحظ تلك المكانة المتقدمة التى تحظى بها مواثيق حقوق الإنسان وضرورة التزام الدول الموقعة على هذه المواثيق وبكل ما تفرضه هذه من قواعد صارمة من أجل احترامها.

<<<

حرصت على التعرض لهذا الأمر لخشيتى بأن نكتفى بإصدار بيان نشجب فيه خطاب مجموعة العمل الخاصة بمصر الموجه لأوباما، باعتباره تدخلا محرَما ومجرَما فى شأننا الداخلى. مثل ذلك الموقف إذا ما صدر فعلا عنا لن يكون له أى وزن أو حجية، ولن يغير من الوقع الذى أحدثه على أوباما وعلى إدارته وعلى الكونجرس. واقترح عوضا عن ذلك أن يقوم أحد مراكز الأبحاث السياسية المصرية، مثل المجلس المصرى للشئون الخارجية، بصياغة بيان أو خطاب رصين إلى كل من يهمهم الأمر فى أمريكا وغيرها، يتعرض إلى ما جاء فى خطاب المجموعة المذكورة بندا بندا، ويقارع الحجة بالحجة، ويعرض الموقف المصرى من مختلف القضايا المثارة بكل الوضوح، والشفافية، والمصداقية.

هنا فقط سيكون لردنا الوقع والأثر الذى نريده ونحرص عليه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved