دوائر العشوائية

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 8 فبراير 2021 - 6:55 م بتوقيت القاهرة

الصحوة التى دبت فى أواصر الأجهزة التنفيذية عقب الحريق الذى استمر أياما فى عقار فيصل الضخم الذى يضم أكثر من 100 وحدة سكنية مقامة على مسطح ألف متر من أرض زراعية (!)، هل ستظل متواصلة، وتطول روحها آلاف العقارات المشابهة، أم هى مجرد نفرة مؤقتة سرعان ما يدخل أصحابها فى ثبات عميق؟
العقار المنكوب الذى اشتعلت فيه النيران تم بناؤه فى وضح النهار، واستغرق انشاؤه سنوات، تحت سمع وبصر الأجهزة المحلية المسئولة، فلا أحد يتعلل بأنه ارتفع فوق الأرض فى غفلة من الزمان، فمحافظة الجيزة التى تقول بياناتها إن العقار يقع قرب الطريق الدائرى بنطاق مركز كرداسة، حررت له محاضر مخالفة بناء عام 2013، أى قبل ثمانى سنوات كاملة، اكتفت خلالها بتحرير المحاضر، وكفى الله الموظفين شر التدخل!
طبعا الجيزة ليست استثناءً فى مخالفات البناء، غير أننى كتبت فى شهر فيراير 2019 فى هذه المساحة ما نصه: «من إمبابة شمالا ومرورا بالدقى والمنيب وحتى البدرشين جنوبا ومن المهندسين شرقا وحتى حدائق الأهرام غربا، تبدو الجيزة كمحافظة بائسة يعتريها الإهمال، ويضرب التجاهل بأطنابه فى أروقة إداراتها المحلية التى ترفع شعار «لا أرى ولا أسمع ولا أريد لأحد أن يتكلم».
اليوم تتحدث محافظة عن أنها حررت محاضر مخالفة لعقار الدائرى المحترق، الذى يقدم نموذجا للتراخى فى منع آلاف المخالفات الصارخة قرب الطريق الدائرى وحده، وهو ما استدعى النيابة الإدارية إلى اتخاذ أربعة قرارات بينها تشكيل لجنة من خبراء وزارة النقل للتحقيق فى وجود تعدٍ على حرم الطريق الدائرى، وتحديد المسئولين عن ذلك «كل منهم وفق اختصاصه».
النيابة الإدارية التى كلفت الوحدة المحلية لمدينة كرداسة بسرعة تنفيذ قرار لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بهدم العقار كليا، كلفت أيضا الوحدة المحلية بمراجعة موقف العقارات المجاورة للعقار المحترق بكامل المنطقة، على أن يشمل الفحص الشامل: تراخيص تلك العقارات، ومراجعة جميع الأنشطة بها، واتخاذ الإجراءات القانونية حيال غير المرخص وتحديد المسئولين عن تلك المخالفات، وابلاغ النيابة الإدارية بما تم اتخاذه من إجراءات فى هذا الشأن.
طبعا محافظة الجيزة بدورها شكلت لجنة هندسية لتحديد طريقة إزالة العقار المحترق سواء بالهدم من أسفل مرة واحدة أو من أعلى دور، فضلا عن التحقيق مع جميع موظفى العموم الذين لهم سلطة التعامل مع هذا العقار والمنوط بهم اتخاذ الإجراءات فى تلك الحالات من مدينة كرداسة.
وفى انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات، سواء تلك التى تجريها النيابة الإدارية أو محافظة الجيزة، لا بد وأن نعيد التذكير بغياب المجالس المحلية التى تلعب دور الرقيب على الأجهزة المحلية وتحد من المشكلات الآخذة فى التفاقم، فليس منطقيا ومع تكرار الأزمات التى تفجرها مخالفات البناء وحدها، أن يظل قانون المحليات، حتى الآن، نائما فى أروقة مجلس النواب، رغم الحاجة الماسة إليه.
دوائر البناء العشوائى وغير المخطط، التى دفعت الرئيس السيسى لإجراء مداخلة تلفزيونية للحديث عنها، والقيام فى اليوم التالى بزيارة ميدانية، بصحبة أركان الحكومة، إلى عزبة الهجانة بشرق القاهرة، للتأكيد على ضرورة إيجاد حلول لمشكلات تراكمت منذ سنوات طويلة، تجعلنا ندعو إلى استغلال هذه الفرصة لمحاصرة مخالفات بناء تخرج ألسنتها للأجهزة التنفيذية، وهى تناطح السماء بقبح مبانيها.
فاتورة الصمت الطويل على العشوائيات والبناء المخالف باتت باهظة، وتحتاج، كما قال الرئيس، نحو 4 تريليونات جنيه لحلها، غير أن الجدية فى الإصلاح سوف تجنبنا العجز الكامل عن دفع تلك الفاتورة، وتفتح لنا بابا على مستقبل انتظرته مصر طويلا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved