القمة العربية المنتظرة

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 8 فبراير 2022 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

 

سبق أن تعهَّد الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون بأن تكون القمة العربية القادمة التى من المقرر عقدها فى الجزائر قمة جامعة وشاملة، وبحضور جميع أعضائها، وأن سوريا من المفروض أن تكون حاضرة فى هذه القمة. ونوه إلى أن هذه القمة ستركز اهتمامها على عدة موضوعات على رأسها إصلاح جامعة الدول العربية التى لم تدخل عليها إصلاحات أساسية منذ إنشائها عام 1945، وقارن بينها وبين الاتحاد الأفريقى. كما ستتناول القمة القضية الفلسطينية، والعلاقات العربية الأفريقية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية بمختلف صورها ومسمياتها. هذا إلى جانب الأزمات العربية المحتدمة فى ليبيا واليمن وسوريا، والتدخل الأجنبى الإقليمى والدولى فى شئون الدول العربية، والتعاون لمواجهة تداعيات جائحة كورونا اقتصاديا واجتماعيا، وبحث دعم التضامن العربى والاعتماد الجماعى على النفس بما يضمن مناعة الأمة العربية وحماية مصالحها.

كما سبق وصرح وزير الخارجية الجزائرى فى 23 يناير 2022 أن الجزائر تبذل مساعى ترمى إلى توفير العوامل الأساسية لضمان نجاح القمة العربية المقبلة والمقرر انعقادها فى مارس 2022 بالجزائر، وجعلها قمة فارقة فى مسيرة العمل العربى المشترك، نافيا ما تردد حول تأجيلها. ولكن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط صرح فى 2 فبراير2022 بأن القمة العربية التى ستعقد فى الجزائر لم يتحدد موعدها بعد، وأن الموعد سيتم بحثه فى الاجتماع العادى لوزراء الخارجية العرب فى إطار جامعة الدول العربية فى 9 مارس 2022، كما سيبحث الوزراء موضوع عودة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية. وقال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكى، إن القمة العربية يتعذر عقدها فى شهر مارس 2022، وقد يحدد موعدها لما بعد شهر رمضان هذا العام.
وقد عقدت آخر قمة عربية فى 31 مارس 2019، وتأجلت القمة المقرر عقدها فى الجزائر حتى الآن نحو ثلاث مرات، سواء بسبب جائحة كورونا، أو الحرص الجزائرى على أن تكون قمة مكتملة شاملة كل الأعضاء فى جامعة الدول العربية وبحضور أكبر عدد من قادة الدول العربية، ولكن حتى الآن لم تتوصل المشاورات التمهيدية بين الجزائر والدول العربية إلى توفير أجواء تصالحية تضمن مشاركة فعالة من جانب قوى عربية رئيسية، ومازالت حالة الاحتقان هى الغالبة فى العلاقات بين عدة دول عربية.
• • •
إذا نظرنا إلى مسألة عودة سوريا إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية نجد أن مواقف ذاتية لبعض الدول، سواء لأسباب خاصة بها أو لاعتبارات علاقاتها الدولية والإقليمية، تتحفظ على عودة سوريا. وبعض الدول الأخرى تشترط حدوث توافق عام فى الآراء أو إجماع للموافقة على عودة سوريا. هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن وقف عضوية سوريا فى جامعة الدول العربية تم بأغلبية الأعضاء وليس بالإجماع، ومن ثم فإنه من الناحيتين القانونية الإجرائية والسياسية تكون عودتها بالأغلبية وليس بالإجماع. كما أن وضع بعض الشروط التى يتعين على الحكومة السورية اتخاذها حتى يمكن عودتها إلى جامعة الدول العربية أمر ينطوى على تدخل فى الشئون الداخلية. وتجدر الإشارة إلى أمرين أولهما أنه لم يتم وقف عضوية سوريا فى الأمم المتحدة أو أى منظمة أخرى. الأمر الثانى أن بعض دول الخليج العربية أعادت فتح سفاراتها فى دمشق استعدادا لإعادة العلاقات الدبلوماسية معها وتمهيدا لأن يكون لهذه الدول دور فى عملية إعادة الإعمار فى سوريا بعد استكمال التسوية السياسية، وحتى لا يترك هذا المجال مفتوحا بالكامل أمام إيران وروسيا. هذا إلى جانب أن الدول الأوروبية فى الاجتماع الأخير لحلف الناتو فى بروكسل اختلفت مع الولايات المتحدة فى استمرار مقاطعة النظام السورى، ورأت أنه وإن تأجل إعادة العلاقات معه إلا أن ذلك لا يمنع التعامل معه من منطلق التطورات الميدانية واستعادة النظام السورى سيطرته على معظم الأراضى السورية مع تفكك المعارضة والتراجع الكبير لدورها. أكثر من ذلك فإن الولايات المتحدة سمحت أو تغاضت عن مرور خط أنابيب الغاز المصرى عبر سوريا إلى لبنان، وخطوط الإمداد بالكهرباء من الأردن عبر سوريا، وفتح الحدود والتبادل التجارى وجميع أنواع المواصلات بين الأردن وسوريا رغم تعارض ذلك كله مع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بحكم ما يعرف بقانون قيصر.
أما فيما يتعلق بحالة الاحتقان بين دول الخليج العربية ولبنان، فلم تنهها مساعى الرئيس الفرنسى ماكرون خلال جولته فى الإمارات وقطر والسعودية مؤخرا. وجاءت الوساطة الكويتية خلال زيارة وزير خارجية الكويت لبيروت وتقديم مطالب خليجية للحكومة اللبنانية، ثم قيام وزير خارجية لبنان بزيارة الكويت وتقديم الرد على المطالب الخليجية. وقد رؤى أن الرد اللبنانى لم يتطرق إلى الموضوعات التى تركز عليها دول الخليج العربية وفى مقدمتها دور حزب الله فى الدولة اللبنانية، وتطبيق بنود قرارى الأمم المتحدة رقمى 1559 و1701. رغم أن الرد اللبنانى أكد على اتخاذ جميع الإجراءات لتعزيز التعاون مع دول الخليج، ومتابعة العمل على تنفيذ وثيقة الوفاق الوطنى (اتفاق الطائف) وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى مواعيدها الدستورية، واحترام لبنان كل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية. وأن عدم تطرق الرد اللبنانى لطلب نزع سلاح ميلشيات حزب الله وتحجيم دوره فى الشئون اللبنانية داخليا وخارجيا يرجع إلى ما سبق أن أوضحه لبنان للدول العربية والولايات المتحدة والدول الأوروبية من أن حزب الله جزء من التركيبة السكانية والسياسية اللبنانية ومن غير الممكن التفكير فى استبعاده، وموضوع حل الميلشيات فى لبنان ليس قاصرا على حزب الله، هذا إلى جانب أن التركيبة السكانية فى لبنان قد تغيرت كثيرا فى العقود الأربعة الأخيرة، وأصبح حزب أمل وحزب الله يمثلان كتلة من الشيعة لها أغلبية فى البرلمان ويتعين مشاركتهما فى أى حكومة وفى كل القرارات اللبنانية الرئيسية. وإن المعادلة الصعبة أنه كلما تباعدت دول الخليج العربية عن لبنان، كلما لجأ إلى أطراف غير عربية بما فيها كل من ايران وتركيا وغيرهما من الدول الأوروبية.
كما أن الأزمة اليمنية والحرب التى امتدت نحو سبع سنوات ونصف السنة أعادت من جديد حقيقة أثبتت نفسها فى ستينيات القرن العشرين، وهى أن أى حرب فى اليمن لن يكون فيها منتصر ومنهزم، وأنه كلما طالت الحرب زادت معدلات الدمار فى الموارد الطبيعية والبشرية والبنية الأساسية، وحرمت أجيالا من الصبية والأطفال من العيش فى سلام وأمان ومن التعليم والتغذية والرعاية الصحية الأساسية لتربية أجيال جديدة، وتشريد الملايين، وتهديد اليمن بالعودة إلى الانفصال إلى شمال وجنوب، وتهديد أمن واستقرار دول الخليج العربية. إن استمرار الاتجاه إلى الحرب ومخاصمة المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر المصالحة الوطنية اليمنية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالتسوية السياسية للأزمة اليمنية، أدى إلى اتساع دائرة عدم الاستقرار وبداية انتقالها من اليمن إلى دول عربية أخرى، كل ذلك على حساب الأمن والاستقرار العربى والمصالح العربية المشتركة.
وثمة مشكلة أخرى لها آثار مزدوجة وهى الخلافات بين الجزائر والمغرب والتى أدت إلى قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية والتجارية وإغلاق حدودها مع المغرب، رغم ما بينهما من تداخل كبير فى المصالح المشتركة فى كل المجالات. وأن الأثر الأول لذلك سيكون سلبيا للغاية على مشاركة المغرب فى القمة العربية فى الجزائر ما لم تحدث مصالحة أو تفاهم قبل القمة، وواضح أن الوقت قصير للغاية لتحقيق ذلك ما لم تحدث تطورات متسارعة غير متوقعة. كما أن غياب ملك المغرب عن القمة العربية فى الجزائر قد يكون له تداعيات سلبية على مشاركة ملوك وأمراء دول عربية أخرى. وهذا كله يضع الجزائر فى موقف صعب.
• • •
أما قضية جامعة الدول العربية من حيث آليات اتخاذ القرارات وتنفيذها، وتفعيل دور ومستوى أداء المنظمات والأجهزة الفرعية للجامعة، ودعمها ماليا بما يضمن قدرتها على القيام بدورها منظمة إقليمية فاعلة فى حل الخلافات وتسوية المنازعات العربية، هذه القضية سبق أن جرت محاولات عدة من أجل الإصلاح وقدمت مشروعات ومقترحات قتلت بحثا ثم دفنت. وقد يرجع السبب وراء عدم إصلاح جامعة الدول العربية إلى أن الدول الأعضاء ذات التأثير الفعال فى العمل العربى المشترك أو الجماعى، لا تريد أن يكون لجامعة الدول العربية كيان فعال أسوة بالمنظمات الإقليمية الأخرى، وإنما تريد الاحتفاظ بها هيكلا بلا فاعلية تلجأ إليه فى أوقات الأزمات لإصدار بيانات أو قرارات لا تنفذ إلا ما يحقق منها أغراضا معينة لدول أعضاء فى الجامعة أو لمجرد الاستهلاك الإعلامى.
ويلاحظ أن التعاون العربى الأفريقى كلما اتجه فى مراحل طارئة قليلة إلى نوع من التنسيق العام وعقد قمة عربية أفريقية مشتركة، خاصة وأن نحو تسع دول عربية تقع فى أفريقيا وتجمع بين عضوية الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية، سرعان ما يعود إلى نمط التعاون الفردى لكل دولة على حدة بما يؤدى فى بعض الأحيان إلى الابتعاد عن خدمة المصالح العربية المشتركة.
إن مواجهة الحقائق القائمة فى العالم العربى على المستوى العام والثنائى، وحالة الحروب والأزمات وانكفاء معظم الدول العربية على شئونها الخاصة، يوضح أن المشكلة ليست فى عقد القمة العربية أو تأجيلها، وإنما فى مدى فاعلية ما يمكن أن تسفر عنه قمة عربية فى ظل هذه الأوضاع البائسة والتى تثير الكثير من الأسئلة حول مفهوم العمل العربى المشترك لدى كل دولة عربية، وهل كل هذه الصراعات العربية ــ العربية تخدم الدول العربية أم تقدم خدمات مجانية لقوى إقليمية ودولية متربصة ومنتهزة لكل ما يخدم مصالحها.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved