اللعبة المظلومة

نيفين مسعد
نيفين مسعد

آخر تحديث: الخميس 8 مارس 2018 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

أعترف أنني شخصية غير رياضية بالمرة لا أمارس الرياضة ولا أشاهدها، أعتبر الوقت الذي تجري فيه مباريات كرة القدم النارية فرصة ذهبية لأسير وحدي في الشارع الخالي وأقضي مشاويري بالسرعة الممكنة. أتضرر من تأميم أجهزة التلڤزيون المنزلية أثناء دورة الألعاب الأولمبية ومباريات كأس العالم، وأبدأ العد التنازلي منذ اليوم الأول الذي يقام فيه حفل الافتتاح الأسطوري لهذه وتلك، لكن أقر بأنني أستمتع بالبذخ المصاحب لاستعراضات الافتتاح المبهرة. لا أقرأ الصفحات الرياضية ولا دَخَلَت المجلات الرياضية إلي بيتي إلا في فترة مراهقة ابني حين كان نجوم كرة القدم هم نجومه وصورهم هي بوستاته وأخبارهم هي شاغله . ما سبق صحيح ، ورغم ذلك أراني الآن أدق علي الكيبورد لأكتب مقالا يحكي عن الظُلْم الذي تتعرض له واحدة من الألعاب الرياضية المهمة، ظلم مبعثه المعايير المزدوجة التي تتحدي الأخلاق الرياضية وتلتف عليها، وهذا يحدث عندما يكون في الأمر سياسة وأكثر ما تخالطه السياسة يَفسَد. هكذا أتوكل علي الله وألجأ للاستعانة بصديق وأكتب استثناء عن لعبة الإسكواش.

***

عندما سُئل جريجوري جوتييه اللاعب الفرنسي المُصنّف رقم اثنين حاليا في لعبة الإسكواش عن رأيه فيما إذا كان من المحتمل أن يسترد الأوروبيون مجدهم القديم في مجال رياضة الإسكواش، رد الرجل بصراحة وبساطة معا قائلا: لا أظن ذلك فقد رأيت بعيني طوابير الأطفال المصريين الذين ينتظرون دورهم للتسجيل لتعلم الإسكواش ، يريد بذلك أن يقول إن مصر سوف تحافظ علي تربعها علي عرش الإسكواش. ما قاله جوتييه عن إقبال الأطفال المصريين علي تعلُّم الإسكواش حقيقي، وهنا طبعا أنا أعني الأطفال الذين تتوفر لأسرهم القدرة المادية علي الالتحاق بنواد رياضية . سر إقبال المصريين علي الإسكواش غير مفهوم، فاللعبة لا تحظي بجماهيرية واسعة ، وقليلون هم من يعرفون اسم محمد الشوربجي المصنف حاليا رقم واحد علي مستوي الرجال أو اسم نور الشربيني المصنفة حاليا رقم ١ علي مستوي السيدات لكن أصغر طفل مصري في أبعد قرية مصرية يحفظ عن ظهر قلب اسم عصام الحضري ويؤدي عند الفوز رقصته الشهيرة، دع عنك بالطبع اسم اللاعب محمد صلاح معبود الجماهير حول العالم ، فهذا شأنه مختلف . وبالإضافة إلي عدم تمتع نجوم هذه اللعبة بشهرة واسعة، فإن احترافها يتوقف عند سن الثلاثين بينما تتخطي ألعاب أخري حاجز الثلاثين بارتياح، ثم أنه لا يوجد وجه للمقارنة بين المكسب المادي الذي تحققه لعبة الإسكواش لمحترفيها وذلك الذي تحققه لعبة كرة القدم مثلا . فعلا لا يوجد تفسير.

***

منذ فاز عبد الفتاح باشا عمرو - آخر سفير لمصر في المملكة المتحدة قبل ثورة يوليو - ببطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش عام ١٩٣٣ وانتزع اللقب من اللاعب الإنجليزي دون بتشر ، عرف المصريون طريقهم للتفوق في هذه اللعبة. فلم يكتف السفير عمرو باشا بالتربع علي عرش هذه البطولة أعوام ١٩٣٦ و١٩٣٧ و١٩٣٨ فقط ، لكنه أيضا فاز ببطولة بريطانيا للهواة ست مرات بين عامّي ١٩٣١ و١٩٣٣ وبين ١٩٣٥ و١٩٣٧، الأمر الذي دفع إلي إدراج اسمه في موسوعة چنيس. والآن وبعد خمسة وثمانين عاما علي أول اختراق مصري لهذه اللعبة الرياضية، ها هم المصريون في أحدث تصنيف لأبطال اللعبة يحتلون سبعة مراكز من بين المراكز العشرة الأولي علي مستوي بطولة الرجال ( الأول والثالث والرابع والخامس والسادس والتاسع والعاشر ) وذلك لأول مرة في تاريخ اللعبة ، وعلي مستوي بطولة السيدات تظهر أربع مصريات في قائمة العشر الأوائل (هن الأولي والثانية والثالثة والخامسة).

***

وبالإضافة إلي ما يمكن توصيفه بعملية تمصير لعبة الإسكواش هناك اتجاه متزايد لإضفاء الطابع الأُسَري علي هذه اللعبة، وهذه ظاهرة رصدتها الصحافة البريطانية وتوقفت أمامها بالقول "لقد حولت مصر لعبة الإسكواش إلي لعبة عائلية Family business game. فللمرة الأولي يظهر اسم زوجين في قائمة العشرة: نور الطيب الثالثة وعلي فرج الثالث أيضا، ورنيم الوليلي الثانية وطارق مؤمن السادس. وللمرة الأولي أيضا يفوز أخ هو مروان الشوربجي علي أخيه محمد الشوربجي ويحصل علي المركز الرابع. وكما نلاحظ فإن تعبير للمرة الأولي تكرر كثيرا في ثنايا المقال فالإنجاز المصري في مجال لعبة الإسكواش حقيقي وكبير.

***

ورغم ذلك لا تشارك مصر في إدارة الاتحاد الدولي للإسكواش، فالاتحاد الذي تشارك في عضويته ١٤٩ دولة يرأسه فرنسي وله أربعة نواب من استراليا وأيرلندا وماليزيا وكولومبيا!!، أما الرئيس التنفيذي ومديرة العمليات فإنجليزيان. هكذا تشارك دول لا تاريخ مميزا لها في الإسكواش في تسيير أمور اللعبة ، بينما تغيب عن الاتحاد مصر بكل تاريخها الذي يوشك أن يتم قرنا من الزمان وبلاعباتها ولاعبيها الذين احتلوا مراكز الصدارة وما يزالون. ومثل هذا الغياب يحرم عملية صنع القرار التي تخص اللعبة من الاستفادة بخبرة لها كل هذا العمق وكل هذا التواتر . لكنه علي أي حال ليس الشكل الوحيد للظلم الذي تعانيه لعبة الإسكواش، فهذه اللعبة التي يمارسها عشرون مليونا علي مستوي العالم لم تدخل بعد ضمن الألعاب الأولمبية، بينما أن رياضة أخري يمارسها عدد مقارب من اللاعبين كالريشة الطائرة مثلا دخلت الأولمبياد منذ ستة وعشرين عاما بالتمام والكمال وتحديدا في دورة برشلونة عام ١٩٩٢. ومن المؤكد أنه لو كان ثمة حضور مصري داخل الاتحاد الدولي للإسكواش لكان هناك تصميم علي إدخال اللعبة إلي الأولمبياد، ولكان هناك دفاع مُستَحَق عن حضورها في هذه المناسبة الرياضية الكبرى.

***

مظلومة هي لعبة الإسكواش، وسجينة هي داخل قفصها الزجاجي وكأن لهذا القفص دلالته الرمزية، لكن سُنة الكون هي التغيير، وطال الزمن أو قصر فسيأتي يوم يرتفع فيه علم مصر عاليا في الأولمبياد، وسيتعانق زوجان في عز الشباب تتلألأ حبات العرق النبيل علي جبهتيهما وعلي صدريهما تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال ميداليتان ذهبيتان من ميداليات البطولة الثمينة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved