اتفاق سلام قلق بين أمريكا وطالبان

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الأحد 8 مارس 2020 - 11:35 م بتوقيت القاهرة

جرت اتصالات عديدة ومتقطعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان طوال العقد الماضى، وكان الهدف منها استطلاع مدى إمكانية التوصل إلى اتفاق للسلام بينهما على أرض أفغانستان أو على الأقل تحقيق حالة من التهدئة النسبية للقتال بين القوات الأمريكية وقوات حكومة أفغانستان من ناحية وطالبان من ناحية أخرى. وكانت هذه الاتصالات والمساعى من أطراف أخرى تنتهى بلا نتيجة محددة ويعود الصراع إلى ما كان عليه، بل أشد، وتتوالى الخسائر على الجانبين.
وقد وعد الرئيس الأمريكى ترامب منذ توليه السلطة بإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلدهم وعدم الانغماس فى حروب لا طائل من ورائها، ومن ثم أخذت الاتصالات مع حركة طالبان الأفغانية منحنى جديدا تحدوه رغبة حقيقية من الجانب الأمريكى فى التوصل إلى اتفاق سلام بينهما، وقامت بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية بدور الوسيط ومن بينها قطر وباكستان وغيرهما إلى أن تم التوصل إلى صياغة اتفاق سلام بين أمريكا وحركة طالبان جرى توقيعه يوم 29 فبراير 2020 فى الدوحة ــ قطر بحضور وزير الخارجية الأمريكية بومبيو وممثلى 18 دولة وبعض المنظمات الإقليمية والدولية، وقد وقع الاتفاق نيابة عن الولايات المتحدة السفير/ زلماى خليل زاد، المبعوث الأمريكى الخاص لأفغانستان وسفيرها السابق فى كابول، وعن طالبان الملا/ عبدالغنى بارادار.
***
وقد اشتمل الاتفاق على ثلاثة أجزاء: تناول الجزء الأول بصورة أساسية التزامات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى أفغانستان، وأول هذه الالتزامات سحب قواتها العسكرية وحلفائها، بما فى ذلك جميع الموظفين المدنيين غير الدبلوماسيين، ومتعاقدى الأمن الخاص، والمدربين، والمستشارين، وموظفى خدمات الدعم، على أن يتم ذلك خلال 14 شهرا، وعلى أن يتم خلال 135 يوما من توقيع الاتفاق (أى أربعة أشهر ونصف الشهر) خفض عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان من نحو 14 ألف فرد إلى نحو 8600 فرد، مع تخفيض نسبى لقوات حلفائها الموجودة فى أفغانستان والبالغ عددها نحو 8673 فردا.
هذا ويلاحظ على هذا البند من الاتفاق تحديد توقيتات لانسحاب القوات الأمريكية والتزام واشنطن بالبدء فورا فى العمل مع جميع الأطراف ذات الصلة على خطة للإفراج بسرعة عن المقاتلين والسجناء السياسيين فى أفغانستان لبناء الثقة بالتنسيق بين جميع الأطراف المعنية، وإطلاق سراح نحو خمسة آلاف سجين من طالبان، ونحو ألف سجين من الجانب الآخر بحلول 10 مارس 2020، وإطلاق سراح السجناء الباقين خلال الأشهر الثلاثة التالية لتوقيع الاتفاق.
وقد صرح رئيس جمهورية أفغانستان أشرف غنى، بأن حكومته لم تقدم أى تعهد بالإفراج عن 5 آلاف معتقل من طالبان، وإن هذا الموضوع سيجرى تناوله فى المفاوضات التى ستجرى بين الحكومة وحركة طالبان، ولن يكون شرطا مسبقا للمفاوضات. وتصر طالبان على أن يكون الإفراج عن المعتقلين قبل بدء المفاوضات مع الحكومة التى لم تعترف بها وتتهمها بتزوير الانتخابات الأخيرة.
وقد نص الاتفاق على تعهد طالبان بأن يلتزم سجناؤها المفرج عنهم بالمسئوليات المنصوص عليها فى الاتفاق، ولا يشكلون تهديدا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها. وأن واشنطن بالتزامن مع بدء المفاوضات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان ستبدأ التواصل الدبلوماسى مع الأعضاء الآخرين فى مجلس الأمن الدولى والحكومة الأفغانية لإزالة أسماء عناصر طالبان من لائحة العقوبات على أن يتحقق ذلك بحلول 29 مايو 2020. كما أنه على الولايات المتحدة الامتناع هى وحلفاؤها عن التهديد باستخدام القوة، أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسى لأفغانستان، أو التدخل فى شئونها الداخلية.
ويتضمن الجزء الثانى من الاتفاق التزام طالبان باتخاذ خطوات عقب توقيع الاتفاق لمنع أى جماعة أو فرد، بما فى ذلك تنظيم القاعدة، من استخدام أراضى أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وعدم السماح لأى من أفراد طالبان أو جماعات أخرى فى أفغانستان من تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، ومنعهم من التجنيد، والتدريب، وجمع الأموال، ولن تستضيفهم وفقا للالتزامات الواردة فى الاتفاق.
كما تلتزم طالبان بالتعامل مع طالبى اللجوء أو الهجرة، أو الإقامة فى أفغانستان وفقا لقانون الهجرة الدولى، والالتزامات الواردة فى الاتفاق، بحيث لا يشكل هؤلاء الأشخاص تهديدا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها.
أما الجزء الثالث من الاتفاق فإنه بموجبه ستطلب واشنطن من مجلس الأمن الدولى الموافقة على الاتفاق واعتماده. وأن تسعى الولايات المتحدة وطالبان لإقامة علاقات إيجابية مع بعضهما، ويتوقعان أن تكون العلاقات بين واشنطن والحكومة الأفغانية الاسلامية الجديدة التى سيحددها الحوار والمفاوضات بين الأفغان، وستسعى واشنطن إلى التعاون الاقتصادى من أجل إعادة الإعمار مع الحكومة الجديدة، ولن تتدخل فى شئونها الداخلية.
***
هذا ويلاحظ على الاتفاق ما يلى:
• إنه بين طالبان والإدارة الأمريكية، وقد أشير فيه إلى نظام الحكم الأفغانى الحالى بالأطراف المعنية، وهو ما يعنى أن دور الحكومة الأفغانية فى الاتفاق هامشى ومتضمن بحكم الضرورة فى الدور الأمريكى ولعل هذا ما جعل الحكومة الأفغانية تشدد وترفض فرض شروط من جانب طالبان قبل بدء المفاوضات.
• إن ذكر الحكومة الأفغانية الإسلامية الجديدة تعنى أن تشكيلة النظام الأفغانى الحالى ستتغير وستضطلع طالبان بدور رئيسى وفعال فى تحديد معالم هذا النظام الجديد ومن ثم كان الحرص على تكرار عدم تدخل الولايات المتحدة فى الشئون الأفغانية الداخلية وترك توازنات القوى هى التى تحدد نتائج المفاوضات فيما بين الأفغان أنفسهم.
وقد أيد حلف الناتو الاتفاق وكان سكرتيره العام حاضرا مراسم التوقيع فى الدوحة كما رحب به مسئول العلاقات الخارجية فى الاتحاد الأوروبى؛ حيث إن عدة دول أوروبية تشارك فى قوات الناتو فى أفغانستان وقد أشير إليها فى الاتفاق بحلفاء الولايات المتحدة.
ولوحظ أن وزير الدفاع الأمريكى مارك إسبر حرص على أن يكون موجودا فى كابول أثناء توقيع الاتفاق فى الدوحة، وذلك لطمأنة الحكومة الأفغانية بدعم ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب أفغانستان، والتقى مع رئيس الجمهورية ووزير الدفاع الأفغانى لهذا الغرض وأكد أنه ما لم تلتزم حركة طالبان بتنفيذ بنود الاتفاق فلن يطبق.
وقال المتحدث باسم حركة طالبان ــ ذبيح الله مجاهد ــ إنهم يأملون أن تظل الولايات المتحدة ملتزمة بوعودها خلال التفاوض (بين الأفغان)، وأن استمرار تحليق الطائرات العسكرية الأجنبية فوق الأراضى الخاضعة لسيطرة طالبان، أمر مثير للقلق، واستفزازى.
وقال الرئيس ترامب إن الأمر سيتوقف على شعب أفغانستان ليحدد مستقبله ودعا الشعب الأفغانى إلى اغتنام الفرصة من أجل السلام ومستقبل جديد، وأنه إذا كانت طالبان والحكومة الأفغانية على مستوى الالتزامات، فإن الأمور ستمضى قدما لوضع حد للحرب فى أفغانستان وإعادة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم.
ولا شك أن ترامب يعمل على استخدام الاتفاق فى حملته الانتخابية ليوضح للناخبين الأمريكيين أنه عند وعده ويعمل جاهدا على إخراج القوات الأمريكية من حروب فى الخارج لا طائل من ورائها.
ومع ذلك فقد أوضح مسئولون أمريكيون أنه إذا فشل الحل السياسى، وفشلت المفاوضات، فلا شيء يجبر الولايات المتحدة على سحب قواتها. وإذا لم توف طالبان بالتزاماتها فإن واشنطن لن تتردد فى إلغاء الاتفاق، وإنها وحلفاءها سيستمرون فى تزويد قوات الأمن الأفغانية بالدعم اللازم لها.
لذا فقد تفاوتت الآراء تجاه الاتفاق بين من وصفوه بأنه أشبه بمقامرة سياسية لأنه يضفى الشرعية على حركة طالبان على الساحة الدولية. بينما يرى آخرون أن الاتفاق بارقة أمل بالنسبة لملايين الأفغان لأنه ينهى عمليات سفك الدماء المستمرة على مدى 18 عاما منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان. كما أنه قد يساعد بدرجة كبيرة على انتقال أفغانستان من دولة تدمرها الحرب وتمثل مأوى للعديد من العناصر والجماعات الإرهابية، إلى عملية تقوم على الاستقرار وإعادة الإعمار والخروج من دائرة العنف.
ولكن الحقيقة أن ثمة صعوبات وتحديات كبيرة على طريق المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية ليس فقط من أجل التوصل إلى سلام دائم بين كل القوى الأفغانية والمتصارعة، وإنما أيضا من أجل تحديد معالم نظام الحكم الجديد الذى وضعت بدايته فى الاتفاق بالإشارة إلى الحكومة الأفغانية الإسلامية الجديدة والتى من الواضح أن طالبان سيكون لها دور كبير فى تحديد معالمها. وكذلك ما سيكون عليه الوضع فى ظل هذه الحكومة الإسلامية الجديدة بالنسبة للمكاسب التى حققتها المرأة الأفغانية والشباب، والحصول على مساحة من الحريات العامة والحقوق المدنية، خاصة بالنسبة للمرأة فى مجالات التعليم والتوظيف والحياة الثقافية والاجتماعية. وهذا إلى جانب قضايا الانتخابات والعلاقات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ودور رجال الدين والجماعات السلفية، وكذلك علاقات أفغانستان فى ظل السلام المنتظر مع القوى الإقليمية والدولية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved