آثار الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 8 مارس 2022 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

إن الصراع بين دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة مع روسيا حول أوكرانيا واعتماد روسيا على القوة العسكرية بينما اعتمدت دول الناتو حتى الآن على المساعدات بالمعدات العسكرية لأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية والمالية ضد روسيا، وتقديم جميع أنواع المساعدات لأوكرانيا وحشد الدعم السياسى الدولى ضد العمليات العسكرية الروسية، كل ذلك كان له آثار كبيرة وقوية على كل دول العالم، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والمالية، والمخاوف من اتساع نطاق الحرب أو طول أمدها وما يعنيه ذلك من تبعات لا تحمد عقباها.

وقد شملت آثار الأزمة الأوكرانية منطقة الشرق الأوسط من عدة جوانب؛ سياسية واقتصادية ومالية، امتدت لكل دول المنطقة بحكم ارتباطاتها الوثيقة فى جميع المجالات مع كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، وروسيا وأوكرانيا، وهو ما وضع كل دول المنطقة فى عملية اختيارات صعبة فى الموازنة ما بين مصالحها وقضاياها المختلفة ومراعاة القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة عند تناول العلاقات والصراعات والأزمات بين الدول.
• • •
من الناحية السياسية حاولت أغلبية دول الشرق الأوسط اتخاذ موقفا محايدا من هذا الصراع بين القوى الكبرى وناشدت الأطراف المتصارعة باللجوء إلى الحوار والدبلوماسية لتسوية الخلافات والعمل على حماية الحقوق الإنسانية. وقد كان هذا المفهوم واضحا فى البيان الصادر عن اجتماع المندوبين الدائمين فى جامعة الدول العربية فى 28 فبراير 2022 والذى دعا إلى تأييد الجهود الرامية إلى حل الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار والدبلوماسية، وأهمية احترام مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، واتخاذ إجراءات التهدئة وضبط النفس واستمرار التنسيق بين الدول العربية للحفاظ على أمنها وسلامتها، وسلامة الجاليات والبعثات الدبلوماسية العربية فى أوكرانيا، وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية.
ولكن إزاء المساعى القوية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وطلب اتخاذ موقف واضح يدين العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا، كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤشرا واضحا فى استجابة الدول العربية وتصويتها لصالح القرار بإدانة التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا من جانب أغلبية الدول العربية باستثناء سوريا التى وقفت منذ بداية الأزمة بجانب روسيا وأيدت اعترافها باستقلال إقليمى دونتسك ويوهانسك عن أوكرانيا، والمغرب حيث تغيب مندوبها عن حضور جلسة التصويت على القرار، بينما امتنعت عن التصويت كل من الجزائر، والعراق، والسودان. واعتبر الرئيس الأمريكى بايدن القرار انتصارا كبيرا، حيث حصل على تأييد 141 دولة ومعارضة 5 دول فقط، وامتناع 35 دولة عن التصويت.

أوضحت مصر بعد التصويت بتأييد القرار بأن موقفها مبنى على إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولى ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وضرورة البحث عن حل سياسى عبر الحوار وبحث جذور الأزمة ومسبباتها، ورفض توظيف منهج العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولى متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة والتى كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، والتحذير من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمى برمته والذى مازال يعانى من تداعيات جائحة كورونا. ولم تستجب مصر لطلب منع السفن الحربية الروسية من قناة السويس؛ لأن ذلك لا يتفق مع اتفاقية القسطنطينية لقواعد العبور فى القناة فى حالات الحروب.
امتنعت الإمارات العربية عن التصويت على مشروع قرار فى مجلس الأمن، الذى وافقت عليه 11 دولة وامتنعت 3 دول هى الصين والهند والإمارات واستخدمت روسيا الفيتو ولم يصدر القرار، إلا أنها أيدت بعد ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما شهد لبنان خلافات وتبادل اتهامات بعد بيان لوزير الخارجية اللبنانى بإدانة العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا ولم يعتمده مجلس الوزراء، وقد صوت لبنان مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى يدين التدخل العسكرى الروسى. وكان نائب رئيس السيادة السودانى اللواء حميدتى فى زيارة لموسكو عند نشوب الأزمة الأوكرانية ونسب له قوله إن من حق روسيا الدفاع عن مصالحها، ولكن صدر توضيح من السفارة السودانية فى موسكو بأنه لم يصدر تصريحات مؤيدة لطرف معين، وقد امتنع السودان عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذى أدان التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا.

أما إسرائيل فقد حاولت فى بداية الأزمة اتخاذ موقف مراوغ؛ فبينما هاجم وزير الخارجية يائير لبيد العمليات العسكرية الروسية، حاول رئيس الوزراء بينت أن يبدو محايدا وهو ما دعا أوكرانيا أن تطلب منه القيام بدور الوساطة مع روسيا لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات، ولكن رئيس وزراء إسرائيل اكتفى بالاتصال بالجانب الروسى دون نتائج، ولكنه قام بزيارة موسكو ومقابلة الرئيس بوتن يوم 5 مارس 2022. وأكدت الحكومة الإسرائيلية على حرصها على عشرات آلاف الإسرائيليين الموجودين فى أوكرانيا وعلى عشرات آلاف اليهود الأوكرانيين، وطالبت باللجوء للحوار لتسوية الخلافات. وقد صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتخشى إسرائيل أن يزداد التقارب والتنسيق بين روسيا وإيران فى سوريا بما يؤثر سلبيا على العمليات العسكرية التى تشنها إسرائيل ضد الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا.
أما إيران فقد اتخذت موقفا متوازنا حرصا على علاقاتها مع روسيا من ناحية وبما لا يؤثر على مفاوضات فيينا لعودة الولايات المتحدة للاتفاق النووى مع إيران، كما امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولم يكن وضع تركيا سهلا بحكم عضويتها فى الناتو من ناحية ومصالحها المتعددة مع روسيا وأوكرانيا من ناحية أخرى، وقد حاولت اتخاذ موقف متوازن، ولكن انتهى الأمر بأن قررت منع السفن الحربية من المرور عبر البوسفور والدردنيل، وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذى يدين التدخل الروسى فى أوكرانيا، واستمرت فى مساعيها للقيام بدور وساطة.
• • •
أما فيما يتعلق بالتداعيات الاقتصادية والمالية للأزمة الأوكرانية، فهى تمس جميع دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط نظرا للارتفاع الكبير فى أسعار البترول والغاز، وهو ما سيؤدى بالضرورة إلى ارتفاع أسعار النقل والإنتاج بالنسبة لجميع السلع سواء الصناعية أو الزراعية والحيوانية لجميع الدول وخاصة بالنسبة للدول النامية. وقد تستفيد الدول العربية المصدرة للبترول والغاز، وكذلك إيران، ولكن ما ستحصل عليه ربما يكون أقل من الزيادات فى أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى التى تستوردها.

ونظرا لأن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح، فقد أدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع فى أسعار التعاقدات الآجلة على القمح بنسبة 16%، وإذا استمرت الأزمة إلى ما بعد شهر مايو فقد ترتفع الزيادة إلى 20% أو أكثر. وربما لا توجد مشكلة فى استمرار تصدير القمح الروسى، ولكن إذا استمر إغلاق الموانئ الأوكرانية لفترة طويلة فإنه يتعين على الدول التى تستورد منها القمح والذرة وزيوت الطعام أن تبحث عن بديل. ومصر تعتبر من دول منطقة الشرق الأوسط التى تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا، حيث تستورد منهما نحو 80% من وارداتها من القمح ــ 30% منها من أوكرانيا. وكذلك لبنان ودول مجلس التعاون الخليجى وشمال أفريقيا. هذا إلى جانب استيراد نترات الأمونيوم وغيرها من المنتجات الصناعية. لذا فإنه إذا امتد الصراع فى أوكرانيا لفترة طويلة فسيكون له تأثير كبير على مصر ودول الشرق الأوسط من الناحية الاقتصادية، كما سيؤدى إلى مضاعفة الجهود للخروج من تداعيات جائحة كورونا الاقتصادية والاجتماعية.
• • •
وتبقى كل هذه الآثار السياسية والاقتصادية للأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية على روسيا قائمة طالما بقى الصراع محتدما. أما إذا أدت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا مع الوساطات والجهود الدولية إلى انفراجة فى الأزمة والتوصل إلى صيغة توافقية، فقد يؤدى ذلك إلى تهدئة نسبية وتخفيف التصعيد بين الناتو وروسيا. ويظل الموقف الأمريكى معلقا على مدى رغبة الرئيس بايدن فى التهدئة لتخفيف الأعباء الاقتصادية على العالم بما فيه منطقة الشرق الأوسط، أم سيظل يستخدم العقوبات الاقتصادية على روسيا إلى أن تجرى انتخابات التجديد النصفى لأعضاء الكونجرس الأمريكى فى نوفمبر 2022. وقد لوحظ مدى ارتياح بايدن وسعادته بما أسماه وحدة الأمريكيين التى بدت أثناء إلقائه خطاب الاتحاد أمام الكونجرس الأمريكي؛ حيث جعل الأزمة الأوكرانية فى مقدمة خطابه ولقى تأييدا كبيرا من أغلبية الأعضاء، من الديمقراطيين والجمهوريين. ومن الوارد أن يربط بايدن بين رفع العقوبات عن روسيا ومواقفها فى كل من الأزمة السورية والأزمة الليبية، ولكنه قد يقع تحت ضغوط من الدول الصناعية الكبرى والاتحاد الأوروبى لتخفيف العقوبات الاقتصادية على روسيا للمساعدة فى جهود التعافى من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved