ما رأيته فى تركيا

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الإثنين 9 أبريل 2012 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فى الأسبوع الثانى من الشهر الماضى كنا مدعوين إلى مؤتمر انا وزميلى مصطفى شومان لنتحدث عن الثورة المصرية فى تركيا. كنا ضيوفا على بلدية اسلنر وهى ثالث اكبر بلدية فى مدينة اسطنبول من ضمن 39 بلدية أخرى. اول ملاحظة لفتت انتباهنا قالها مصطفى: «يبدو ان البلدية بها موارد كبيرة لدرجة انها تهتم بتثقيف اهل الحى عبر استضافة نشطاء من بلاد اخرى ليتكلموا عن امور لا تخص الحى بطريقة مباشرة». كانت ملاحظة فى محلها خاصة أن أموال البلدية تصرف فى العادة على خدمات للحى! ظل السؤال معلقا بالأذهان حتى قابلنا السيد محمد توفيق رئيس البلدية الذى بدا لنا وكأنه شخص اكبر من منصبه على الرغم من صغر سنه وكان مليئا بالحيوية والنشاط. اما نائبه الذى يشبهه ايضا السيد رمضان، فهو يتكلم العربية بطلاقة بعد ان درس فى الأزهر الشريف لعدة سنوات اتم فيها رسالة الماجستير فى العلوم الاجتماعية، ويكن محبة خاصة لمصر واهلها. كانت مقابلتنا معهم قبل واثناء وبعد الندوة حميمة للغاية وشعرنا منها ان السيد محمد توفيق متوقع له مستقبل سياسى واعد، فلقد كان ايام الجامعة زعيم النشطاء السياسيين وهو قيادة نشيطة فى حزب العدالة والتنمية الحاكم.

 

●●●

 

ما رأيته فى الحوار مع الرجلين وفى تركيا عموما يؤكد ان الأتراك، على اهتمامهم ومتابعتهم لكل ما يحدث فى المنطقة، عندهم اعتداد بقوميتهم بطريقة لا لبس فيها ولا خلط. وأظن ان شعورهم بالفخر له رصيد من الحربين العالميتين الأولى والثانية حيث لم يحدث ان فقدت تركيا استقلالها على الرغم من خسارة ولاياتها الواحدة تلو الأخرى بعد ان أطلق عليها وصف رجل اوروبا المريض. وما ان سقطت الخلافة وبدأت تركيا رحلتها إلى الاتحاد الأوروبى حتى ظهر ان هناك تاريخا مشتركا بين الأتراك والأوروبيين به من الدماء والمواقف الراديكالية المعادية بين الطرفين ما يحول بين اتمام اندماج تركيا فى الاتحاد الأوروبى. كل هذا مفهوم وايضا العراقيل التى وضعت امام تركيا للانضمام إلى الاتحاد من قبل الدول الأعضاء المختلفة. لكنى ازعم ان هناك اشكالية اخلاقية فى هذا الطرح تظهر ان اوروبا لا تستطيع ان تسمو فوق عنصريتها.

 

الإشكالية تكمن فى ان الأوروبيين وخاصة الألمان استخدموا العمالة التركية (الرخيصة) فى اعادة بناء المانيا التى تهدمت بعد الحرب العالمية الثانية. حتى ان المانيا وحدها بها على الأقل 2.5 مليون المانى من اصل تركى لهم مشاكل مع الدولة الألمانية على الحقوق الأساسية غير المعترف بها، وهذه حكاية أخرى لها مقام آخر. ما يعنينا الآن ان رفض أوروبا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى يبعث برسالة إلى العالم الإسلامى، انه مهما كانت درجة الحداثة والتطور والمدنية فهى غير كافية لتصبح عضوا فى الأسرة الدولية! هذه الإشكالية تلقى بظلالها على الأتراك بأنك تجد انهم فى كثير مما يفعلونه يندرج تحت شعار «لنظهر لأوروبا» وهذا فى رأيى خطأ يتوجب تصحيحه لأن المسار الصحيح هو ان تتبنى السياسات لإيمانك بها وليس لأظهار اى شيء لأى طرف خاصة ان كان خارج المجتمع والا تحول المجتمع كله إلى ممثلين يؤدون دورا مرسوما لمخاطبة آخر غير مكترث اساسا.

 

●●●

 

نوع الحياة التى يعيشها الأتراك على الأقل فى اسطنبول تشبه إلى حد كبير حياة الأوروبيين. فهم يعملون بمنتهى الجد والمحال تغلق ابوابها مبكرا باستثناء الكافيتريات والنوادى الليلية... إلخ.. ومن الأتراك من ينظر وراءه بحنين كالسيدة نورة الحياة الباحثة الاجتماعية التى رافقتنا فى جلسة مصغرة قبل الندوة.. فاجأتنا بمنطقها وقالت.. «انا لا اطيق كل هذا الزحام الذى حولنا ولماذا علىَّ ان اقطع كل يوم رحلتى إلى العمل فى اكثر من ساعة ونصف فى الذهاب ومثلها فى العودة! انى امكث بين الطريق والعمل اغلب يومى! ولا يوجد متسع بعد ذلك لعمل اى شىء الا النوم! لماذا نشترى بيوتا بهذه الفخامة والاتساع ونصرف عليها اموالا طائلة ثم يكون نصيبنا منها مجرد النوم؟ انى اشعر ببعض من الأسى اننا فى تركيا نستخدم حروفا ولغة غير تلك التى استخدمها آباؤنا العثمانيون! تخيل، لكى نفهم ما الذى كتبه آباؤنا، علينا ان نجد مترجما!؟».

 

●●●

 

ان تركيا التى نرى ليست ساكنة وانما تطورت بطريقة لافتة للنظر، هم فى رحلة التصالح مع الماضى وفى رحلة الاندماج مع روح العصر. كل من زارهم حتى سنوات قليلة مضت، قال انه لا يجد فرقا شاسعا بين مصر وتركيا. الآن يسبقوننا بفعل إدارة رشيدة وواعية وعندها من الكفاءات ما يستطيع التصدى للتحديات. ستبقى مشكلة قبرص، والأكراد، والأرمن، عقبات امام انضمامهم للاتحاد الأوروبى وعليهم ان يحلوا تلك المشاكل وإلا!! ثم ان المعضلة الأكبر فى رأيى هى فى شخص أردوغان رئيس الوزراء. الشعب يحبه، وهو قائد ذو كاريزما عالية وما ان تسأل احدا، من سيأتى بعد رجب طيب، حتى تشعر انه انتبه اشد انتباه، ونظر اليك بتفحص.. وبعد ان يهتدى إلى انك أجنبى، يقول لك، لا اعرف.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved