منارة الإرهاب الوسطى

محمد موسى
محمد موسى

آخر تحديث: الأربعاء 8 أبريل 2015 - 1:46 م بتوقيت القاهرة

"أفكار شاذة تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسيء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطني، وتثير الفتن".

هذه هي لغة الممثل القانوني للأزهر في بلاغه أمس الأول ضد إسلام بحيري، مقدم البرنامج التلفزيوني "مع إسلام"، مطالبًا بالتحقيق معه بتهمة ازدراء الدين الإسلامي.

أكثر من جريمة دينية وإنسانية يرتكبها ممثل الأزهر في العبارة القصيرة، وهو يحاول أن يعيد الاعتبار لمؤسسة تجاوزها الزمن، وقريبا تصبح متحفا يليق بضمه للقلعة.

تعبيرات فضفاضة كانت خلافية على مر القرون: ثوابت الدين، الأئمة المجددون "المتفق" عليهم، علماء الإسلام. ونفير الجهاد الذي يطلقه الأزهر على برنامج تلفزيوني محدود الأثر، يثبت أن منارة الإسلام الوسطي توقفت عن التفكير، بعد أن توقفت عن التأثير الإيجابي في حياة المصريين.

1- لا تقتلوا العقارب

صحيح، الأزهر الشريف لا يكفر أحدا ولا يهدر دم أحد، كما ورد في البيان، لكنه الصانع الأول لبيئة التكفير، والمشعل الرسمي لحرائق الفتنة الطائفية، وراعي دفن العقول الصاعدة في متاهة التراث، وشغلها بحل شفراته، على طريقة "الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع"، المقرر على طلاب الثانوية الأزهرية.

الكتاب شرح للمذهب الفقهي الشافعي، كتبه الشيخ شمس الدين الخطيب الشربيني، في القرن السادس عشر، وهو أحد المختصرات الكثيرة لفقه الإمام الشافعي.

يعلم الأزهر أبناءه عن طريق هذا الكتاب أن للمسلم أن يقتل الزاني وتارك الصلاة، "حتى وإن لم يأذن الإمام"، أي قبل اللجوء للحاكم أو السلطات.

الأزهر يعلم أبناءه أن على المسلم ألا يقتل الحيات والعقارب فى دار الحرب، حتى يكثر نسلها، فيكثر أذاها للكفار.

وفي نفس الكتاب، يعلم الأزهر تلاميذه كيف يحتقرون الأديان الأخرى، فالجزية تؤخذ من الكتابى "على وصف الذل والصغار، ويقال له: أعط الجزية يا عدو الله". ولابد أن يكون المسلم جالسا، وعدو الله مهانا واقفا كما يقول الكتاب.

الأزهر لا يكتفي بتخريب عقول طلابه، بل يوسع دائرة التخريب لعموم الأمة، في مجلة باسمه، يخصصها رئيس التحرير الطائفي محمد عمارة لشن أسوأ حملات الاحتقار والتهوين ضد الشيعة والمسيحيين والبهائيين، وكل من يخالف محمد عمارة.

الوشيعة فى نقض عقائد الشيعة، ضلالة فصل الدين عن السياسة، الأزهر والشيعة، الخطوط العريضة لدين الشيعة، الصهيونية المسيحية، والتنصير الأمريكى حرب عالمية على الإسلام. هذه بضاعة محمد عمارة التي يبيعها مع مجلة الأزهر، منارة الإسلام الوسطي سابقا.

2- البكاء على دولة الشريعة

العدد الأخير من المجلة يروج بوضوح لفكرة دولة الشريعة، من المقال الافتتاحي، بتوقيع مجلس التحرير، إلى الكتيب المجاني مع المجلة، "عقيدة وشريعة".

مجلس التحرير، الذي يتكون من رئيس التحرير واثنين آخرين، كتب الافتتاحية بعنوان "نظرات في شبهات الفضائيات"، ليصرخ بأن "الواجب علينا في عهد الاستقلال أن نستقل بفقهننا، فلا نبقى عيالا على الفقه الفرنسي".

أي من القانون الفرنسي إلى تطبيق الحدود.

يغلق الكاتب باب الاجتهاد: ليس علينا أن نخلق فقها جديدا، ففقهنا القديم موجود.

يضع الكاتب العلماء بين الناس والكتاب والسنة، يقول: "أما الكتاب والسنة فهما المصادر العليا للفقه الإسلامي، وقد قصدت بالمصادر العليا أن أقول إنها مصادر تنطوي على كثير من الإحالات على مبادئ عامة ترسم للفقه اتجاهاته، ولكنها ليست هي الفقه ذاته، فالفقه الإسلامي هو من عمل الفقهاء".

ويطالب بتقديس العلماء، فيقول إن امتلاك العلماء لقوة التشريع في الدولة الإسلامية أصل من أصول الفقه، "لقد أراد الشارع الحكيم ألا يترك الأمة دون هاد، بعد أن مضى عنها هاديها".

هذه هي الدولة التي يروج لها الأزهر الشريف في مجلته، وفي فصول الدراسة ما هو أشد وأنكى.

3- العودة إلى النبع الصافي

المعركة بين البحيري والأزهر لا تهم كثيرا من المسلمين، لأن الحديث عن انتقادات الدارقطني للبخاري تبقى موضوعا مغلقا على الفصول الدراسية، لكن وجود مؤسسة تنفق عليها الدولة لتربي المتشددين، وتحارب الأديان الأخرى، وتطارد المذيعين والصحفيين، أصبح أمرا غير منطقي، ولابد من وضع حد له، بدلا من الغناء صباح كل يوم لمنارة الإسلام الوسطي، أكبر كذبة في تاريخ مصر الحديث.

كل المؤسسات التي تتحدث باسم الدين وتبيعه بالجملة والقطاعي مصيرها الزوال، من الرسمية التي يديرها موظفون، كما هو الحال في الأزهر، إلى الأهلية على طريقة التكتلات السلفية والجهادية والطالبانية. وقريبا يعود المسلمون إلى النبع الصافي الذي لا يعرف باطلا، إلى القرآن الكريم.

في كتابه فقه السيرة، يلخص الراحل الجليل محمد الغزالي أزمة المرجعية الإسلامية في عبارة واحدة، "هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث، ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة، ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين، ثم هجروا المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم".

أصبح على كل مسلم الآن أن يقطع الرحلة العكسية، فيعود إلى كتابه المقدس الوحيد، لأننا الآن في زمن "الجهال وتخبطهم".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved