سد النهضة.. والنبوءة البريطانية!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 8 أبريل 2022 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

حالة الجمود الراهنة التى تكتنف أزمة سد النهضة الإثيوبى، وإصرار أديس أبابا على مواصلة البناء والملء والتشغيل بشكل أحادى، قد يثبت ــ حتى الآن ــ صحة نبوءة بريطانية تعود إلى تسعينيات القرن الماضى، ترى أن مصر لن تستطيع منع إثيوبيا من تنفيذ مشرعات على نهر النيل قد تضر بمصالحها الحيوية.

ففى شهر أغسطس ٢٠٢٠، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) وثائق سرية، حصلت عليها حصريا وفق قانون حرية المعلومات فى بريطانيا، تشير بشكل صريح إلى أن «التقدير البريطانى لأزمات المياه المستمرة بين مصر وإثيوبيا والسودان تَوصَّل فى عام 1990، إلى أن إثناء إثيوبيا عن تنفيذ مشروعات قد تضر بالمصالح المصرية، هدفٌ على مصر أن تدرك أن تحقيقه غير واقعى».

سبب الاهتمام البريطانى بهذه القضية فى ذلك الوقت، يرجع إلى أن «مصر واجهت خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضى، مشكلة كبيرة بسبب الجفاف فى حوض النيل الذى أدى إلى قلة المياه فى بحيرة ناصر، غير أنه فى عامى 1988 و1989 حدثت فيضانات بمعدل كبير، أنقذت البلاد من أزمة كانت أكبر من قدرة مصر على مواجهتها»، وفقا للوثائق التى نشرتها الـ«بى. بى. سى».

وعلى إثر هذه الأزمة طلب وزير الخارجية البريطانى دراسة لتقدير الموقف بشأن العلاقة بين دول حوض النيل، التسع وهى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا وزائير وروندا وبوروندى والسودان ومصر. وبناء على هذا الطلب، أعدت إدارة البحوث والتحليل فى قسم الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية، دراسة بعنوان «نهر النيل»، ضُمت إلى وثائق السياسة الخارجية البريطانية.

وحسب الدراسة فإنه «فى سنوات الجفاف، يمكن أن يكون بيد إثيوبيا سلاح استراتيجى محتمل، أى أنها ستكون فى موقف يتيح لها حبس المياه عن مصر والسودان. وهذا سوف يحقق المخاوف المصرية من الوقوع رهينة من جانب دول المنبع». وتوقع البريطانيون أنه «من غير المرجح أن تشعر أى حكومة مصرية أنها قادرة على قبول موقف كهذا»، مشيرين إلى أن الحكومة المصرية «بحاجة إلى مواصلة مساعيها الدبلوماسية لضمان ألا تفعل دول المنبع أى شىء يحرم مصر من المياه التى تحتاجها».

وقالت الدراسة إن الدبلوماسية المصرية كانت بالتأكيد ناجحة فى السنوات الأخيرة فى إقامة علاقة ثنائية أفضل، غير أن هذا فى حد ذاته لن يكون كافيا لإغراء الإثيوبيين على تقديم تنازلات فيما يتعلق بمصلحة مادية حيوية. وأشارت إلى أنه ليس لدى مصر ما تعرضه فهى «لا تملك أموالا تقدمها».

ما ذهبت إليه الوثائق البريطانية قبل ٣٠ عاما، هو ما نشهده فعليا على أرض الواقع، حيث تواصل إثيوبيا المراوغات وتضييع الوقت فى المفاوضات، والافتئات على الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل، وتجاهل كافة الاتفاقات والمواثيق الدولية، من خلال الاستمرار فى تعلية السد وتخزين المياه حتى بدون التوصل إلى اتفاق مع دولتى المصب.

ليس هذا فحسب، بل إن إثيوبيا تتوهم فى ظل الظروف الراهنة التى تتمسك فيها القاهرة فقط بالحل الدبلوماسى، عبر التوصل لاتفاق قانونى وملزم لملء وتشغيل سد النهضة فى إطار زمنى مناسب وفقا لقواعد القانون الدولى، وعدم تلويحها بالبدائل الخشنة الأخرى، أن باستطاعتها «خنق مصر» عن طريق التحكم فى مياه نهر النيل، وتهديد وجود شعبها وحضارته وتاريخه.

لكن هذا التصور ينطوى على خطأ كبير فى التقدير من جانب السلطات الإثيوبية، إذ إن مصر ومهما كانت متمسكة حتى اللحظة بالتفاوض والحل الدبلوماسى، ولا تتوانى عن الدعوة إلى التعاون المشترك بين دول حوض النيل من منطلق الحرص على المصالح المشتركة وعدم الإضرار بأى دولة، وتتفهم حق الآخرين فى الحصول على التنمية، إلا أنها لن تقبل أبدا بأن تكون رهينة لسلاح المياه الاستراتيجى، مهما كانت الظروف، كما أنها لن تقبل كذلك بأى إجراءات أحادية من شأنها المساس بحياة الشعب المصرى ووجوده، فهذه مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، وهو ما أكدت عليه النبوءة البريطانية قبل أكثر من 30 عاما، عندما ذكرت أن أى حكومة فى مصر لن تكون قادرة على قبول فكرة أن يكون مصير شعبها رهينة فى يد الإثيوبيين، فهذه مسألة أمن قومى لا جدال أو تفريط فيها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved