تحركات تركية جديرة بالاهتمام

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الجمعة 8 مايو 2009 - 5:49 م بتوقيت القاهرة

 تعكس التحركات التركية الأخيرة فى المنطقة العربية بوضوح، طبيعة استراتيجية تركيا للتعامل مع المنطقة والتأثير فيها، وإعادة طرحها كقوة إقليمية عظمى تحرك الأحداث، وتواجه سياسات قوى إقليمية أخرى منافسة.

ولعل من أهم هذه التحركات، مواصلة تطوير العلاقات مع سوريا على مختلف المستويات. ومن مظاهر ذلك المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين الأسبوع الماضى والتى أثارت قلقا إسرائيليا، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلى.

وعلى الرغم من أن هذه المناورات لم تعكس تطورا استراتيجيا فى العلاقات العسكرية السورية مع تركيا، حيث اقتصرت على تدريب مشترك لقوات حرس الحدود والأمن فى المنطقة الحدودية المشتركة، إلا أنها تمثل سابقة جديرة بالاهتمام، وذلك لدخول مجالات التعاون بين البلدين إلى الشق العسكرى القابل للتطور.

ولاشك أن تركيا ترى فى ذلك مجالا إضافيا لصياغة علاقات ثنائية مع سوريا، كما تأمل دمشق من خلال ذلك الترتيب لبلورة شكل من التحالف الاستراتيجى مع تركيا يلتقى مع رغبة أنقرة، ويوفر دعما إقليميا إضافيا لسوريا فى مواجهة إسرائيل.

ومن الجدير بالإشارة أن المنطقة التى أجريت فيها تلك المناورات أصبحت تحظى باهتمام مكثف بين البلدين مؤخرا، حيث كانت معبرا لتسلل العناصر الكردية ذات الصلة بحزب العمال الكردستانى، كما أن المناطق التركية المجاورة للحدود السورية هى الأقل تقدما تنمويا قياسا بالمناطق الأخرى، وهو ما زاد من الحاجة للاهتمام بتطويرها وتأمينها.

ونشير أيضا إلى الزيارة المرتقبة للرئيس التركى إلى دمشق فى منتصف الشهر الجارى والتى سبقتها ترتيبات، وإعداد اتفاقيات حول دعم التبادل التجارى، وتطوير تركيا لمصانع القطاع العام السورى، وإنشاء مناطق تجارة حرة على جانبى الحدود بين البلدين .

وهو توجه تركى يستهدف فتح الباب أمام مزيد من الاستثمارات والتجارة الخارجية التركية فى سوريا ــ بما يحقق دعم وتطوير الاقتصاد السورى والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى يتجاوز السقف الحالى لها.

ومن التحركات التركية المهمة كذلك استقبال كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء التركى للسيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدرى الشيعى فى العراق خلال زيارته إلى اسطنبول، والموافقة على عقد مؤتمر لقيادات هذا التيار الذين توافدوا من داخل وخارج العراق إلى تركيا يومى 2 و3 مايو.

ورغم أن هذه هى الزيارة الثانية للسيد مقتدى الصدر إلى تركيا منذ سقوط نظام صدام حسين فى بغداد، فإن توقيت هذه الزيارة وحجم الاهتمام التركى بها يكشف بوضوح طبيعة تعامل السياسة التركية مع الملف العراقى والترتيب لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكى من العراق.

فالتيار الصدرى كان من أهم القوى الشيعية المناهضة للاحتلال، وكان عروبى الاتجاه، وهو ما اصطدم بالأحزاب الشيعية الرئيسية خاصة المجلس الإسلامى الأعلى وحزب الدعوة ذات الصلة الوثيقة بإيران، واللذين ارتبطا بالاحتلال الأمريكى وأجندته السياسية.

وقد تعرض هذا التيار إلى مواجهات حادة مع ميليشيات الحزبين، والقوات الأمريكية، كما تعرض لانشقاقات كبيرة قادها بعض من قيادات الحرس الثورى الإيرانى، فانفصلت عنه مجموعات مارست حربا طائفية تحمل مسئوليتها التيار فى النهاية، فاضطر مقتدى الصدر إلى تجميد العمل العسكرى للتيار، وهو ما أدى إلى انشقاقات أخرى.

وقد جاء مؤتمر قيادات الحزب فى اسطنبول مؤشرا على عدم ثقة مقتدى الصدر فى إيران، رغم أنه كان يعيش فى مدينة قم منذ عامين، وتفضيله لانعقاده فى تركيا لإعادة تماسك التيار والنظر فى تحويله إلى تجمع سياسى يشارك فى الانتخابات العراقية القادمة.

ولا شك أن سماح تركيا بعقد هذا المؤتمر واهتمامها بزيارة مقتدى الصدر على هذا المستوى رغم أنه لا يشغل منصبا رسميا، يؤكد تقديرها لثقل هذا التيار داخل العراق، وسعيها لاختراق التكتل الشيعى، إلى جانب ما تحظى به من علاقة طيبة مع الأوساط السنية.

كما أنه من الملاحظ أن موقف التيار الصدرى من قضية كركوك هو أكثر المواقف الشيعية المتطابقة مع الموقف التركى بخصوصها. حيث إن نسبة كبيرة من العرب الذين يطالب الأكراد بتهجيرهم من المدينة ينتمون إلى هذا التيار، كما ينتمى أيضا تيار شيعى تركمانى فى كركوك إلى التيار الصدرى.

إن مجمل هذه التحركات التركية وغيرها فى المنطقة العربية بصفة خاصة، تشير إلى طموح تركيا ودورها السياسى فى المنطقة. ولا شك أن تعيين السيد أحمد داوود أوغلو وزيرا للخارجية فى التعديل الوزارى الأخير فى تركيا، والذى عمل مستشارا لرئيس الوزراء منذ تولى حزب العدالة للحكم.

يؤكد استمرار هذا الطموح التركى، حيث كان المذكور وراء دعم السياسة الإقليمية لتركيا وتحويل التدخل التركى فى قضايا الشرق الأوسط، والذى كان محرما ومحظورا لدى حكومات تركية سابقة إلى أهم مجالات النجاح للسياسة الخارجية حاليا، الأمر الذى يعنى أننا أمام تحركات تركية نشطة وأكثر كثافة واهتماما وتدخلا فى القضايا المثارة فى المنطقة. وقد أكد وزير الخارجية الجديد فى تصريح له يوم (3/5) أن تركيا لم تعد البلد الذى يصدر عنه ردود أفعال إزاء الأزمات، وإنما يتابع الأزمات قبل ظهورها ويتدخل فيها بفاعلية ويعطى شكلا لنظام المنطقة المحيطة به.

وتحدث كذلك عن رؤيته لسياسة تركيا، فيقول إن تركيا تستشار حاليا فى كل القضايا بدءا من الانحباس الحرارى حتى قضية الشرق الأوسط، وإن الدور التركى يمتد إلى أى مكان يوجد فيه الأتراك حاليا أو مروا فيه أو حكموه...

وهكذا نرى أن الدور التركى فى المنطقة يسعى لامتلاك أوراق إضافية للحركة، ليس فقط للتأثير ودعم النفوذ السياسى والاقتصادى ولكن لمواجهة تأثير ونفوذ القوى المنافسة، خاصة إيران.

وهو ما يحظى بدعم أمريكى وأوروبى، ولكن ألا يستحق ذلك حوارا عربيا مع تركيا لتعظيم مجالات التفاهم واستثمار المصالح المشتركة لدعم الاستقرار فى المنطقة وحتى لا تكون الحركة التركية فى النهاية على حساب المصالح العربية.


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved