قانون الاستثمار... تعليق أخير

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 8 مايو 2017 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

لم أكن أنوى التطرق إلى قانون الاستثمار مرة أخرى بعد أن كتبت عنه عدة مرات فى الآونة الأخيرة منتقدا التعديل الذى صدر فى مارس ٢٠١٥ عشية انعقاد مؤتمر شرم الشيخ، ثم متحفظا على مشروع القانون الجديد الذى أقره مجلس النواب أمس الأول. ولكن ما يدعونى للتعليق عليه اليوم ليس فقط مضمونه، وإنما ما كشفت عنه حالة الفوضى التى أحاطت بمناقشته فى الأسابيع الأخيرة من تخبط شديد فى صناعة القرار الاقتصادى.
من حيث الموضوع، ودون دخول فى تفاصيل كثيرة هذه المرة، فإن تحفظى على القانون الصادر منذ يومين كان ولا يزال منصبا على ما يأتى: (١) أنه يعيد العمل بنظام المزايا الضريبية التى كنّا قد نجحنا فى التخلص منها عام ٢٠٠٥ بسبب ما تؤدى اليه من فتح أبواب التلاعب والفساد، وما تجلبه من تشوهات فى السوق، وما تضيعه على البلد من موارد ضريبية نحن فى أمس الحاجة اليها لمواجهة تحديات التنمية فى ظل عجز الموازنة العامة وفرض ضرائب باهظة على المواطنين، (٢) أنه يؤدى إلى مزيد من التعقيد فى نظام منح التراخيص وتخصيص أراضى الاستثمار بسبب التنازع فى الصلاحيات بين الوزارات والهيئات المختلفة، (٣) أنه يغير من طبيعة هيئة الاستثمار بجعلها هيئة رقابية وتابعة لوزارة الاستثمار بعد أن كانت من قبل هيئة مستقلة ومعنية فقط بالترويج وتيسير المعاملات الاستثمارية، (٤) أن العوائق والمشكلات الكبرى التى تعترض تدفق الاستثمارات إلى مصر ليست مما يمكن معالجته فى إطار قانون الاستثمار بل تتعلق بقوانين وسياسات أخرى على رأسها عدم وضوح التوجه الاقتصادى للدولة، وضعف نظام التقاضى، والتدخل الواسع للدولة بأجهزتها المدنية والعسكرية فى منافسة القطاع الخاص حتى فيما لا يمس الأمن القومى أو السلع الاستراتيجية.
ولا أظن أن القانون الذى أقره البرلمان أمس الأول ــ بحسب المنشور فى الإعلام ــ قد تجاوز هذه المشكلات بل أخشى إن يكون أضاف اليها مزيدا من التعقيد والغموض فى المعاملة الضريبية لمختلف المجالات الاقتصادية والمناطق الجغرافية، وفى مستقبل المناطق الحرة الخاصة، وفى شروط التصريح بالعمالة الأجنبية. ولذلك فمع اعتقادى أن الحوافز الضريبية الجديدة قد تجلب بالفعل على المدى القصير المزيد من الاستثمار الأجنبى ألا أننى أخشى أن يكون ذلك فى المدى الأطول على حساب الموارد العامة للدولة والعدالة الضريبية.
ومع ذلك فإن الخلاف فى الرأى كان يمكن أن يكون أمرا طبيعيا بل ومطلوبا، وأن ينتهى بإقرار ما وافقت عليه الأغلبية البرلمانية، لو كانت المناقشة جرت بشكل شفاف وواضح المعالم. ولكن الذى حدث فى الأسابيع الأخيرة كان عكس ذلك تماما. فعلى الرغم من الجهد الذى بذلته هيئة الاستثمار فى إتاحة مشروع القانون وطرحه للنقاش العام وتلقى ملاحظات مختلف الجهات المعنية عليه طوال الأشهر الماضية فى سابقة محمودة، إلا أنه مع اقتراب موعد مناقشته الأخيرة فى البرلمان عاد الغموض يحيط به، والتدخلات تأتى من مختلف الجهات، والتخبط يبدو واضحا حتى فى أعلى دوائر صنع القرار الاقتصادى والذى بلغ ذروته ــ وفقا للمنشور فى الإعلام ــ مع اعتراض خمس وزارات على النص النهائى المقدم للبرلمان بزعم أنه لم يعرض عليها ولم يحظ بموافقتها. وهذا يدعو للقلق الشديد بسبب ما يعبر عنه من غياب رؤية واحدة تقود الملف الاقتصادى وتعمل على التنسيق بين وزاراته وتضمن التكامل والتناغم بينها. ولو كانت هذه صراعات وخلافات داخلية يتم حسمها فى إطار مجلس الوزراء او المجموعة الوزارية المختصة لكان الأمر طبيعيا. أما أن تطفو على السطح وتدفع بالوزراء للهرولة إلى مجلس النواب لإنقاذ ما يمكن انقاذه من تعديلات وإضافات اللحظات الأخيرة، فهذا هو ما يثير القلق فيما يخص السياسة الاقتصادية للبلد بشكل عام.
القانون صدر على أى حال وقريبا ستصدر القرارات واللوائح التنفيذية اللازمة لتطبيقه، وأتمنى أن أكون مخطئا فى تقديرى له. ولكن الأهم من ذلك أن تكون احداث الأسابيع الماضية والفوضى التى أحاطت بانهاء القانون ومناقشته فرصة لإعادة النظر فى آليات صنع القرار الاقتصادى فى مصر ودافعا لتبنى الدولة وأجهزتها ووزاراتها سياسة واحدة متسقة سواء فى الاستثمار أم فى غيره من المواضيع.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved