فى «الرد على خوارج العصر»

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الثلاثاء 9 مايو 2017 - 1:10 م بتوقيت القاهرة

لا تقف معركة مكافحة الإرهاب عند حدود الملاحقة الأمنية، والضربات العسكرية لعناصره التى تفجر هنا، وتهجم هناك من وقت لآخر، فسبل المواجهة أوسع وأكثر تنوعا، بحيث تقوم على تتبع الاسباب التى كانت وراء الانخراط فى صفوف الإرهابيين، والجنوح إلى العنف تحت رايات شتى لا يجمعها إلا القتل وسفك الدماء، لا فرق بين «داعشى وقاعدى، ونصراوى»، وإلى غيرها من المسميات التى ابتلينا بأفعالها المدمرة.
قد يرى البعض أن طريق مكافحة الإرهاب يبدأ من خطة تنمية شاملة تقضى على الفقر وتحارب الجهل، وتحقق العدالة الاجتماعية، باعتبارها المفتاح الأهم فى فك وحلحلة الظاهرة التى تعانى منها العديد من المجتمعات العربية ويكتوى بنارها العالم فى الوقت الراهن، وهذا صحيح لكن ذلك لابد أن يكون فى إطار معركة تعليمية وثقافية كبرى تواجه الافكار التكفيرية المتشددة بسلاح الكلمة، كون الافكار البداية التى تنتهى بالناس إلى الاستنارة أو الارتداد للخلف.
وأمام الاصوات التى انهالت هجوما وتجريحا فى الآونة الاخيرة على الأزهر الشريف، واتهام جامعته بانها تساعد على تخريج المتطرفين، سعى عدد من العلماء والباحثين من ابناء الأزهر إلى دحض هذه الافكار عبر موسوعة علمية تحارب الفكر المتطرف وتعرى بالحجة والمنطق ضلال الاراء التى يستند إليها المتشددون فى ادبياتهم، التى تحيد عن صحيح وجوهر الدين، بما يسىء إلى الإسلام، ويعطى اعداءه الفرصة لوسمه بالإرهاب زورا وبهتانا.
الموسوعة صدرت فى الآونة الأخيرة وحملت عنوان «الرد على خوارج العصر»، وتقع فى خمسة مجلدات حررها وراجعها الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمى لفضيلة المفتى، وأشرف على خروجها للنور الدكتور على جمعة المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء، وعلى امتداد نحو 1300 صفحة، جرى مناقشة العديد من القضايا، وكشف فساد بعض الآراء التى يروجها المتشددون، من خلال الاستعانة ببعض العلوم الشرعية، وعبر محاور العقيدة، والحديث الشريف، وأصول الفقه وقواعده، والفقه الحضارى.
وتعد المقدمة التى كتبها الدكتور على جمعة بمثابة النول الذى نسج على خيوطه الباحثون الذين قاموا بشرح وتمحيص العديد من المسائل التى يتخذها المتشددون ميدانا لنشر افكارهم الضالة التى تصب فى تكفير المجتمع.
ومن خلال 10 محاور سعى المفتى السابق إلى فضح ادبيات اصحاب الفكر المتشدد ومن بينها «تكفير المجتمع بمغالطة الحاكمية، حيث زعموا أن دول الإسلام تحكم بغير ما أنزل الله، وأن الشعوب والحكام إذ رضوا بذلك فى قوانينهم وأعرافهم الاجتماعية فقد كفروا بشريعة الله» ويرد الدكتور جمعة «بأن الدولة المصرية الحديثة منذ إنشائها وهى تتحرى احكام الشريعة لا تخرج عنها، وأن الدساتير المصرية نصت جميعها على ذلك».
ومن بين المحاور أيضا اتهامات التكفيريين «لحكام العالم الإسلامى جميعهم بالعمالة للاستعمار الغربى وتنفيذ مؤامرة صليبية تسعى للتبشير بين المسلمين»، لكن الدكتور جمعة يقول إنه «ليست هناك ثمة مؤامرة من العالم الخارجى ضد عموم الدول الإسلامية والإسلام، لكن هى معركة دائمة دوام الأرض والسماوات هى معركة الخير والشر، وهى معركة مصالح متضاربة ومتدافعة».
بقى أن الاجتهاد الذى قدمه الباحثون الأزهريون فى هذه الموسوعة المهمة ينتظر أن ينزل إلى أرض الواقع، ويصعد المنابر، ويتواجد فى المنتديات الفكرية، ومن خلال التواصل المباشر مع الناس، والحديث المنتظم عبر وسائل الإعلام بخطاب يتجاوز الرتابة المعهودة، وبحيث تجد الآراء الوسطية طريقها إلى العقول، تحصينا لها من الغلو، وكنسا للافكار الظلامية التى بثها المتطرفون فى الزوايا والأزقة والمناطق النائية فى غفلة من الزمن، فقد جاء الوقت لاعتماد مقولة «الهجوم خير وسيلة للدفاع» وإن كان فى ميدان الأفكار.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved