برنامج الرئيس فى الانتخابات المقبلة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 8 مايو 2017 - 9:55 م بتوقيت القاهرة

وسط موجات من التشاؤم بقدرة فصائل المعارضة على الاتفاق على مرشح واحد يستطيع أن يكون منافسا شرسا للرئيس السيسى فى انتخابات الرئاسة المقبلة، تصاعدت أخيرا دعوات تطالب بمقاطعة هذه الانتخابات، على اعتبار أن نتائجها ستكون محسومة سلفا بسبب الانحياز المؤكد من جميع أجهزة الدولة للرئيس السيسى، مع شكوك بعدم ترحيب السلطة بأى مرشح قوى، وسعيها لاختيار «مرشح كومبارس» يحول دون أن تصبح انتخابات الرئاسة مجرد استفتاء بدون أى برامج انتخابية واضحة ومحددة للمرشحين المحتملين فيها، إضافة إلى أن المناخ العام فى مصر الذى يسوده ركود سياسى يكاد يقترب من حالة الشلل، مع هيمنة السلطة على كل مفاصل المجال العام، لا يعطى أى فرصة لمشاركة شعبية واسعة فيها!
الهدف الاستراتيجى للمطالبين بمقاطعة الانتخابات، بحسب ما يرونه، هو نزع الشرعية السياسية والأخلاقية عنها، بانتظار نشوب هبة جماهيرية تطيح بالنظام الحالى، وتقيم مكانه نظاما جديدا، لتبقى المشكلة الحقيقية فى هذه السيناريوهات هو رهانها على المجهول، فلا أحد يملك شفرة الثورات الشعبية ليطلقها فى التوقيت الذى يحدده، ولا أحد يعرف بشكل مؤكد قدرة أى حراك اجتماعى متوقع على الإطاحة بالنظام، فضلا عن تحديد ــ بشكل قطعى ــ الطبيعة الاجتماعية والتوجهات السياسية التى تشكل هوية النظام الجديد، وقبل ذلك كله فإنهم يسهلون المعركة الانتخابية على خصومهم، وكأنهم بهذه المقاطعة يقدمون لهم هدية مجانية لا تقدر بثمن، إذا فشلت رهاناتهم على إشعال ثورة جديدة.
أما الذين اختاروا مقاطعة الانتخابات يأسا من جدواها، بدون أن يكون لديهم أى توجهات أو توقعات ثورية قادمة، فقد أصبحوا فى نظر الكثيرين هم النسبة الكبرى من جمهور الناخبين فى مصر الآن، وهم الذين هجروا ميادين السياسة بعد أن شاركوا فيها بفاعلية خلال سنوات يناير، وخابت توقعاتهم المتفائلة فى بناء مصر جديدة، لكنهم يظلون فى كل الأحوال وقودا قابلا للاشتعال مع أى ثورة أو فوضى قادمة على الطريق، وهم أيضا الذين يمكنهم تغيير قواعد اللعبة الانتخابية المقبلة، لتصبح حدثا سياسيا مهما، إذا ما قرروا إنهاء مقاطعتهم لصناديق الانتخابات، والاهتمام مرة أخرى بالشأن العام، أو أن يظلوا كما هم فى نفس مقاعدهم لا يبالون بالانتخابات، ولا بمن يشاركون فيها، أو يدعون حتى لمقاطعتها لإحراج النظام.
فى ظل هذه الخريطة التصويتية المعقدة والمشوهة والتى تتقاطع معها الفئات المؤيدة للسلطة مع شبكات المصالح الخاصة لفئات أخرى، تبقى الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصة مهمة لإنهاء حالة الركود السياسى فى مصر، وما يصاحبها من التوجهات غير الديمقراطية للسلطة، عن طريق فتح قضايا العيش والحرية والعدالة الاجتماعية للنقاش العام، وموقف السلطة منها، كما يمكن فى هذا الموسم السياسى المفترض أن يكون ساخنا، توجيه تساؤلات وانتقادات حقيقية لسياسات الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومطالبته بإعلان برنامج انتخابى واضح ومحدد، فهو الآن لم يعد «مرشح الضرورة» كما كان فى نظر الكثيرين فى الانتخابات السابقة، وسعيه لخوض الانتخابات المقبلة يفرض عليه ــ أو هكذا ينبغى أن يكون الأمر ــ أن يقدم كشف حساب لنتائج فترته الرئاسية الأولى بكل سلبياتها قبل إيجابياتها، على أمل أن تنهى الانتخابات استمرار توجهات لدى داوئر بالسلطة نحو بناء نظام شمولى، وتحاول فرضه على الناس خطوة خطوة، ليسحب منهم كل حقوقهم الديمقراطية التى انتزعوها بالدم خلال ثورة يناير!
خبرة السنوات الأربع الماضية بكل ما حملته من أزمات اقتصادية طاحنة لا يبدو أنها ستجد حلا قريبا، وبكل ما حفلت به من تراجعات على مستوى الحريات العامة، تفرض على كل فصائل المعارضة المشاركة فيها، إن لم يكن بهدف فوز مرشحها إن كانت له فرصة، فبهدف تحريك المياه الراكدة التى تحيط بحياتنا السياسية من جميع الجهات، وإجبار كل المرشحين على نقديم برامج انتخابية يفترض أن يلتزموا بها وأن نحاسبهم عليها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved