الانتخابات الرئاسية السورية.. التحديات والفرص

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: السبت 8 مايو 2021 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

كانت المعارضة السورية والقوى الإقليمية والدولية المؤيدة والداعمة لها، يعملون بكل ما فى وسعهم خلال عام 2020 على أن تنهى اللجنة الدستورية السورية، المكونة من المعارضين والحكومة والمستقلين وتعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، عملها بالاتفاق على دستور جديد أو تعديل بعض مواد دستور 2012 والمعمول به حاليا فى سوريا، وذلك أملا فى أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى ظل نظام دستورى وانتخابى جديد يفتح المجال أمام المعارضة للترشح والمشاركة فى الانتخابات. ولكن إزاء عدم توافر مرونة كافية لدى طرفى المعارضة والحكومة السورية، مع الاقتراب من عام 2021 الذى يحل فيه موعد الانتخابات الرئاسية السورية، إلى جانب ما حققته الحكومة السورية من انتصارات على الأرض، وهو ما جعلها تزداد تشددا مما حال دون التوصل إلى اتفاق طوال اجتماعات اللجنة الدستورية، بل إن عملها توقف فعليا حتى إذا عقدت بعض الاجتماعات أحيانا.
وتحقق للحكومة السورية ما أرادت وأعلن عن قرار إجراء الانتخابات الرئاسية فى 26 مايو2021، وفتح باب الترشيح فى الفترة من 19 إلى 28 أبريل. وقد توافد المرشحون على تقديم طلبات ترشيحهم والتى بلغ عددها 51 مرشحا، وكان الرئيس بشار الأسد ترتيبه السادس فى أولوية التقديم. ويشترط فى المرشح أن يكون مقيما على الأراضى السورية فى السنوات العشرة الأخيرة وهو ما يعنى استبعاد ترشيح الشخصيات المعارضة المقيمة فى الخارج. ويتعين على المرشح أن يحصل على تأييد 35 عضوا من أعضاء البرلمان على الأقل حتى يقبل ترشحه، وإجمالى أعضاء البرلمان 250 عضوا، ومنهم 167 عضوا من حزب البعث العربى الاشتراكى، و13 من الجبهة الوطنية التقدمية، و70 عضوا مستقلا. وقد حصل الرئيس بشار الأسد على تأييد 180 عضوا من إجمالى الأعضاء ويشترط أن يؤيد عضو البرلمان مرشحا واحد فقط. ويتقلد الرئيس بشار الأسد منصب رئاسة الجمهورية منذ وفاة والده الرئيس حافظ الأسد عام 2000 والذى ظل فى السلطة من عام 1970 حتى وفاته.
وتختص المحكمة الدستورية العليا بفحص طلبات المرشحين ومدى توافر الشروط المطلوبة لصحة وقبول ترشحيهم، ثم تعلن القائمة النهائية لمن قبل ترشحهم. وقد أعلنت المحكمة يوم ٣ مايو ٢٠٢١ أسماء المرشحين المقبولين وهم ثلاثة: الرئيس بشار الأسد، وعبدالله سلوم عبدالله، عضو برلمان سابق، ومحمود أحمد مرعى، من المعارضة المقيمة داخل سوريا. وواضح من عدد النواب المؤيدين لترشيح الرئيس بشار الأسد، أنه سيكون فى مقدمة المرشحين وأن لديه فرصة شبه مؤكدة بإعادة انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات وسيجرى التصويت فى الخارج على انتخاب الرئيس يوم 20 مايو2021، وقد تم تحديد من لهم حق التصويت من السوريات والسوريين المقيمين فى الخارج بأنهم الذين خرجوا من سوريا بصورة طبيعية وقانونية، وتتولى السفارات والقنصليات السورية التنظيم والإشراف على عملية الانتخاب. وهذا يعنى أن السوريات والسوريين الذين اضطروا للهروب من مناطق القتال واللجوء إلى الدول الأخرى، وكذلك الذين خرجوا فى موجات هجرة غير شرعية لن يكون لهم حق التصويت. كما أن الولايات المتحدة وأغلبية الدول الأوروبية أوقفت عمل السفارات السورية لديها.
ويلاحظ أن الانتخابات الرئاسية السورية التى أجريت فى عام 2014 تمت فى ظل ظروف بالغة الصعوبة حيث كانت المنظمات الإرهابية والمنظمات السورية المسلحة المدعومين من قوى إقليمية ودولية، تسيطر على أكثر من نصف الأراضى السورية، وكانت الأوضاع الاقتصادية سيئة والقوات المسلحة السورية تواجه موقفا بالغ الصعوبة فى مواجهة حرب استنزاف غير نظامية، ولم تكن روسيا قد تدخلت بعد عسكريا لدعم النظام السورى إلى جانب إيران وميلشيات حزب الله اللبنانى. وبالرغم من ذلك فقد حصل الرئيس بشار الأسد على 88% من إجمالى أصوات الناخبات والناخبين الذين تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم فى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام.
أما هذه المرة فإن الانتخابات الرئاسية ستجرى فى ظل ظروف أفضل نسبيا بكثير عن سابقتها، فقد تراجع موقف المعارضة ولم تعد بنفس القوة التى كانت عليها، كما استطاعت الحكومة السورية استرداد السيطرة على معظم الأراضى السورية وتبقى مناطق محدودة تحت سيطرة أطراف محلية مدعومة من قوى خارجية، وتنظيمات إرهابية ولن تشملها الانتخابات على الأرجح لأنها خارج سيطرة النظام السورى، وكذلك تأثير احتلال تركيا لمناطق فى شمال سوريا، ووجود قوات أمريكية لدعم الأكراد السوريين، دون موافقة النظام السورى الذى يعتبرها قوات احتلال ضد سيادة واستقلال سوريا. ولكن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالغة الصعوبة والتى زادت من حدتها الأزمة اللبنانية نظرا لارتباط الأوضاع المالية والاقتصادية فى البلدين وتأثيرها المتبادل إن سلبا أو إيجابا.
***
ثمة عوامل أخرى لا شك أن لها تأثيرا على الأزمة السورية المستمرة منذ عشر سنوات ومن هذه العوامل المتغيرات الإقليمية والدولية وانتهاج الإدارة الأمريكية الجديدة مداخل مختلفة للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط تبدو أنها تسعى لتسوية الأزمات فى المنطقة ابتداء بالأزمة الليبية، والأزمة اليمنية، والمقاربة مع إيران من أجل التوصل إلى صيغة لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى مع إيران وما سيكون لذلك من تداعيات إيجابية على موقف إيران فى كل من الأزمة اليمنية والأزمة السورية. هذا إلى جانب حالة التوتر فى العلاقات بين واشنطن وتركيا واختلاف موقفهما من مطالب الأكراد السوريين.
***
وقد عقد مجلس الأمن للأمم المتحدة اجتماعا يوم 28/4/2021 بحث خلاله تطورات الأزمة السورية والانتخابات الرئاسية السورية، وقد تحدث مندوبى كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأكدوا أنهم لن يعترفوا بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية لعدم مشروعيتها لأنها لا تشمل كل السوريين والسوريات فى الخارج وتخضع بصورة أساسية لرقابة النظام السورى فقط وهو ما يخالف ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر بالإجماع فى 2015 وضرورة إشراف الأمم المتحدة على الانتخابات وإجرائها فى مخيمات اللاجئين والنازحين داخل سوريا وخارجها دون استثناء. كما أن الانتخابات التى سيجريها النظام السورى لا تتوافر لها بيئة آمنة ومحايدة، وتتم فى جو من الخوف الدائم، وفى وقت يعتمد فيه ملايين السوريين والسوريات على المساعدات الإنسانية، ومن ثم فإنها تفتقر إلى الشرعية السياسية.
أما روسيا فقد اتخذت موقفا مختلفا سواء أثناء مناقشات مجلس الأمن، أو من خلال بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية، حيث دافعت عن شرعية الانتخابات الرئاسية السورية، وأنها تمثل شأنا داخليا سوريا يتوافق بالكامل مع الدستور السورى لعام 2012 والقوانين المحلية، وأن هذا لا يتناقض بأى شكل من الأشكال مع قرار مجلس الأمن 2254 وغيره من القرارات الدولية التى تخدم سيادة سوريا. واعتبار أن التصريحات التى تنطلق من عدة عواصم تمثل جزءا من حملة الضغط السياسى الواضح على سوريا، ومحاولة جديدة للتدخل فى الشئون الداخلية لسوريا، وأنه ليس من حق أحد أن يملى على السوريين والسوريات التوقيت والظروف الواجب توفرها لاختيار رئيس لدولتهم. وأعربت الخارجية الروسية عن أملها أن تجرى عملية الاقتراع وفقا للمعايير الوطنية والدولية، رغم استمرار الاحتلال الأجنبى غير الشرعى لأجزاء من الأراضى السورية، واستعداد روسيا لإرسال مراقبين روس للانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.
أما تركيا فقد أعلنت رفضها للانتخابات الرئاسية السورية وكأنها شأن تركى وبدون أى حق، وأكدت أنها غير شرعية لأن النظام السورى هو الذى يجريها بينما لا يرغب فى الحل السياسى للأزمة السورية، وأنها انتخابات لا يعترف بها أحد. وأكدت أنه على النظام السورى أن يدرك أنه لا حل عسكريا للأزمة السورية، وأنه يجب الاهتمام بالمسار السياسى.
وقد غلب الصمت الرسمى على أغلبية العواصم العربية والتى اكتفت بالتغطية الإعلامية لمجريات الاستعداد للانتخابات الرئاسية السورية وآراء الأطراف السورية المختلفة بشأنها والقوى الإقليمية والدولية فى صورة تقارير إخبارية فى معظمها ما عدا قليل من التعليقات. كما تواترت أنباء عن اتصالات عديدة بين أنظمة عربية والنظام السورى بعد توقفها لسنوات.
ويحرص النظام السورى على أن تكمل الانتخابات الرئاسية مسارها دون اعتبار لأى اعتراضات خارجية، ويتخذ جميع الاحتياطات الأمنية لتأمين العملية الانتخابية من أية أعمال عنف أو إرهاب قدر الإمكان بما لا يؤثر على هذا المسار.
***
ومن المتوقع بدرجة عالية فوز الرئيس بشار الأسد فى هذه الانتخابات وهو الأمر الذى يطرح بعض البدائل بالنسبة للأزمة السورية، منها أن تراجع الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة فى الأزمة السورية مواقفها وتتجه نحو الدفع الإيجابى لتسوية الأزمة فى إطار وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها، أو أن تظل الأزمة تراوح مكانها خاضعة لما سيتخذه كل من هذه الأطراف من إجراءات فى اتجاهات معينة، وأخرى مضادة لها، مع استمرار النظام السورى فى السير باتجاه خطوات تحقيق مكاسب عسكرية طالما أن المقترحات السياسية لا تناسبه. وفى كل الأحوال فإن الموقف مرتهن بمدى رغبة واشنطن وأطراف أخرى باستمراره يراوح مكانه وعرقلة الحل السياسى ومنع الحل العسكرى، أم إدخال الأزمة السورية ضمن التسويات العامة فى المنطقة وقبول التعامل مع النظام السورى إزاء عدم قدرة المعارضة السورية سواء فى الداخل أو الخارج على طرح بديل مقبول وممكن التحقيق.

مساعد وزير الخارجية الأسبق

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved