سر الإبداع فى «القاهرة كابول»..

خالد محمود
خالد محمود

آخر تحديث: السبت 8 مايو 2021 - 7:15 م بتوقيت القاهرة

يكمن سر الحالة الإبداعية الخاصة لمسلسل «القاهرة كابول»، ذلك السيناريو المدهش الذى مهد بنعومة واحترافية ووعى لقضيته وواقع وفكر شخصياته، وأعتقد أن المؤلف عبدالرحيم كمال كان ذكيا للغاية عندما اختار أن يتعامل مع العقل والمشاعر كخطين متوازيين وهو يطرح دراما موضوعه الشائك حول جذور الفكر الإرهابى وأحلامه المتطرفة ليس فى محيط المنطقة بحسب، بل فى العالم.
كانت هناك دائما طوال الأحداث حالات من التوازن الدرامى حتى لا يفر المشاهد أو يشعر بشىء من الوعظ والحكمة، تلك الحالات شكلت جذور القصة من البداية ما بين اوهام واحلام، رأينا فى ذلك المشهد الكاشف ببيت السيدة أربعة أولاد صغار كل منهم أفصح عن حلمه من تحت بطانية وأقسم بشىء يحبه يمكن من خلاله أن يحكم العالم، طارق قال إن القوة هى الفلوس والتى تحكم العالم.
خالد الحالم اختار السحر ليحكم العالم، بينما عادل قال العقل والعدالة، فيما قال رمزى: الخليفة.. ملك على كل المسلمين وغير المسلمين يدفعون الجزية.
كبر الأولاد، ونرى فى مشهد آخر خارج مصر، حيث يلتقى الأصدقاء الأربعة
بعد فراق طويل دام لسنوات، وكل منهم قد أصبح فى اتجاه ليس بعيدا عن الحلم، فى جلسة بدت حميمية قبل أن تنقلب بمنزل طارق كساب أو فتحى عبدالوهاب‘ الذى أصبح إعلاميا شهيرا فتحوا قلوبهم لبعض فى حوار طويل كاشف أيضا استعادوا فيه الذكريات، وعادوا بالزمن إلى عام 1981.
لكن يبدو أن الجلسة لم تنته كما كان مخططا لها، حيث شهدت تلاسنا بين كل من رمزى «طارق لطفى» الذى كشف عن توجهاته الدينية المتطرفة والسياسية منذ البداية، وبين عادل «خالد الصاوى» ضابط الأمن الوطنى، ليبدد هذا الصراع صوت طلق نارى معلنا عن مقتل خالد «احمد رزق» بعد تقديمه فيلما عن الإسلام السياسى، وبالطبع كان عادل هو المقصود والذى خطط للقتل هو طارق.
ما بين المشهدين، قصص وتفاصيل تبرز الخلط والخلل والشرخ الذى أصاب جزءا من المجتمع جراء تمدد الفكر المتطرف وخطورته، ولكن كان هناك أيضا حكايات إنسانية لبشر أحدثوا التوازن فى الصورة بوعى وحب ومنطق وكان لهم تأثير كبير مثل الثنائى نبيل الحلفاوى وشيرين.
بالطبع المخرج كان له دور كبير فى تقديم صورة ملهمة بشفافيتها وواقعيتها بجانب صدق أداء أبطالها الذين خاضوا مباريات ثنائية وثلاثية الأبعاد فى الأداء، وكم كان الحوار ثريا ومدهشا بسيطا، وعميقا ونتذكر مثلا حوار بين خالد الصاوى أو عادل ضابط الأمن الوطنى ومديره. يتساءل عادل: مين اللى حرك الفكرة المجنونة دى ومن يمولها.. مين يخليها حقيقة على الأرض؟
ويرد مديره «محمد أبو داوود» أطراف كثيرة جدا وساعات عكس بعضها.. دول كبيرة تبدو فى الظاهر أنها تحارب معاك وهى فى الحقيقة تساعده وتصنعه وتصدره ليك.. حلم مجنون وعقيدة فاسدة.. شخص يبدأ يحقق الحلم وكل أعدائك يساعدونه عشان يحقق لهم غرضهم وفى الآخر يخلصوا منه وبعدين يحضروا واحد بداله، بعد مايكون زرع فكرة مجنونة مشى وراها اجيال مغيبة ومنهم رمزى صاحب الطموح المجنون وغالبا يكون أقلهم علما وفقها.. بينما طارق كساب الخيط الواصل بين كل الخيوط وهى دى سلالم الشر.
أيضا هناك هذا المشهد الرائع والذى شكل عنصرا فى تحور الاحداث، عندما شاهدنا منال «حنان مطاوع» وهى تكتب لرمزى تقول له إنها فى حاجة اليه لتقضى باقى عمرها معه، طبعا على غير قناعتها ومن وراء قلبها لأنها ستكون فى مهمة خاصة للإيقاع به بعدما اخبرها عادل بأنه وراء مقتل أخيها وكثيرين وأنه خطر على الوطن.. قبلت منال المهمة وصدق عليها أبوها مدرس التاريخ «نبيل الحلفاوى» متخطيا مخاوفه مانحا درسا فى الوفاء للوطن والحياة.
بطبيعة الحال شكّل أداء الابطال الرائع عنصر جذب كبيرا، بل ويمثل نقلة نوعية لكل من فتحى عبدالوهاب الذى جسّد الاعلامى بكاريزما خاصة وخالد الصاوى الذى جسد شخصية الضابط بتألق وصدق وتلقائية مدروسة، وطارق لطفى الذى
يعيش مرحلة أخرى مع التمثيل فى دور أمير الإرهاب «الشيخ رمزى»، حيث بدأ منذ بداية ظهوره وهو يتقمص الشخصية وقد صبغها بطبيعة أداء مختلفة، من لغة جسد وتعبيرات ونبرة صوت مميزة، ونظرات عين مليئة بالطموح والغدر وهو يسلك طريق أحلامه غير المشروعة، فى قوامها بات الغدر والانتقام والكراهية وغلظة القلب وطريق الشر والضلال بدلا من الرومانسية ودفء المشاعر والطريق المستقيم، مفردات شكلتها الشخصية باقتدار ونضج ووعى خلقت الصراع الدرامى مبكرا، بينه وبين عالمه بمصر وعالمه بالخارج.
يقدم طارق لطفى تركيبة نفسية معقدة للغاية بكل ما فيها من شر لم يعد مدفونا، فقد قتل وخدع فى سبيل أن يكون الخليفة، حتى أحد أصدقاء عمره، تسبب فى قتله، هجر أهله، حبه الكبير قام بدفنه وراء نزواته فى كثرة الزواج كجزء أصيل لحياة أمير الجماعة حتى تكتمل الصورة.
بالتأكيد كان السيناريو الذى كتبه عبدالرحيم كمال ثريا للغاية وذكيا وهو يتنقل بأبطاله وفى مقدمتهم الشيخ حمزة بين الماضى والحاضر، بين عالم البراءة وعالم الصراع، وهو ما جعلنا نعيش فى أجواء المراحل الفكرية لكن طارق لطفى أيضا عبر عن تلك الأفكار بأداء سلس، وأسلوب يخلو من الافتعال والضجيج، خلال مواجهاته وصدماته سواء مع أهل عشيرته الجديدة، أو أصدقاء العمر والطفولة والشباب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved