مؤتمر عام جامع للتوافق والعمل الوطنى

عبد الفتاح ماضي
عبد الفتاح ماضي

آخر تحديث: السبت 8 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

ألا تشكل الأوضاع فى سيناء ومع إثيوبيا خطرا مشتركا لحاضر المصريين ومستقبلهم؟ ألا تمثل حدودنا الغربية خطرا فى ظل تهريب الأسلحة والبضائع؟ ألا تمثل الأوضاع المتأزمة فى ليبيا وسوريا خطرا علينا؟ ألا يشكل وضعنا الاقتصادى تهديدا للوطن كله؟ ألا يُعد انقسام القوى الثورية خطرا مشتركا على الجميع، بل وعلى الدول العربية بأكملها؟ وهل يمكن تصور نجاحنا فى مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية فى ظل هذه الانقسامات؟    

 

لكن هل يمكن للأوضاع الأمنية الصعبة فى سيناء وللمخاطر المتوقعة من السد الإثيوبى أن تدفع المخلصين والعقلاء داخل كل فصيل وطنى (فى السلطة والمعارضة) إلى التداعى لإنقاذ الوطن ونبذ الفرقة والتكتل لتصحيح المسار وتحقيق أهداف ثورتنا؟

 

نعم لابد أن تكون هى إجابة كل المصريين عن هذه الأسئلة، وذلك إذا خلصت النوايا وامتلك العقلاء بكل حزب وتيار إرادتهم السياسية وتعالوا على خلافاتهم الصغيرة ومضوا فى صنع انطلاقة جديدة للثورة، تعالج كافة الثغرات والعثرات التى واجهتها الثورة، وتضع خارطة طريق شاملة لاستكمال التأسيس والبناء.

 

●●●

 

كيف يمكن تحقيق هذا؟ الآلية المجربة تاريخيا وقت الأزمات هى التكتل الوطنى وتأجيل التنافس السياسى لحين انتهاء الخطر، ويتم هذا عادة فى الديمقراطيات القوية من خلال حكومات وحدة وطنية، أما فى الديمقراطيات الناشئة وأثناء مراحل التحول فيتم عن طريق التكتلات والتحالفات الواسعة والتركيز على الأولويات والمشتركات وتأجيل حسم القضايا الفرعية لما بعد التأسيس.

 

وأتصور هنا أنه يجب أولا على كل الأطراف بالسلطة والمعارضة إدراك حجم المخاطر وتجاوز شكوكهم المتبادلة وقبولهم العمل معا من أجل وضع استراتيجية وطنية متكاملة لاستكمال مرحلة التأسيس وتحديد الثوابت الوطنية لتحقيق الأمن والتنمية وصنع سياسة خارجية قوية. 

 

ويجب ثانيا الدعوة لمؤتمر عام للعمل الوطنى، تحضره كافة القوى السياسية الرئيسة، على أن يعقد خارج القاهرة بشكل متصل ولعدة أيام وبعيدا عن الإعلام. وتكون الغاية النهائية هى وضع استراتيجية وطنية للعمل الوطنى لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية واستكمال مؤسسات الدولة وتحديد ثوابت سياسة خارجية جديدة تتلاءم مع حجم المخاطر الحالية والمتوقعة.

 

ويجب ثالثا إعداد أجندة المؤتمر بحيث تتضمن تفاصيل الملامح الأساسية للاستراتيجية المنشودة، فالهدف هو نبذ الفرقة فى مرحلة التأسيس وإنقاذ الوطن وتصحيح المسار لتحقيق أهداف ثورتنا فى الحرية والعدالة والكرامة ومواجهة القوى المضادة للثورة فى الداخل والخارج. أما الوسيلة فهى التوافق والتكتل الوطنى حول خارطة طريق محددة وشاملة لإدارة مشتركة لما تبقى من المرحلة الانتقالية واستكمال بناء المؤسسات وتحديد الثوابت الوطنية.

 

وهناك خمس أولويات للمؤتمر فى اعتقادى، الأولى تحقيق التوافق السياسى الشامل بما يحقق المشاركة الوطنية الموسعة وعودة الاصطفاف الوطنى وراء أهداف الثورة وتأجيل التنافس الحزبى حتى انتهاء مرحلة تأسيس النظام الديمقراطى. والحقيقة هى أنه بدون البدء بهذا التوافق فلن يكون من الممكن التحدث عن بقية الأولويات. ولى عودة لهذا الأمر.

 

الأولوية الثانية هى وضع ملامح خطة محددة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية بما يضمن معالجة المسألة الأمنية، بما فى ذلك الأوضاع الأمنية فى سيناء وكافة المناطق الحدودية.

 

والثالثة تحديد ثوابت وملامح السياسة الوطنية للأمن القومى والسياسة الخارجية المصرية، بما فى ذلك العلاقات الاقتصادية مع الخارج، وبحيث يكون لدينا سياسة خارجية قوية وحاسمة تعبر عن المصلحة الوطنية وتصنع لمصر مكانة ونفوذا إقليميا ودوليا.

 

والرابعة الاتفاق على أسس وثوابت سياسة وطنية شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وخاصة فى سيناء والصعيد والمناطق المحرومة والعشوائية.

 

والخامسة تشكيل فرق عمل متخصصة من الخبراء والشباب (دون النظر إلى انتماءاتهم الفكرية والسياسية) لمساعدة الحكومة فى معالجة هذه الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية وبما يضمن أكبر قدر من الاستفادة من الخبرات المختلفة والطاقات الشبابية.

 

وبالعودة لأجندة التوافق، فلابد أن تتضمن الأجندة الاتفاق على انتخابات مجلس النواب (القوانين المنظمة والإجراءات والضوابط الجدول الزمنى)، بجانب التعديلات الدستورية التى وعد الرئيس بها، وذلك للعرض على مجلس النواب. فضلا عن الاتفاق على تركيز أعمال مجلس الشورى على مشاريع القوانين المتصلة بمجلس النواب وتأجيل مشاريع القوانين الخلافية إلى ما بعد انتخاب النواب، سعيا وراء التهدئة مع كافة مؤسسات الدولة وتركيزا على استكمال بناء المؤسسات.

 

وأتصور أيضا أن التوافق يقتضى الاتفاق على أن تكون أول حكومة بعد مجلس النواب حكومة وطنية موسعة، على أن تتضمن التعديلات الدستورية هذا الأمر، وذلك كما حدث بجنوب افريقيا.

 

لنجاح المؤتمر هناك متطلبات محددة، فلابد أن يعترف الجميع أن جذور المشكلة هى غياب التوافق وضعف المشاركة، وأن هدف المؤتمر لن يتحقق إلا بقناعة الجميع بضرورة المشاركة الواسعة فى تحمل العبء وتقديم الحلول، وبحتمية تأجيل الأجندات الحزبية إلى ما بعد استكمال التأسيس.

 

ومن المهم الإعلان عن أن كافة القضايا مطروحة للنقاش بالمؤتمر بما فى ذلك توسيع أو تغيير الحكومة، والإعلان عن أن كل مقررات المؤتمر ستخرج فى شكل مكتوب كعهد وطنى للتوافق والمشاركة كما حدث فى عدة تجارب أخرى. ومن الضرورى أيضا تشكيل لجنة اتصال ومتابعة، من شخصيات وطنية مستقلة، لمتابعة التنفيذ.

 

●●●

 

فى مثل هذه الأوضاع لا يجب أن تكون هناك سلطة ومعارضة وإنما تكتل وطنى حاكم يضم كافة القوى الرئيسة ورؤية وطنية واحدة لقضايا الداخل والخارج.

 

لن يذكر التاريخ فى مسار هذه الثورة إلا المحطات الكبرى التى نجحت فى جمع التيارات على المشتركات الكبرى والأولويات القصوى، وفى تأسيس النظام السياسى البديل الذى يحمى الحريات والحقوق والكرامة، ويصنع سياسات أمنية وخارجية قوية، ويضمن عدم العودة مطلقا لسياسات الاقصاء والإفساد.

 

ولن يذكر التاريخ إلا السياسيين الأقوياء الذين يقدمون التنازلات المتبادلة من أجل مصالح الوطن العليا، فهل يمكن للرئيس ولقادة القوى السياسية أن يكونوا من هؤلاء؟

 

إن البديل لهذا كله لن يكون إلا استمرار التأزم حتى تنفجر الأوضاع من جديد ونعود قسرا إلى نقطة الصفر. فاعتبروا يا أولى الألباب. 

 

 

 

أستاذ مساعد فى العلوم السياسية

 بجامعة الإسكندرية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved