مشروع القانون الانتخابى يعاند التعددية

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: الأحد 8 يونيو 2014 - 5:35 ص بتوقيت القاهرة

قبل ساعات من انتهاء ولايته، أصدر رئيس الجمهورية المؤقت قانون انتخاب مجلس النواب الجديد بناء على مشروع للقانون أعدته لجنة مشكلة لهذا الغرض وأقره مجلس الوزراء. أقل ما يقال عن هذا القانون إنه يتعمد وأد التعددية الحزبية الفعلية فى مصر من قبل أن تنشأ، وأن يخنق الحياة السياسية فيها.

أول ما يلفت النظر فى القانون هو تحديده عدد مقاعد مجلس النواب بـ567 مقعدا، وهو عدد لا يقاربه عدد مقاعد أى مجلس تشريعى مصرى سابق. أعداد مقاعد مجالس النواب فى روسيا 450 مقعدا، وفى الولايات المتحدة 435 مقعدا، وفى الهند 543 مقعدا، وأحجام سكان هذه البلاد على التوالى 143 مليونا، و313 مليونا، و1240 مليونا! أى منطق فى أن يفوق عدد ممثلى الشعب المصرى أعداد ممثلى سكان هذه البلاد؟

•••

الخصيصة الثانية التى نالت بالفعل كثيرا من التعليقات ورفضتها أغلب الأحزاب والقوى السياسية فى صيغتها الأولى هى المتعلقة بتوزيع المقاعد بين التمثيل الفردى والقوائم، وهو توزيع لم يصل فى النهاية إلا إلى 77.7 فى المائة للأولى و22.3 فى المائة، بواقع 120 مقعدا، للثانية. حجتان تساقان للدفاع عن هذا التقسيم وهما أن الانتخابات الفردية هى التى يعرفها المصريون واعتادوا عليها، من جانب، وأن الأحزاب المصرية ضعيفة وبالتالى، فإن هذا هو ما تستحقه، من جانب آخر. الحجتان متهافتتان، وهما أقبح من الذنب المقترف بتحديد التوزيع النسبى للمقاعد. اما عن اعتياد المصريين، فإن هذا بالضبط ما ينبغى تغييره من أساسه. لا يجادل أحد فى أن ما اعتاد عليه المصريون فى السياسة سيئ، وهو الذى أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال مؤسفة، فما الحكمة من الإبقاء على الطريق التى أوصلتنا إلى هذه الحال؟ الحجة، أو العلة، الثانية، أى ضعف الأحزاب، ينبغى أن يستخدم القانون الانتخابى فى علاجها، بدلا من أن يتعمد مفاقمتها! يبدو أن هذه الحجة تنبع من فهم للأحزاب على أنها متطفلة على الحياة السياسية، تعرقل السلطة وتعطلها عن أداء وظائفها. هذا فهم خاطئ تماما، يرجع إلى عقود ماضية، وربما كان سببا أساسيا فى تخلف النظام السياسى فى مصر، ولعله الأصل أيضا فى تخلف جميع أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

•••

وظيفة أساسية متفق عليها للأحزاب هى أنها تجمِع المواقف والمصالح التى تعبر عنها مجموعات المواطنين فى عدد من التحليلات والقيم والاتجاهات والسياسات المقترحة المشتركة تكون هى اسهامها فى الحياة السياسية، وتشارك بها فى عملية صنع القرار. على ضوء توصيف هذه الوظيفة، تبدو جلية العلاقة بين الزيادة الهائلة فى عدد مقاعد مجلس النواب وبين تعمد إضعاف الأحزاب السياسية عن طريق ضعف نسبة المقاعد المخصصة للقوائم، فضلا على فكرة القوائم المغلقة، وهى الفكرة العجيبة المبطلة للحكمة من القوائم الانتخابية! العدد الهائل فى المقاعد يؤدى إلى تكاثر الآراء والمواقف، وبدون أحزاب قوية تجمِعها وتسهم بها فى النقاش السياسى تظل الآراء والمواقف متناثرة لا تؤثر فى القرار بأى شكل فعال. الكثرة والتناثر ليسا تعددية بل هما نقيض لها، وهما تؤديان إلى تسيد السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.

•••

الأحزاب توجد لتشارك فى عملية صنع القرار السياسى، تناقشه، وتعترض عليه، وتصوبه، وتجود فيه، فيتفادى هذا القرار التسرع والسقطات والأهواء والانفعالات، ويخرج على شكل يحقق المصلحة العامة. تدعيم الأحزاب هو اختيار لأفضل عملية لصنع القرار وأكثرها رشادة. لذلك، فإن كانت الأحزاب ضعيفة فينبغى تقويتها، والقانون الانتخابى سبيل لذلك. بدلا من أن تعايرها بضعفها، فالجدير بالدولة، التى تبغى مصلحتها وتريد حقا خوض طريق جديدة للتقدم والنهوض بالوطن، أن تعمل على وضع سياسة لتنمية النظام الحزبى فتوفر للأحزاب سبل تنظيم نفسها، وضم الأعضاء إليها، وتزويدها بالمعلومات، وتدريب كوادرها على إدارة العمل الحزبى وعلى التعامل مع الجماهير. على الدولة أن تعمل على تحقيق التنمية السياسية بقدر ما هى مطالبة بتوفير الظروف للتنمية الاقتصادية. عشوائية السياسة وعشوائية الاقتصاد مرتبطتان ارتباطا وثيقا.

•••

ثلاث خصائص إضافية فى مشروع القرار، على الأقل، تستدعى التعليق. الأولى تتعلق بتمثيل المواطنين الأقباط. مؤسف أساسا أن تصل الثقافة السياسية فى المجتمع إلى الحد الذى يجعل القانون يخصص عددا من المقاعد لهؤلاء المواطنين بدلا من أن يكون انتخابهم على أساس المساواة وعدم التمييز بين مجموع المصريين. ولكن إن تغاضينا عن هذا الأسف، أكل مطمح مشروع القانون أن يمثل المواطنين الأقباط أربعة وعشرين نائبا، أى أقل من أربعة فى المائة من النواب؟ أما النساء فالمستهدف لهن، بعد أخذ وعطاء، هو ستة وخمسون مقعدا، أى 10 فى المائة من المقاعد! هذا فى الوقت الذى تمثل فيه النساء حوالى 52 فى المائة من المواطنين المقيمين فى مصر، و22 فى المائة من القوى العاملة، ناهيك عن أن هذه النسبة الهزيلة المخصصة للنساء جاءت فى أعقاب الاحتفاء غير المسبوق بمعرفتهن لواجباتهن الوطنية وبمشاركتهن فى انتخابات رئاسة الجمهورية! الخصيصة الإضافية الثالثة هى المتعلقة بتمثيل المصريين فى الخارج. ينص مشروع القانون الانتخابى على أن المصرى بالخارج هو ذلك الذى «جعل إقامته فى الخارج بصفة دائمة بأن حصل على إذن بالإقامة الدائمة أو أقام فى الخارج مدة لا تقل عن عشر سنوات سابقة على فتح باب الترشيح». مؤدى هذا التعريف هو استبعاد 75 فى المائة من المصريين المقيمين بالخارج من عضوية المجلس، وهم أولئك الذين يرسلون إلى مصر ما يقرب من كل العشرين مليار دولار من تحويلات مالية سنوية، فهؤلاء يعملون ويقيمون فى بلدان عربية فى الخليج وغيره لا تمنحهم أذونا بالإقامة الدائمة! من شأن هذا الحكم أن يمثل المصريين فى الخارج مواطنون فى بلدان الهجرة الاستيطانية المسماة بالدائمة، ولأنهم لا يستطيعون البقاء فى مصر وحضور كل جلسات المجلس مثل غيرهم من النواب، وهو ما أعلنت اللجنة أنها حريصة عليه، فإن الأمر سيؤول إلى أن يمثل المصريين فى الخارج من عاش فعلا فيه لمدة عشر سنوات ثم عاد ليستقر فى مصر وانتفت عنه صفة المقيم فى الخارج! وحتى من بين هؤلاء فإن شروط الترشح لن تنطبق إلا على قلة بعد أن استبعد القانون فى الصيغة التى صدر بها المواطنين الذين اكتسبوا جنسية ثانية وهو ما لم ينص عليه دستور 2014 نفسه.

القانون الانتخابى يشوه تمثيل المصريين ويعرقل التنمية السياسية للبلاد، ويحول دون النهوض بها والتقدم بشعبها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved