جعلونى مفكرا

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 8 يونيو 2018 - 10:30 م بتوقيت القاهرة

كان متفوقا طوال حياته، دخل كلية الطب حتى أصبح أستاذا بارعا فى الجراحة العامة فرئيسا لأقسامها فى جامعة مرموقة فى مصر وطب رفيع فيها هو «طب عين شمس» فأصبح علامة بارزة فى عالم الجراحة، لكن نفسه لم تقنع بذلك.
جاهد فى مجال الفكر والرأى حتى أصبح مفكرا مرموقا، نشأ فى بورسعيد لكنه تأثر فى ذلك باثنين من أخواله كانا يعيشان فى فارسكور، الأول خاله عبدالوهاب مجاهد الذى كان تربويا مرموقا يملك مكتبة ثرية عربية وإنجليزية قرأ فيها صاحبنا كل شىء، وكان خاله عبدالوهاب من كبار مثقفى فارسكور وله نشاط اجتماعى وسياسى، وتجارب تربوية وأخلاقية ثرية تعلم منها صاحبنا وتأثر به وبها حتى توج هذا التأثر بأن تزوج ابنته ماجدة رفيقة عمره والتى أهداها كتابه الذى يحكى فيه قصة حياته «أصداء وظلال».
أما خاله الثانى فهو د. سامى مجاهد استشارى الباطنة والذى تعلم منه الدقة والتنظيم والمثابرة فى العلم.
كان مفكرنا من رواد سوار الأزبكية منذ بداياته الدراسية الأولى، حيث اشترى «المنتخب من أدب العرب» وديوانى المتنبى وأبى العلاء المعرى بأربعين قرشا وقتها.
تأثر بوالده الذى كان رجل دولة بحق تعلم منه احترام النفس والآخرين، حيث كان حكيم عائلته الكبيرة وكذلك عائلة زوجته ووصل إلى درجة نائب وزير.
تأثر بالإذاعة المتألقة وقتها وبأم كلثوم، كما أحب أن يجمع بين الطب والفكر مثل مصطفى محمود ويوسف إدريس وإبراهيم ناجى، ومحمد كامل حسين والمخزنجى، رغم أن معظم هؤلاء لم يبرزوا فى الطب وخاصة الجراحة التى لا تقبل شريكا مثلما برع مفكرنا، وبعضهم هجر الطب.
ولكن اللبنة الأولى والأساسية لبناء عقل مفكرنا كانت على يد المرحوم د. عبدالوهاب المسيرى، حتى كتب عن رحلته الفكرية كتابه الشهير «رحلة عن عبدالوهاب المسيرى الفكرية» والذى صدر سنة 2008، كان هائما فى روح وفكر المسيرى، كما تأثر كثيرا بالدكتور عبدالصبور شاهين الذى أصدر كتابا عن آدم عليه السلام أحدث ضجة كبيرة وقتها فأصدر صاحبنا كتابه الشهير «أبى آدم.. من الطين إلى الإنسان»، ويدور حول احتياج منظومة الخلق إلى تدخل خالق حكيم وأن الخلق لا يمكن أن يحدث عشوائيا، ويتبنى الكتاب أن التطور الذى يحظى بإجماع علمى على مستوى العالم قد حدث بتوجيه إلهى ولذلك أطلق عليه «التطور الإلهى».
وقد قام مفكرنا الكبير بتحديث وتوسيع مفاهيم الكتاب سنة 2011 فأسماه «كيف بدأ الخلق»، ثم كتب كتابه الرائع «المخ ذكر أم أنثى» بمشاركة صديقه الفاضل دكتور مهندس نبيل كامل، وهو يحكى عن الفروق البيولوجية بين مخ الذكور والإناث مما يؤدى إلى فوارق سلوكية ونفسية وشعورية بينهما، وهذا ما يؤيده العلم الحديث حتى أن العلامة د. أحمد عكاشة قال عن الكتاب إنه يصلح رسالة دكتوراه ممتازة فى علم النفس وطلب أن يكتب له إهداء الطبعة الثانية وحدث ذلك.
أما كتابه الثالث فقد ترجم كتاب «هناك إله» للسير أنتونى فلو أستاذ الفلسفة بجامعة أكسفورد ويتحدث عن رحلة المؤلف من الإلحاد إلى الإيمان، وقد دفعته ثلاثة مفاهيم للإيمان بالله وترك الإلحاد، وقد ترجمه مفكرنا الجراح العظيم د. عمرو شريف فى كتابين هما «رحلة عقل»، «نستكمل الرحلة» وقدمه د. أحمد عكاشة قائلا «إنه طرح جديد يعتبر ثورة فى المفاهيم العلمية وثورة فى النظر إلى الدين».
وقد لاقى الكتاب ضجة واسعة جدا، وساعد على نشر أفكار مفكرنا حيث استضافه المفكر الكويتى الشهير د. محمد العوضى للكويت لتسجيل سلسلة حلقات سميت «العلم الحديث فى مواجهة الإلحاد» ويعتبر الكتاب من أكثر الكتب الفكرية العربية مبيعا وصدرت منه 15 طبعة حتى الآن، وهذا الكتاب جعل مفكرنا يدخل فى نقاشات موسعة مع الملحدين فى العالم كله ليسترجع منهم الكثيرين إلى حظيرة الإيمان.
وشجعه ذلك كله ليكتب كتابه «ثم صار المخ عقلا» سنة 2012 تناول فيه المخ البشرى وأسراره والملكات العقلية التى تفرد به الإنسان عن سواه ويعرض فيه أيضا العلاقة بين المخ البشرى والمشاعر الروحية وعلاقة البيولوجيا بالمفاهيم الصوفية.
ثم كتب «أنا.. تتحدث عن نفسها» تحدث فيه عن أنا فى العلوم الطبيعية، أنا فى العلوم الإنسانية، أنا فى القرآن الكريم.
ثم كتب «خرافة الإلحاد» بعد أن وجد أن موجة الإلحاد قد ارتفعت بشكل حاد فى بلاد العرب ومنها مصر، ثم بسط هذا الكتاب للشباب وأخرجه فى كتيب اسمه «وهم الإلحاد» قدم له د. محمد عمارة ونشر كملحق لمجلة الأزهر سنة 2014.
ثم كتب «الإلحاد مشكلة نفسية» بعد أن تيقن أن جزءا نفسيا عميقا يجرى فى نفوس الملحدين يجعلهم يرفضون قضية الإيمان دون وعى عقلى أو تأمل فكرى ودون أن يبذل الشاب الجهد الذى يبذله فى قراءة كتالوج هاتفه المحمول الجديد، فيعلن الرفض هكذا دون منطق فى أخطر قضية فى الوجود، حتى أطلق على الإلحاد بين شبابنا «الإلحاد السوفسطائى». وقد جاء الكتاب بعد بحث عميق من مفكرنا وجراحنا الكبير ووجد أن كل الأوساط فى علم النفس والطب النفسى وعلم الاجتماع فى الغرب قد اهتمت بهذا الموضوع.
وقد عرض فكرة هذا الكتاب على صديقه العلامة د. أحمد عكاشة الذى أعجبته الفكرة وشجعه على ذلك، وهذا الكتاب يعتبر من أوائل الكتب العربية التى تبحث فى «علم النفس الملحد والإلحاد».
هذه كانت بعض الكتب المهمة لمفكر عظيم وجراح كبير ملأ الدنيا علما وفكرا وطبا وكرما وتواضعا، وهو يعد أعظم من رد على الإلحاد والملحدين بالعلم والفكر، ليس بالحكم عليهم أو الصراخ أو الصياح أو التكفير.
إنه أستاذنا ومفكرنا وجراحنا العظيم أ.د. عمرو شريف الذى ملأ الدنيا علما وفكرا وخلقا وزهدا وعفة وكرما.. تحية له ولكل من يسعى للحق والحقيقة ويخدمها بحق وصدق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved