قبل أن تنهشنا الذئاب!

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 8 يونيو 2020 - 7:20 م بتوقيت القاهرة

ربما تمر سنوات طويلة قبل أن نعرف على وجه اليقين حقيقة فيروس كورونا، هل هو صناعة بشرية فى أحد المختبرات المخصصة للحرب البيولوجية بين الدول الكبرى، انتقل بالمصادفة أو بالخطأ أو عن عمد ليثير هذا الفزع غير المسبوق فى عالمنا المعاصر، أم أنه مجرد تطور طبيعى لعائلة هذا الفيروس التى تحولت أجيالها المتعاقبة من إصابة الإنسان بالزكام الخفيف، مرورا بأدوار الانفلونزا المختلفة، حتى وصلت إلى تدمير جهازه التنفسى، والتسبب فى موت مئات الآلاف حول العالم فى نسخته الأخيرة المسماة «كوفيدــ19»؟

المؤمنون بنظريات المؤامرات الدولية يرون أن الكورونا هو أحدث طراز من أسلحة الحرب البيولوجية، ودليلهم على ذلك أن الرئيس الأمريكى ترامب اتهم الصين صراحة بنشر هذا الفيروس، وأنها أخفت عن العالم حقيقته القاتلة رغم انتشاره فى مدينة ووهان الصينية، فى حين ردت دوائر صينية باتهام فرق تجسس تأخد أوامرها من الجيش الأمريكى بنشر الفيروس فى ووهان، فى نفس الوقت التى انتشرت فيه مزاعم بتخليق الفيروس فى أحد المختبرات العسكرية الأمريكية فى ولاية ميريلاند.

أما المهووسون بنظريات المؤامرة، فيرون أن «الحكومة الخفية» التى تحكم العالم وتهيمن عليها ثلاث عائلات يهودية كبرى تمتلك مليارات الدولارات وتسيطر على البنوك والصحف و الصناعات الكبرى فى أمريكا ــ روتشيلد وروكفلر ومورجان ــ هى التى تقف وراء تخليق ونشر الفيروس لأسباب عدة، أهمها الوقوف أمام صعود التنين الصينى ليحتل صدارة الاقتصاد العالمى، فى حين يرى آخرون أن الهدف الحقيقى لهذه العائلات هو تقليص أعداد البشر ليصبحوا 500 مليون فقط، وأن بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت متورط فى هذا المخطط الذى يستهدف تركيب شرائح الكترونية داخل أجساد كل البشر للسيطرة عليهم وتوجيه أفكارهم وتحركاتهم وانشاء حكومة عالمية تهيمن عليها هذه العائلات اليهودية!

هناك مبالغات كثيرة فيما يقوله هؤلاء، فحتى الآن لم يستطع أحد منهم تقديم أى دليل مادى يؤكد وجهة نظره، كما أنهم على اختلاف درجاتهم لا يفرقون بين تأثيرات هذه العائلات الكبرى على السياسة الأمريكية سواء بشراء السياسيين أو صنعهم، أو توجيه الرأى العام عبر مؤسسات الإعلام والصحف الكبرى وأفلام هوليوود وغيرها، وبين التحكم الكامل فى السياسة الأمريكية والعالمية وكأنهم يحتكرون وحدهم كل تفاعلاتها ويوجهونها فى المسار الذى يريدونه.

لكن سواء كان هذا الفيروس مجرد بروفة أطلقتها جهة ما لحروب بيولوجية مقبلة، أو أنه مجرد سلالة جديدة ظهرت بشكل طبيعى، فقد استطاع تغيير شكل العالم، وأن يفرض علينا تغييرات هائلة سنشاهدها خلال المرحلة المقبلة بتوازنات وتفاعلات جديدة، فقد نعود لنظام ثنائى القطبين بين الصين وأمريكا وهو وضع سوف يسمح لقوى إقليمية فى مختلف أنحاء العالم بنفوذ أكبر، وما تفعله تركيا فى الاقليم من سوريا إلى ليبيا لتثبيت نفوذها وتحقيق مصالحها نموذج واضح، وقد يفرض على روسيا استعراض قوتها العسكرية فى منطقتنا حيث البترول والفراغ السياسى حتى تضمن موقعا مؤثرا وسط الكبار فى العالم، وقد يؤدى الكساد الاقتصادى الذى يضرب كل الدول إلى اضطرابات سياسية واسعة، قد تسقط نظم، وقد تستعيد نظم أخرى قوتها التى فقدت جزءا منها تحت ظروف وضغوط معينة كسوريا وإيران مثلا على حساب دول مجاورة لهما، وقد نشهد حروبا بالوكالة فى هذه المنطقة أو تلك كما تنبئ مجريات الأحداث فى ليبيا، وقد تقوم إسرائيل بمغامرات عسكرية هنا أو هناك.

الأهم بالنسبة لنا ان نعيد قراءة كل أوضاعنا الداخلية لمواجهة الجمود الذى يخيم على حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، لكى نكتشف مواطن قوتنا وأوجه ضعفنا قبل أن تنهشنا ذئاب العالم الجديد!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved