سجل التواصل الاجتماعى فى الحفظ والصون

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الثلاثاء 8 يونيو 2021 - 8:30 م بتوقيت القاهرة

لا نعرف ماذا تفعل شركات التواصل الاجتماعى بما تملكه من معلومات عن كل مستخدم. ولا نعرف هل تعرف الحكومات إلى أى مدى يتضرر الأمن والسلم القومى من توغل التطبيقات الإلكترونية على هذا النحو فى حياتنا! وقد يظن البعض أن أجهزة الدول تعلم كل شىء وبالتالى الوضع آمن، ولكن إليك هذه القصة القصيرة. أعرف مناضلة فلسطينية من عرب الداخل كانت دائمة المعارضة على الفيسبوك وتنشر الكثير من الآراء الثورية ضد الاحتلال. ثم اختفت من الفيسبوك قبل نحو ثلاث أشهر، ولم تنشر أى شىء جديد على صفحتها.
فى البداية لم أتنبه، ولكن فى أثناء المواجهة بين الفصائل وإسرائيل فى مايو الماضى، بحثت عنها لأتابع ما تكتبه، ولكن لم أجد أى تعليق لها. ثم فجأة ظهرت بحساب جديد على الفيسبوك وحكت ما جرى لها، وقالت اعتقلتها سلطات الاحتلال وأجبرتها على اعطائهم اسم المستخدم وكلمة السر لصفحتها على الفيسبوك، ثم غيروا كلمة السر لكيلا تستطيع استعمالها مرة أخرى. وهنا تنبهت لأمر، إذا كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلى لا تملك برامج تستطيع متابعة ما يجرى على صفحة ناشطة، واحتاجت للحصول على اسم المستخدم وكلمة السر لتصل إلى ما خفى عنها، فهل نبالغ إذا قلنا إن شركات التواصل الاجتماعى تعمل لحسابها الذاتى، والذى لا نعرف من يستفيد منه؟ ولكن كيف تعمل شركات التواصل الاجتماعى التى تعتمد على الذكاء الاصطناعى؟
•••
الذكاء الاصطناعى لا يعمل طبقا لكود أخلاقى ولكنه يعمل طبقا لكود من الرياضيات. وهو لا يعتمد على فك شفرة المنطق الإنسانى ولكنه يعتمد على اللوغاريتمات التى تصنف المعلومات. ويحتاج الذكاء الاصطناعى إلى كم هائل من المعلومات لكى يستطيع العمل بكفاءة. ولقد أصبح هذا متاحا على نطاق واسع منذ انتشار أجهزة الموبايل الحديثة، أو السمارت فون، فى أيدى معظم الناس. وهى أجهزة مليئة بالتطبيقات الحديثة التى تجمع معلومات لا حصر لها عن كل مستخدم وتصنفها وتصنع منها صورة نمطية عنهم. لاحظ أن هناك طرقا متنوعة لبرامج الكومبيوتر، طريقة «افعل كذا» وهى الطريقة الكلاسيكية التى تعتمد على الأوامر التى يحتويها برنامج الكومبيوتر ويتصرف على أساسها. وهناك طريقة ثانية وهى أكثر حداثة تعتمد على التعلم الذاتى لبرنامج الكومبيوتر نفسه، وهو ما يطلق عليه الذكاء الاصطناعى. وبرنامج الكومبيوتر ذاتى التعلم يعتمد على لوغاريتمات لتصنيف ما يتلقاه من معلومات طبقا لمعادلات رياضية. لكن هذه التصنيفات ليست ملك المستخدمين الذين يخضعون لها ولكن ملك الشركات المالكة للتطبيقات. وأقصى ما بوسع المستخدمين فعله هو مقاومة سلبية مؤقتة، عن طريق عدم تحميل أو استخدام تطبيقات معينة، أو اللجوء لخيار أكثر راديكالية والامتناع عن استخدام أجهزة السمارت فون والعودة إلى أجهزة المحمول التقليدية.
لاحظ أن من يملك هذه المعلومات ليست حكومات ولكن شركات، مثل فيسبوك وتويتر وجوجل، التى يحصرها البعض فى تسع شركات كبرى، ست منها أمريكية وثلاث صينية. ونحن لا ندرى ماذا تفعل بهذا الكم الهائل من المعلومات التى تحتفظ بها. ولكن إليك سؤال توضيحى، هل جربت مرة أن تتحدث مع أحد عن نوع من المنتجات ثم وجدت بعدها إعلان على الفيسبوك للمنتج الذى تحدثت عنه؟ هذه ليست مصادفة، فبعض التطبيقات تتابع وتستمع لما تقوله، وهى ذاتية التعلم طبقا للوغاريتماتها الداخلية، التى لا نعلم عنها شىء، ولكننا نرى نتائجها. والتطبيقات التى تفعل ذلك تعتمد على الإعلانات لتوليد الدخل، وبالتالى لديها مصلحة فى ترويج المنتج، وهى تريد الوصول أو توصيل إعلان المنتج للشخص الصحيح فى الوقت المناسب! لكن كيف تعرف الشخص المناسب والوقت الملائم له؟ وإليك سؤال آخر، هل جربت فى موقف اجتماعى أو حتى فى العمل أن تتعرف على شخصا ما، ثم بعدها وجدت البروفايل الخاص به فى قائمة الأسماء المقترحة للتعرف عليها على مواقع التواصل الاجتماعي؟ حسنا، الكثير منا تعرض لهذا الموقف، ولكننا لا نعرف كيف عرف موقع التواصل الاجتماعى أن ثمة لقاء قد حدث، وأنه قد ينتج عنه رغبة فى تعميق التعارف من عدمه.
•••
مهلا، هل بوسع بعض تطبيقات التواصل الاجتماعى أن تعرف عن المستخدم عن طريق اللوغاريتمات أكثر مما يعرف عن نفسه؟ هل تستطيع التعرف على لحظات الحاجة، أو الرغبة، أو الانفعال لدى المستخدم؟ هل تستطيع اللوغاريتمات تحديد أو ترجيح مدى ملاءمة شخصين ليصبحا أصدقاء أو أكثر من ذلك؟ وإذا كان هذا من الممكن، فهل يدرك الناس أنهم خاضعون لهذه اللوغاريتمات التى قد تغير حياتهم عن طريق التسلل إلى «منطقة عمياء» لا يدركها إلا التطبيق ذاته؟ وإليك سؤالا أكثر حساسية، هل تتصور مدى معرفة تلك الشركات العملاقة، التى تملك فيضا من المعلومات عن مئات الملايين من البشر، وعن أشخاص قد يلعبون دورا مؤثرا فى صنع سياسات بلدانهم؟ ثم من يملك هذه الشركات، أو بالأحرى من يستفيد من هذه المعلومات؟ لاحظ أن هذه شركات أجنبية، جمعت وتجمع معلومات لا حصر لها، وإلى الآن لا يطبق عليها قوانين لحماية بيانات المستخدمين. وهذه التطبيقات لا تعمل لصالح الشركات المالكة فقط، ولكن من يعرف كيف يستغل اللوغاريتمات بدقة. ولقد رأينا كيف اتهمت الولايات الأمريكية الحكومة الروسية بوقوفها وراء هجوم سيبرانى أسفر عن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية عام 2016.
لقد جرت العديد من الدراسات عن كيفية تغير نتائج التصويت فى الانتخابات، وفى إحداها التى عرضها الفيلم الوثائقى «Coded Bias»، جرت تجربة على شريحة من المستخدمين تم تقسيمهم إلى مجموعتين. الأولى تعرضوا لمشاهدة إعلانات تحفز على التصويت. والمجموعة الثانية رأت نفس الإعلان بإضافة بسيطة للغاية، وهى إبراز صور صغيرة الحجم لبروفايل بعض أصدقائهم أسفل الإعلان ممن قاموا بالتصويت بالفعل. والنتيجة زيادة نسبة التصويت فى المجموعة الثانية عن المجموعة الأولى بنسبة 1%، وهى نسبة كفيلة بتغير النتائج فى الديمقراطيات. وفى السياق ذاته، يستطيع أى عربى القول لقد رأينا ما فعلته مواقع التواصل الاجتماعى فى بلداننا بعد أن اتهمها الكثيرون بأنها الدينامو المحرك للثورات العربية التى اندلعت منذ 2011. وبغض النظر عن تقييم هذا المفهوم، هل بوسع أحد الآن تحديد الأثر الحالى والمستقبلى الذى تحدثه مواقع التواصل الاجتماعى فى المجتمعات العربية؟ لاحظ أن شركات التواصل الاجتماعى لا تخضع للحكومات العربية، وأقصى ما فعلته بعض الحكومات هو تطبيق ضريبة على الإعلانات التى يتم بثها عبر مواقع التواصل. ثم استحدثت بعض الدول عقوبات للحد من الجريمة الإلكترونية، والتى من ضمنها سوء استخدام المواقع بطريقة تضر بالأفراد أو المجتمعات. وفى الأغلب يكون التركيز على نشر الإشاعات والتشهير بالناس.. إلخ. لكننا نجهل ما تسجله عنا اللوغاريتمات، وكيف نغلبها!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved